يذكر لي أحد الأصدقاء أن والده كان مختاراً لإحدى المناطق في منتصف الستينيات حتى السبعينيات، وكان يعرف جميع بيوت وأسر المنطقة كونها منطقة جديدة وصغيرة، وكانوا لا يخرجون عن ثلاث مناطق، جبلة، وشرق، والمرقاب، وكانوا يعرفونه ويثقون به، ويأتونه لحل مشكلاتهم الخاصة، لدرجة أنه جاءته امرأة إلى البيت ظهراً تشتكي طرد زوجها الغاضب لها، فأدخلها بيته، وطلب من زوجته القيام بواجبها، حتى إذا جاءت صلاة العصر ذهب إلى زوجها وهدأ من روعه، وأصلح بينهما دون أن يعلم أحد، وعادت إلى بيتها معززة مكرمة.
وهذا ما نفتقده الآن في مجتمعاتنا الأكثر ثقافة وتعليماً وراحة مالية، فالمرأة لا تجد لها مأوى حال اختلافها مع زوجها، أو وفاته، أو وفاة والديها إذا كانت غير متزوجة، فالبيوت الرحبة قد ضاقت بأهلها، والعيون ضاقت، والقلوب ضاقت، والنفوس ضاقت، فيا لها من معاناة تعيشها المرأة!
فما بالك لو كانت هذه المرأة مقطوعة من شجرة، أو وافدة؟ فأين تذهب؟ وكيف تتصرف؟!
وبهذا الضيق النفسي تمر علينا كل يوم قصص عجيبة لنساء انقلبت عليهن الدنيا، فلا مغيث لهن لا من أرحام ولا قوانين، خصوصاً بعد أن غاب الإصلاح الاجتماعي بحجة «ما لنا شغل»، رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بهن: «واستوصوا بالنساء خيراً، فإنما هن عوان عندكم».
وتشتكي مئات النساء من غدر أزواجهن بهن بمنحهم وكالات، واستغلال أموالهن وأملاكهن، أو الدخول بأسمائهن في مشاريع خاسرة، فيكون مصيرهن الإفلاس أو السجن، وقد يكون لديهن أولاد صغار، فيا لها من إهانة، وما أكثر الأسماء لدى جمعية التكافل لرعاية أسر السجناء!
قال صلى الله عليه وسلم: «إني أُحرّج عليكم حق الضعيفين: اليتيم والمرأة».
أما المطلقات، فقد أصبحن رهاناً خاسراً لدى مكاتب المحاماة، خسارة مالية، وإهانة نفسية.
وكلما كان هناك أولاد، زادت المشكلات، وإن خرج الاثنان بتسريح بإحسان لهان الأمر كثيراً، إلا أن الكبر وإبليس والهوى لا ينتج عنهم سوى الذل والهوان.
قال صلى الله عليه وسلم: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر».
تخيل.. المرأة التي ليس لها منزل أين تذهب؟ بالطبع ما لم يكن لديها مال، فلن تستطيع شراء بيت، وستضطر للإيجار، وما لم يكن لها دخل كاف، فلن تستطيع دفع الإيجار، وقسط السيارة وتصليحها، ومقتضيات الحياة، فكيف ستتصرف؟!
وكم أصيبت بعض النساء بانتكاسات نفسية، من قلق وتوتر واكتئاب وانفصام ووسواس قهري.. وغير ذلك، بسبب ما أصابهن من أزواجهن، أو أرحامهن، أو المجتمع ككل، فالقهر يأتي أحياناً من القوانين والتشريعات القاصرة، وهذه مسؤولية الدولة، فلا تهينونهن، فقد جاء في الأثر: «إنهن أسيرات، لا يكرمهن إلا كريم، ولا يهينهن إلا لئيم».
لذا.. ينبغي على جهات الاختصاص إجراء دراسة تفصيلية لكل الحالات الموجودة في المجتمع، وتقديم تشريعات تحافظ عليهن، حفاظاً على كرامتهن، وعدم تركهن عرضة لكل من هب ودب لاستغلال ضعفهن.
قال صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم».
أنشأت جمعية الرحمة العالمية في مدينة شيفيلد في بريطانيا «دار إيواء» يلجأ إليها النساء اللائي يطردن من بيوتهن، وليس لديهن مأوى آخر، فتسكن في الدار إلى أن ترتب لها البلدية مكان إيواء خاص، فجميل لو أنشأ بيت الزكاة وأمانة الأوقاف مأوى لهن، حتى ينصلح حالهن، تحصل خلالها المرأة على الدعم النفسي والاجتماعي، ودورات تدريبية تساعدها للعمل والحصول على دخل.
لنتذكر أن لكل واحد منا أماً وأختاً وزوجة وبنتا قد يصيبها ما أصاب غيرها، فلنسع لأجلهن، فمن للمرأة الوحيدة.. مكسورة الجناح؟!
__________________________
يُنشر بالتزامن مع صحيفة “الأنباء” الكويتية.