في أحد عنابر إصلاحية السجن المركزي بمدينة تعز جنوب غربي اليمن تفتك أوجاع الغربة بـ78 مهاجرًا أفريقيًا، بينهم ثلاث فتيات، وباتوا يحلمون بالعودة إلى وطن أجبرهم الفقر على مغادرته.
ثلاثة أشهر مرت منذ إدخال هؤلاء الأفارقة السجن، في منطقة الضباب غربي تعز، وهو ما زاد شعورهم بالغربة، وهم من كانوا يحلمون قبل دخولهم اليمن بحياة كريمة وعيشٍ رغيدٍ.
مخالفة للقوانين
قال مدير الإصلاحية، المقدم عصام الكامل، لـ”الأناضول”: إن سلطات الأمن احتجزت هؤلاء المهاجرين، القادمين من (دول في منطقة) القرن الأفريقي (شرقي القارة) وبالذات إثيوبيا، لدخولهم اليمن بطريقة غير مشروعة.
وأضاف أن هؤلاء يعانون من ظروف صعبة ومشكلات جمة، ضاعف منها أنهم قدموا إلى بلادٍ لا تنقصها المشكلات، وتعصف بها حرب طاحنة منذ أكثر من خمسة أعوام.
ويعاني اليمن من حرب متواصلة بين القوات الحكومية وجماعة “أنصار الله” (الحوثيين)؛ ما جعل ثمانية من كل عشرة يمنيين بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وفق اللجنة الدولية للصيب الأحمر، الأسبوع الماضي.
وتابع: استقبلناهم في الإصلاحية مع افتقارنا للإمكانيات الضرورية، في ظل عجز سلطات المدينة عن توفير أهم متطلبات الحياة، خاصة وأن مدينتنا تعاني من ظروف الحرب والحصار من جانب الحوثيين، منذ أغسطس 2015.
وأوضح: لم يكن من خيار أمامنا إلا استقبالهم في الإصلاحية، لعدم توافر أماكن أخرى صالحة للإيواء، وإشراكهم في الوجبات الغذائية مع السجناء اليمنيين، لعدم وجود بدائل، وهو ما أرهقنا وسبب لنا مشكلات جمة، جراء نقص المواد الغذائية، وغيرها.
ودعا المقدم الكامل منظمات الأمم المتحدة المعنية باللاجئين إلى التدخل العاجل وتقديم الإمكانيات اللازمة والمعينة لهؤلاء الأفارقة، ولو بالحد الأدنى.
تلاشي الآمال
تلاشى بريق الأمل في قلوب هؤلاء المهاجرين، بعد أن وجدوا أنفسهم مكدسين في سجن تعز، وغدت حياتهم معلقة بين الأمل في العودة إلى الوطن أو الحصول على فرص عمل لعلهم يبدؤون حياة جديدة.
بلغة عربية لم يتمكن منها، قال أحد هؤلاء السجناء: تم إيقافنا في السجن منذ ثلاثة أشهر، لا لذنب اقترفناه ولا لجرم ارتكبناه، بحجة مخالفتنا لقانون الإقامة.
وتابع: نتلقى وعودًا يومية بإخراجنا من السجن من دون فائدة، تعبنا ونريد العودة إلى أهلنا وديارنا، فنحن لم نرتكب جريمة تستوجب إيقافنا كل هذه الفترة.
وأردف: قدمنا إلى اليمن باعتبارها محطة عبور إلى السعودية، بحثًا عن الرزق، وحلمنا بحياة تسودها الراحة والاطمئنان، قبل أن ينتهي بنا المطاف في هذا السجن.
ومضى قائلًا: للأسف مُنع عنا حتى الاتصال بأهالينا الذين لا يعلمون إن كنا على قيد الحياة أم أننا في عداد الموتى.
وتسببت حرب اليمن في سقوط 70 ألف شخص بين قتيل وجريح، بحسب منظمة الصحة العالمية، في نوفمبر الماضي.
وقد خيم عليها الحزن تمامًا، قالت إحدى الفتيات الثلاث لـ”الأناضول”: جئنا إلى هنا ولا نعلم أن في البلاد حرب، وهدفنا كان دخول السعودية بحثًا عن عمل.
واستدركت: لا أريد شيئًا سوى العودة إلى وطني ومعانقة أهلي.
توافد مشبوه
وفق مسؤول محلي بمحافظة لحج (جنوب)، وهي تتداخل مع محافظة تعز (جغرافيًا) في مناطق كثيرة، فإن التوافد الكبير لمهاجرين من دول القرن الإفريقي إلى اليمن هو أمر يثير الدهشة، ويدعو إلى الاشتباه.
وأضاف المسؤول المحلي، طلب عدم نشر اسمه، في حديث سابق لـ”الأناضول”، أن الكثير من هؤلاء المهاجرين يلتحقون بصفوف المليشيات الحوثية، وسبق أن تم القبض على العشرات منهم في جبهات القتال.
وتابع أن وصول هذه الإعداد الكبيرة يشكل خطرًا على السلم والأمن الاجتماعي في المحافظات المحررة من الحوثيين؛ خاصة وأننا في بلد لا تنقصه المزيد من الكوارث والأزمات.
وأردف أن “بين هؤلاء القادمين من إثيوبيا مجرمون وقطاع طرق ومصابون بأمراض مختلفة، مثل الكوليرا وحمى الضنك، الأمر الذي يحتم سرعة تدخل المجتمع الدولي لإعادتهم إلى بلدهم”.
120 ألفاً
أفادت الأمم المتحدة، قبل أيام، بأن اليمن استقبل 120 ألفًا و680 مهاجرًا من القرن الأفريقي منذ مطلع عام 2019.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن، في تقرير: إنه رغم الحرب المستمرة والأزمة الإنسانية المتصاعدة في اليمن، شهد عام 2019 ارتفاعًا كبيرًا في عدد الوافدين من طالبي اللجوء من شرقي أفريقيا واللاجئين والمهاجرين إلى اليمن.
وتبذل الأمم المتحدة جهودًا متعثرة للتوصل إلى حل سياسي ينهي الحرب، التي يزيد من تعقيداتها أن لها امتدادات إقليمية.
ومنذ عام 2015، يدعم تحالف عسكري عربي، تقوده الجارة السعودية، القوات الحكومية اليمنية، في مواجهة الحوثيين، المدعومين من إيران، والمسيطرين على محافظات، بينها العاصمة صنعاء جنوب المملكة منذ عام 2014.