منذ أن كان الطفل جنيناً في بطن أمه فإن الله تعالى قد كفله ورعاه وجعل له من أسباب الحماية ما يؤمنه من جميع المؤثرات الخارجية التي هي أكبر من إمكانياته وقدراته على مواجهتها، قال تعالى: (أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاء مَّهِينٍ {20} فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ {21} إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ {22} فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ {23}) (المرسلات).
وبعد الولادة حصّنه الله وحماه، ووضع في جسمه خصائص فريدة تجعله يتكيف مع الحياة بصورة آمنة، وتحفظه من الأمراض والأوبئة التي قد تقابله ولا يقوى جسمه الصغير على تحملها، كما منحه الله تعالى سرعة كبير في التئام عظامه ولحمه إذا أصيب بكسر أو جرح.
ولا يزال الوالدان بعد ذلك يباشران رعايته والعناية التامة به والمحافظة عليه من الأخطار التي تهدد صحته وأمنه وسلامته.
ولكن بمرور الأيام والسنين ينمو الطفل ويشبّ وتصبح نوعية المخاطر التي تحيط به أكثر خطراً وتعقيداً، خاصةً ذلك النوع الذي يستهدف البنية العقدية والأخلاقية لأبنائنا.
ونفرد الحديث اليوم حول أحد المخاطر التي قد يتعرض لها الطفل، وهو التحرش الجنسي بالأطفال، ذلك الخطر الذي يحدق بأبنائنا ويقابل غالباً من أسرة الطفل بالصمت وغياب رد الفعل المناسب تجاه الطفل أو المعتدي.
ومن مأمنه قد يُؤتَى الحَذِرُ!
وتكمن المشكلة في هذا النوع من المخاطر في وقوع الاعتداء غالباً من أناس يأمن الوالدان جانبهم، كالخدم أو السائق أو بعض الأقارب والأصدقاء، وربما يحدث الاعتداء الجنسي على الطفل من طفل آخر أكبر منه سناً، وقد أشارت إحصائيات أمريكية إلى أن أكثر الاعتداءات الجنسية على الأطفال تقع من أفراد يعرفونهم مثل: أستاذ المدرسة، أو طبيب العائلة، أو مشرف المخيم.
كما يمثل الأثر السيئ الذي يتركه تعرض الطفل -أو الطفلة- للتحرش أو الاعتداء الجنسي، جزءاً مهماً من المشكلة، فكم أخبرتنا نتائج الاستبانات عن أطفال تأثروا سلبياً بعد تعرضهم لحوادث من هذا النوع، فمنهم من أصبح ضعيف الشخصية منطوياً معظم أوقاته، ومنهم من كرهت الرجال والزواج، ومنهم من اتجه للانحراف عياذاً بالله تعالى.
ولذلك فعلى الوالدين أن يأخذا بكل أسباب الحماية والوقاية اللازمة حتى لا يتعرض الصغار لمن يغتال براءتهم دون خوف من الله تعالى، أو رادع من ضمير يقظ.
1- الدعاء والتضرع لله تعالى:
في هذا الزمان الذي تتلاطم فيه أمواج الفتن والأخطار ودواعي الانحلال وفساد الأخلاق، والتي لا نبالغ إذا قلنا إنها تستهدف أبناء المسلمين على وجه الخصوص، يبقى الدعاء الخالص لله تعالى هو طوق النجاة الذي يتعلق به كل والد ووالدة يريدان لأبنائهما صلاح الدنيا والآخرة، وهذا هو دأب المرسلين كما قال الله تعالى في محكم كتابه عن نبيه إبراهيم: “واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام”، وقال تعالى في صفات عباد الرحمن: “والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً”.
2- تربية الأبناء على الحياء وستر العورة وعدم التساهل في ذلك:
من الأخطاء الشائعة بين كثير من المسلمين، التساهل في كشف العورات أمام الأطفال، أو التساهل في كشفها فيما بينهم، باعتبارهم صغاراً لا يدركون هذه المسألة، فلا يتحفظون منهم ولا يشدّدون في التنبيه عليهم، وإلزامهم بالتستر سواء عند تغيير الملابس أو عند الاغتسال، وغير ذلك من الأحوال.
وهذا التساهل خلاف السنة النبوية المطهرة، فقد كان النبي ينشّئ الصغار من أبناء الصحابة رضي الله عنهم على التستر وحفظ العورات، فعن زينب بنت أبي سلمة رضي الله عنهما قالت: “دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل، فأخذ حفنة من ماء فضرب بها وجهي وقال: وراءك أي لكاع”- رواه الطبراني وإسناده حسن-، وزينب هذه بنت أم سلمة زوج النبي ورضي الله عنها كانت تربى في حجر النبي وكانت صغيرة ومع ذلك لم يتساهل معها النبي وإنما علمها هذا الأدب الرفيع، وكذلك حرص الصحابة على غرس التستر والتشديد على الأبناء في ذلك، فقد روى عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: “أتى علينا- أي أبوهم- ونحن نغتسل، يصب بعضنا على بعض، فقال: أتغتسلون ولا تستترون؟ والله إني لأخشى أن تكونوا خلف الشر، يعني الخلف الذي يكون فيهم الشر”. رواه الطبراني.
فلابد من توعية الطفل وتلقينه دائماً أن عورته لا ينبغي أن يراها أحد أبداً ولا حتى إخوته، ولا يسمح لأحد أن يكشف عورته أو يطلب منه ذلك.
3- عدم الثقة المفرطة بالآخرين:
فكما ذكرنا تكمن مشكلة تعرض الأطفال للاعتداءات أو التحرش الجنسي في أنها تحدث غالباً من أناس موثوق بهم لدى أسرة الطفل، بل ربما تأتمنهم الأسرة على الطفل بمفرده، مثل السائق، والخادمة، والمدرس الخصوصي، وصديق الطفل الأكبر منه سناً، وغيرهم.
كما أنّ طهارة قلب الطفل الصغير تجعله مفرط الثقة في الآخرين خاصة إذا كانوا من الأقارب أو أصدقاء الأسرة أو الجيران فهؤلاء محل ثقته لكثرة ترددهم على المنزل، ولعدم تصرف الكبار معهم بشكل ينافي الثقة فيهم، لذلك ينبغي أن تكون ثقتنا في الآخرين على بصيرة، فلا نمنحها إلا لمن يستحقها خاصةً هؤلاء الذين يكثر تعاملهم مع الأبناء أو انفرادهم بهم، كما يمكن توعية الأبناء الأكبر قليلاً بإمكانية وجود أناس لا يخافون الله تعالى يصدر منهم الاعتداء على الأطفال في مثل سنهم، مع توجيههم إلى التصرف السليم إذا تعرضوا لا قدر الله لمثل هذه الأمور.
4- تربية الأبناء على المصارحة:
ولن يصارحنا الأبناء إلا إذا منحناهم الكثير من مشاعر الحب والتقدير والثقة في النفس، وكانت أساليبنا التربوية معهم تتسم بالمرونة وتبتعد عن القسوة والتسلط.
عندئذ سيشعر الأبناء بالأمن الكافي الذي يشجعهم على مصارحتنا بكل ما يتعرضون له خارج المنزل، فإن التربية السليمة هي التي تمتد فيها جسور المحبة والمودة الصادقة بين الآباء وأبنائهم مما يجعل البيت هو حصن الأبناء الأول، منه يواجهون الحياة وهم مؤهلون أقوياء، وبه يتحصنون تجاه أي اعتداء أو خطر يتهددهم.
5- تربية الأبناء على الخشونة ونبذ الميوعة والتخنث، وتربية البنات على الستر وتعويدهن على الحجاب قبل سن البلوغ:
فإن من أهم أسباب جرأة من يعتدي على الطفل، مظهر الطفل نفسه خاصةً إذا كان الطفل جميل الطلعة، أبيض اللون ممتلئ الجسم، فيعوده الأب على الخشونة في المأكل والملبس، ويعوده ممارسة الرياضة القوية التي تبني جسمه وتخشّن جلده، ولا بأس بحلاقة رأسه إذا كان شعره هو سبب جماله، اقتداءً بعمر بن الخطاب رضي الله عنه في التعامل مع الرجل الجميل الذي افتتنت به النساء.
كما يراعى عدم التساهل في ملابس البنت خاصة إذا ظهر عليها جمال الوجه والجسم منذ وقت مبكر، فتعوّد على الملابس المحتشمة بعيداً عن العاري أو الضيق جداً الذي يبرز مفاتن جسدها ويغري بها من لا خلاق لهم- رغم صغرها-، ويستحب تعويد على ارتداء الحجاب بشكل غير إلزامي وهي بعد صغيرة، حتى تألفه، وفي نفس الوقت حتى تربى على الصيانة والستر وتتشكل نفسها على ذلك، وهذه التربية من شأنها أن تحمي الأبناء من الاعتداء وتصد الطامعين الآثمين في نفس الوقت.
ولا ينفك الوالدان عن الدعاء والتضرع لله عز وجل في كل وقت أن يحفظ أبناءهما من كل سوء في دينهم ودنياهم، وسائر أبناء المسلمين. آمين.. آمين..