حرب طاحنة تدور على مواقع التواصل وداخل البيوت العربية بسبب نزوع دراما رمضانية هذا العام إلى التطبيع مع دولة الاحتلال الصهيوني، في صورة مسلسلين خليجيين يروجان لقبول الصهاينة كمواطنين عاديين في الدول العربية، يخفف من حدتها منافسة مسلسل خيالي مصري لهما وتنبئوه بزوال دولة الاحتلال.
المسلسلان اللذان يروجان للتطبيع ويلقيان انتقادات شديدة في العالم العربي، هما “أم هارون”، و”مخرج 7″، أما المسلسل المصري “النهاية” فيحاول التركيز ضمناً على قضية حتمية زوال دولة الاحتلال، وإن كان يتنبأ بها عام 2120 وهو ما أحبط المشاهدين الذين قالوا: إن تحديد هذا التاريخ البعيد يحبطهم وكان ينبغي تحديد تاريخ أقرب.
حرب مناقشات
برغم أن المسلسلات الثلاثة إنتاجها عربي لا صهيوني، فإنها أثارت جدالاً ومناقشات حادة، خصوصاً بين عرب رافضين للرسالة التي يبعث بها مسلسلا “أم هارون”، “مخرج 7″، ومؤيدين له بدعوى أن اليهود جزء من النسيج الخليجي ومن الطبيعي تناولهم في المسلسلات.
بالمقابل، هناك مؤيدون لرسالة مسلسل “النهاية” المصري بشأن فكرة “زوال إسرائيل”، ورافضون يهود وإسرائيليون لرسالة المسلسل الذي احتجت عليه الخارجية الصهيونية.
وتتلخص رسالة مسلسل أم هارون من وجهة نظر معارضيه في أن “اليهود والإسرائيليين “كيوت” وطيبين جداً، والمشكلة فينا نحن العرب المتوحشين، لم نتقبلهم ولم نتعايش معهم واعتدينا عليهم”.
أما رسالة مسلسل “مخرج 7″، فتتلخص في أن “إسرائيل” دولة موجودة شاء من شاء وأبى من أبى، والصهاينة أفضل من الفلسطينيين، وكل المصائب التي حلت على العرب كان سببها فلسطين!
اليهود تعرضوا للظلم والفلسطينيون باعوا أرضهم!
كان من الواضح أن هناك رفضاً شعبياً لروية المسلسلات التي تدافع عن التطبيع؛ لأنها تقول ضمناً: إن اليهود تعرضوا للظلم والفلسطينيون باعوا أرضهم!
وهو ما انتقده الرافضون للتطبيع وعابوا على مسلسلي “أم هارون”، و”مخرج 7″، الترويج له، واتهموا منتجي وممثلي المسلسلين بالسعي للتطبيع ونقل رسالة للعالم مفادها أن اليهود أناس عاديون وتعرضوا لظلم أثناء إقامتهم في الخليج وجرى تهجيرهم قسراً.
أيضاً اتهموا منتجي المسلسلين والقنوات التي تبثهما خاصة مجموعة “إم بي سي”، بإثارة غضب الكثيرين في العالم العربي منذ بداية رمضان، ممن اتهموها بالترويج للتطبيع مع الاحتلال، بداية من عرض مسلسل “أم هارون” الذي يثير جدلًا حادًا منذ الأسبوع الماضي واتهامه بتزوير التاريخ والإساءة للمرأة الخليجية، ومسلسل “مخرج 7” الذي يهاجم الفلسطينيين وقضيتهم بشكل صريح.
وقالوا: إن أفكار التطبيع في مسلسل “أم هارون” تصطدم بثقافة الجماهير وقيمها وإطارها المرجعي.
حيث وجهت اتهامات لمسلسل “مخرج 7” السعودي بالترويج للتطبيع، بعدما واصل الممثل السعودي ناصر القصبي إثارة الجدل تباعاً مع عرض مسلسله “مخرج 7” مع بداية رمضان، واتهامه بالتطبيع.
وتضمنت الحلقة الثالثة من المسلسل الذي تعرضه قناة “إم بي سي” مشهداً أثار ضجة على وسائل التواصل الاجتماعي، بعدما خاض في موقف بعض الفلسطينيين من الدول العربية وانتقدهم بعنف، الأمر الذي اعتبره البعض جرأة وتحولاً للهجوم على الفلسطينيين بدل “الإسرائيليين” المحتلين لأرضهم.
ففي هذا الحوار، كان هناك هجوم ضمني على الفلسطينيين ودفاع باهت عنهم الفلسطينيين لم يُخف التشويه المتعمّد لهم، بحسب نشطاء، اعتبروا الهدف منه إثارة الكراهية ضدهم، وإعادة إنتاج الأساطير المعادية لقضيتهم، مثل “باعوا أرضهم”، رغم أن المقاومة منعت المشروع الصهيوني من استباحة العالم العربي.
وعرض المشهد حوارًا بين الممثلين ناصر القصبي، وراشد الشمراني يتحدثان فيه عن الفلسطينيين، حيث استغرب الأول رغبة الثاني في إقامة علاقات عمل مع “الإسرائيليين”، ليرد الشمراني بالقول: “العدو هو الذي لا يقدّر وقفتك معه (إشارة للفلسطينيين)، ويسبّك ليل نهار أكثر من الإسرائيليين”.
ويضيف: “كل تضحياتنا لأجل فلسطين، دخلنا حروباً وقطعنا النفط لأجل فلسطين، وعندما أصبح عندهم سلطة ندفع تكاليفها ورواتبها ونحن أحق بالأموال، يهاجمون السعودية مع أول فرصة”.
ليرد القصبي: “أصابع يدك ليست متشابهة، فمثلما يوجد فلسطينيون هُجّروا عام 1948 وتعرضوا للمذابح، في المقابل هناك من باع أرضه لليهود، ومثلما واجه فلسطينيون في الانتفاضة الأخيرة “الإسرائيليين” بصدور عارية أمام الدبابات، هناك فلسطينيون يموّلون الجدار العازل، هم بشر مثلهم مثل غيرهم، فيهم الطيب وفيهم الرديء، لكن “إسرائيل” هي التي تغذي العداوة بين الفلسطينيين والعرب”.
وانهالت ردود الفعل المتباينة على منصات التواصل، فالبعض رأى في المشهد موضوعية، بينما رأى كثيرون لا سيما في حديث الشمراني تزويرًا للواقع ودعوة للتطبيع مع الاحتلال، منتقدين الذباب الإلكتروني المدافع عن التطبيع والداعم للصهيونية.
وكان محور الجدال على “تويتر” عن المسلسل يدور حول مناقشته العلاقات مع دولة الاحتلال، وهل الأعداء الحقيقيون هم الفلسطينيون “بعد أن لعنوا أبو خيرنا” أم دولة الاحتلال “الباقية والدول العربية هي من تزول”؟ وهي نقطة حوارية نادراً ما ناقشتها الدراما العربية.
وكتب مغردون ينتقدون التطبيع مع دولة الاحتلال والتهجم على الثوابت والقيم والإساءة للمجتمع السعودي على لسان ممثلين في المسلسل لا يعبران عن رأي غالبية الشعب السعودي.
حفاوة وترحيب صهيوني
وقد لقيت هذه المسلسلات حفاوة صهيونية بدأها المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي بالترحيب بفكرة مسلسل “أم هارون”، وانتهت بنشر تقارير في وسائل الإعلام العبرية تمتدح في المسلسلين.
فقد اعتبر تقرير نشرته “القناة 12 العبرية”، أن مسلسل “مخرج 7” يعد بمثابة تحول في العلاقات السعودية “الإسرائيلية”، وقالت: المسلسل نقل رسائل إيجابية تجاه “إسرائيل”، ويدعو إلى توثيق العلاقات والتجارة مع المجتمع “الإسرائيلي”، إنها المرة الأولى التي تتحدث فيها السعودية علناً عن أن “إسرائيل” ليست عدواً، هذا تغيير جذري يتجاوز عتبة التطبيع.
واحتفلت “القناة 12” بعرض مسلسل “مخرج 7” على قناة “إم بي سي” السعودية وقالت: إنه بث يشجع التطبيع ويمهد للعلاقات مع السعودية من خلال تقديم “إسرائيل” إيجابياً وبدافع عن التواصل بين السعوديين و”الإسرائيليين”، ويهاجم الفلسطينيين.
انتقادات حادة
وجهت وزارة الخارجية الصهيونية انتقادات حادة إلى مسلسل الخيال العلمي المصري “النهاية” للنجم يوسف الشريف، الذي تدور أحداثه في عام 2120، في مدينة القدس بسبب تركيزه على فكرة “زوال دولة إسرائيل على يد العرب” عام 2120.
وقالت الخارجية الصهيونية، في بيان: المسلسل التلفزيوني المصري يصور مستقبلاً دمرت فيه الدول العربية “إسرائيل”، وهو غير مقبول على الإطلاق، خاصة بين الدول التي أبرمت اتفاقية سلام بينها منذ 41 عاماً (تقصد مصر و”إسرائيل”).
ويتحدث مسلسل الخيال العلمي “النهاية” عما سيجري عام 2120، ويتحدث عن تحولات كبرى شهدها العالم، من أحداث سياسية، إلى اختلاف طريقة عيش البشر واعتمادهم بشكل أكبر على التكنولوجيا، في صورة مدرس تاريخ يشرح للتلاميذ أبرز ما حل بالقرن الحادي والعشرين الذي نعيش فيه الآن، وكيف أن ميزان القوى سيتغير في العالم، وستزول دولة الاحتلال.
وتحدث المُدرس عن تفكك الولايات المتحدة، واستعادة العرب لقوتهم، وخوضهم معاً حرباً أطلقوا عليها اسم “تحرير القدس” من دولة الاحتلال، مستغلين انشغال أمريكا عنها بسبب الحرب التي فككتها.
حيث انتقدت وزارة الخارجية الصهيونية، المسلسل الذي يتنبأ بزوال دولتهم وتحرير أرض فلسطين، فيما دعا مؤلف العمل الدرامي إلى الدفاع عنه خشية هجوم متوقع.
بالمقابل انتقد حركة “حماس” ما أسمته “محاولات التطبيع الثقافي مع الاحتلال والدعوة له، التي تقوم بها جهات عربية، عبر تشويه الوعي، والسعي لتبرير التطبيع مع المحتل من زاوية زرع الحقد والعداوة بين أبناء شعبنا وأمتنا، وقالت: إنها محاولات مرفوضة جملة وتفصيلاً، وتستحق الإدانة من كافة المستويات الرسمية والشعبية في أمتنا العربية والإسلامية.
ودعت “حماس” لوقف مسلسل زرع العداوة في عقول أبناء الأمة ضد فلسطين والقدس، مؤكدة أن بطولة نسائنا في القدس ودفاعهن عن المسجد الأقصى، وأمهات الشهداء والأسرى، شاهدة على وفاء قل نظيره، وبطولة مقاومتنا في رد العدوان كانت جلية واضحة في الدوس على رؤوس جنود الاحتلال، وإن محاولة تزييف الوعي عبر الحديث عن بيع الأرض للاحتلال، هي محاولة دنيئة.