لا شك أن للصحابة الكرام الفضل على أمة الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهم القاعدة الصلبة التي عاصرت وصاحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتربت على يديه، وتحملت معه ما تحملت وذلك بفضل الله وحكمته ومنته ليكون الإسلام في مأمن من التغيير والتحريف مع مرور الزمن، فكان الصحابة رضي الله عنهم المرجعية الصلبة الثابتة نزاهة وعدالة ونقاوة؛ ومن خلالهم الوصول خبراً مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وتقاريره وأفعاله عليه الصلاة والسلام..
لا شك أن الله تعالى نظر إلى مخلوقاته الإنس والجن فلم يجد أفضل من جموع الصحابة ليكونوا رفاق حبيبه صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فاختارهم لجدارتهم لهذه المهمة وهو العليم والخالق العظيم.
نعم، اختارهم لنبيه وحبيبه صلى الله عليه وسلم، فلا يختار لحبيبه إلا من يحب، وقد قال الله تعالى فيهم مع حبهم صلى الله عليه وسلم ” مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ” (29 الفتح).
في هذه الآيات بين الله تعالى منزلة الصحابة، وبين حتى نواياهم ودواخلهم وصدقهم الخفي الصادق وإخلاصهم لله تعالى حتى لا يأتي بعدهم من يشكك بإخلاصهم ودينهم ” أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ.. رُكَّعًا سُجَّدًا.. ” لماذا…؟
” يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ” .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم معززاً رافعاً أصحابه فقال: ” أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونَهم ثم الذين يلونَهم ثم يَفشو الكذبُ حتى يَحلِفَ الرجلُ ، ولا يُستَحلَفُ ويَشهَدُ الشاهدُ ، ولا يُستَشهَدُ “
الأدلة لا تعد ولا تحصى التي تدل على حصافة الصحابة وذكائهم وبعد نظرهم وعدالتهم، وأنهم من أصحاب العقول الراقية التي من الصعب خداعها والضحك عليها، وأن إيمانهم لم يكن كإيمان العامة، وما حكاية الصحابي ” جندب بن كعب الأزدي يوم أن رأى الساحر يبهر الحضور بضرب عنق الرجل واعادته فقال الحضور: سبحان الله يحي الموتى ! فجاء جندب بن كعب الازدي وضرب راس الساحر فقال فليحيي نفسه وتلا قوله تعالى: ” أفتأتون السحر وانتم تبصرون “.
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أمور مستقبلية في الصحابة؛ وفيها الخير للأمة وتم ذلك حتى بعد وفاته صلى الله عليه وسلم؛ كارتداء سراقة سواري كسرى.. نعم.. لقد كمل الصحابة بعضهم بعضا لكياستهم وفهمهم؛ وأدركوا بدقة متناهية أن هذا الدين عظيم وكامل متكامل، وطرحه يجب أن يكون كاملاً شاملاً حسب قدرات الإنسان كل حسب اختصاصه، فكان الصحابة أرفع وأسمى من يعلم تكامل الدين والقدرات الإنسانية وتوافقها مع تكامل هذا الدين الذي يحترم قدرات كل إنسان حسب قدرته وملكاته التي يجيد العمل من خلالها وقد جبل عليها أو اكتسبها تعليماً وممارسة.
نعم أيها القارئ الكريم؛ الصحابة عملوا منذ البداية حباً لهذا الدين وهذا النبي العظيم صلى الله عليه وسلم وحبا فيه، حتى عجب الكفار من حب الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم، حتى قال أحدهم ” فوالله ما تنخم رسول الله ” صلى الله عليه وسلم ” إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له “.
تميز الصحابة بالثبات والصلابة على الحق، وعلى الصدق وقول الصدق.. نعم الصدق في العمل والقول والنية، فها هو أعرابي من الصحابة رضي الله عنه حينما بايع النبي صلى الله عليه وسلم وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه من الغنيمة فماذا كان رد هذا الصحابي الأعرابي!؟، قالَ: ما هذا؟ قالوا: قَسْمٌ قَسمَهُ لَكَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ. فأخذَهُ فجاءَ بِهِ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: يا مُحمَّدُ، ما هذا؟ قالَ: قَسمتُهُ لَكَ، قالَ: ما على هذا اتَّبعتُكَ، ولَكِنِّي اتَّبعتُكَ على أن أُرمَى هاهُنا وأشارَ إلى حلقِهِ بسَهْمٍ فأموتَ وأدخلَ الجنَّةَ، فقالَ: إن تَصدُقِ اللَّهَ يَصدُقْكَ فلبثوا قليلًا، ثمَّ نَهَضوا إلى العدوِّ، فأتى بِهِ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يُحمَلُ، قد أصابَهُ سَهْمٌ حيثُ أشارَ، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: أَهوَ هوَ؟ قالوا: نعَم قالَ: صدقَ اللَّهَ فصدقَهُ “
اختم بهاتين الآيتين وقليل من الحديث حولهما؛ يقول تعالى: ” إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ” (التوبة 40).
كان النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر فقط ومع ذلك قال لأبي بكر حينما حزن خوفاً على النبي صلى الله عليه وسلم ” لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ” نعم.. أنا وأنت يا أبا بكر الله معنا.
بالمقابل مع سيدنا موسى عليه السلام آلاف من بني إسرائيل وعند ساعة الصفر بين الله تعالى الحوار بين أصحاب موسى وأتباعه والفرق الكبير بينهم وبين صحابي واحد من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقول تعالى: ” فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ”.
نعم هناك قال لا تحزن إن الله معنا، وهنا قال مع موسى الجواب فردي، وإن دل هذا على شيء؛ فإنما يدل على مركز الصحابي والصحابة وحبهم للنبي والمنهج الذي يرشدهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم؛ والثبات عليه مهما كلفهم الأمر.
ـــــــــــ
إعلامي كويتي.