قبل نحو أسبوع أعلن المجلس الفرنسي للدين الإسلامي اعتماد ما أسماه “ميثاق مبادئ لإسلام فرنسا”، وقُدّم الميثاق إلى رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون في 18 يناير بعد أن وقّعت عليه 5 اتحادات إسلامية، في حين رفضت التوقيع 3 أخرى، وهي الجمعيات المكوِّنة للمجلس الفرنسي الذي تعدّه الحكومة الفرنسية ممثلًا للمسلمين.
ويأتي هذا الميثاق في سياق أحداث العنف التي شهدتها فرنسا منذ 2015، ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية العام المقبل. ويبدو أن ماكرون يسعى إلى كسب جمهور اليمين المتطرف على حساب مسلمي فرنسا، وسبق أن أعلن مشروعه في خطاب أثار الجدل، حين شنّ حربًا على ما أسماه “الانفصالية الإسلامية” وأعلن جملة إجراءات منها تنظيم الشأن الإسلامي في فرنسا وتدخّل الدولة في ذلك.
ويكتسب هذا الميثاق صفة رسمية؛ فقد تم التوصل إليه بناء على طلب من ماكرون منتصف نوفمبر الماضي، وبتدخلات من وزير الداخلية الفرنسي. وكان ماكرون قد طلب من المجلس التمثيلي للمسلمين توضيح بعض “الالتباسات” وإنهاء نشاط 300 إمام أرسلتهم تركيا والمغرب والجزائر في 4 أعوام.
والغرض المعلن من الميثاق هو “توفير إطار عمل للأخلاقيات وقواعد السلوك التي ينبغي أن تنظم عمل المجلس الوطني للأئمة” الذي يراد تشكيله لضبط الشأن الديني من قبل الدولة، ولكن بيد المسلمين المعترف بهم فرنسيًّا. وهذا يعني أننا أمام نمط جديد من العلمانية وهي علمانية متدخلة في الشأن الديني؛ بحجة الدفاع عن قيم الجمهورية؛ وهو الشعار الذي رفعه ماكرون في خطابه السابق الذي كرر فيه تعبير “الصحوة الجمهورية”.
المتتبع للتغطية الإعلامية المتعلقة بالميثاق يلحظ أمرين:
الأول: الاقتصار على الأبعاد السياسية للميثاق، ولذلك تكرر في الأخبار والتقارير الصحفية التركيز على أفكار مثل تأكيد الاعتراف بقيم الجمهورية، ومحاصرة “الإسلام السياسي” في فرنسا، وقَصر نشاط المساجد والجمعيات على الجانب الديني فقط، وضبط التدخلات والتمويلات الخارجية. بل جرى الإلحاح على أن وجه اعتراض من اعترض على التوقيع إنما يرجع إلى “التدخّلات الخارجية”، وغموض مفهوم “الإسلام السياسي”.
الأمر الثاني: كشفت بعض مواقع “إحدى الدول العربية” عن جانب من المشهد، حين وصف بعضها من رفضوا التوقيع بـ”المتطرفين”، في حين نشر موقع آخر عنوانًا يقول إن “3 أذرع إخوانية ترفض التوقيع على شرعية المبادئ”، ورأوا أن إقرار الميثاق “يُعدّ اختراقًا في مشهد مكافحة التطرف”. ومن المفارقة أن اتحاد المنظمات الإسلامية المحسوب على الإخوان المسلمين كان من ضمن الموقعين على الميثاق الجديد، أما التنظيمات الثلاثة التي رفضت التوقيع فاثنان منها محسوبان على تركيا، وواحد تابع لجماعة الدعوة والتبليغ الذين يصنفهم الميثاق نفسه ضمن جماعات الإسلام السياسي المجرّمة.
ويتضمن الميثاق بنودًا مثيرةً لم يُلتفت إليها، ولم تحظ بالنقاش أيضًا، ألخصها في 5 أمور:
الأول: يؤكد الميثاق أن المرجعية العليا هي للقانون الفرنسي حتى لو خالفت معتقدات الموقعين، فيقول: “يُلزمنا مبدأ المساواة أمام القانون بالامتثال للقواعد العامة وجعلها تسود على جميع الأعراف والقواعد؛ بما في ذلك تلك الناتجة عن معتقداتنا و/أو تفسيراتنا الدينية”. ومن ثم فإن الميثاق يرتبك حين يتأرجح بين مرجعية القانون الفرنسي ومرجعية النص القرآني، واستشهاده بالنص القرآني شكلي وغير مقنع!
الثاني: يؤكد الميثاق حرية الخروج من الإسلام وأن ذلك لا يسمى ردّة وأنه لا يمكن تجريم ذلك، في حين أنه يقيد حرية الدخول في الإسلام فيقول: “إن التبشير (بالإسلام) المسيء الذي يضطهد الضمير يتعارض مع حرية العقل والقلب التي تميز كرامة الإنسان”. فهو هنا يكيل بمكيالين ويرضى بالدنيّة في الدين والفكر، كما أنه لا يوضح ماذا نسمي من يخرج من الإسلام ويعلن خروجه عنه؟ وإذا كنا نتفق على عدم تجريم الردة دنيويًّا فإن الميثاق ينكر حتى مسمّى الردة ويجرم استعماله، ولا يوضح هل يشمل عدم تجريم الردة التجريم الأخروي أيضًا؟ وماذا يفعل بالنص القرآني في هذا؟ المفارقة أن الميثاق وقيم الجمهورية ينصان على حرية الضمير، في حين أن عبارة “التبشير المسيء الذي يضطهد الضمير” عبارة غامضة وفضفاضة يمكن أن تخل بحرية الضمير نفسها!
الثالث: يجرّم الميثاق “جميع أشكال العنصرية والتمييز وكراهية الآخرين”، ويُدرج ضمن تلك الأشكال العنصرية “الأعمال المعادية للسامية، وكراهية المثليين”، ويعدّها “جرائم مدانة جنائيًا”، وأنها “تعبير عن تدهور العقل والقلب الذي لا يمكن لأي إيمان صادق قبوله”. فإذا كنا نعرف حجم التوظيف السياسي لعبارة “الأعمال المعادية للسامية”، فإن “كراهية المثليين” تعبير غامض ويصادر على المواطنين حرية التعبير عن مواقفهم النقدية لهذه الممارسة أو للزواج بين المثليين، ثم كيف يمكن ضبط هذه الكراهية بالمعايير القانونية؟ وماذا نفعل بالآيات القرآنية المتعلقة بقوم لوط؟؛ خصوصًا أن الميثاق يشطح فيعدّ مجرد كراهية المثلية “تدهورًا في العقل والقلب” وتتعارض مع “الإيمان الصادق”!
الرابع: يؤكد الميثاق “أن جميع المذاهب الإسلامية لها الشرعية نفسها، وأن الأمر متروك لكل من المؤمنين لتشكيل رأيهم الخاص”، ولكنه لا يوضح عن أي شرعية يتحدث؟ هل هي شرعية قانونية أم شرعية دينية أيضًا؟ فكل الأديان والمعتقدات تختلف في مبدأ الشرعية الأخروية والخلاص أو النجاة؛ لأنه لا يكون الاعتقاد اعتقادًا صحيحًا ومنجيًا (بالتعبير الإسلامي) أو مخلِّصًا (بالتعبير المسيحي) إلا وصاحبه يعتقد أنه الحق، وإلا سيبطل معنى الاختيار والتفضيل بالنسبة للمؤمنين أنفسهم، وندخل في مأزق شغل اللاهوتيين وعلماء الكلام منذ قرون: هل الحق واحد أم متعدد؟ فحتى كتابات التعددية الدينية المعاصرة لم تستطع تجاوز هذا المأزق ودارت بشأنه جدالات ولا يمكن حسمه بعبارة غامضة في ميثاق يلزم المُسلمين. ثم كيف يريد أن يقنعنا الميثاق بأن “الأمر متروك لكل من المؤمنين لتشكيل رأيهم الخاص” وهو يحسم أصلًا في قضايا إشكالية وخلافية؟!
الخامس: يتأكد الإجحاف في حق المسلمين مرة أخرى حين يحرص الميثاق على التبرؤ وتبرئة الإسلام من أعمال العنف والأعمال العدائية ضد الفرنسيين وكأن الأصل فيهم أنهم مدانون ويجب إثبات براءتهم، في حين أن الأعمال العدائية الموجهة ضد المسلمين ورموز عقيدتهم هي -بحسب الميثاق- “من عمل أقلية متطرفة لا يمكن الخلط بينها وبين الدولة أو الشعب الفرنسي”، بل إن الميثاق يدين من يتقمص دور الضحية من المسلمين، ويدين أيضًا “من يشجب ما يسمى عنصرية الدولة”؛ لأنه بحديثه عن عنصرية الدولة إنما يقوم بفعل “تشهير” يغذي الكراهية ضد المسلمين وضد فرنسا معًا!
وفي حين أن الميثاق يلح على تخليص الإسلام من الأبعاد السياسية والأيديولوجية والاقتصار على جانبه الديني (التعبدي) فقط، نجد الموقعين يُلزمون أنفسهم في الميثاق بالانتظام في أعمال سياسية مضادة وحرب أيديولوجية فالميثاق ينص مثلًا على أن الموقعين في “حرب على وجه الخصوص ضد أيديولوجية التكفير” من دون توضيح المراد بها فكل الأديان لديها مؤمن وكافر، وينص أيضًا على أنهم يعملون “من أجل السلم القومي ومكافحة جميع أشكال العنف والكراهية”، و”محاربة أي شكل من أشكال استغلال الإسلام لأغراض سياسية و/أو أيديولوجية”، وأنهم “يحاربون بعزم أي حركة أو أيديولوجيا يصرف مشروعها ديننا عن هدفه الحقيقي وتحاول خلق موازين قوة أو تفكيك في مجتمعنا”، وكل هذه المهام هي خارج وظائف الأئمة في المساجد لو كنا سنقتصر على الجانب الديني من الإسلام، فضلًا عن أنهم لا يوضحون ما ملامح هذه الأغراض الأيديولوجية وما هو هذا الهدف الحقيقي للدين؟ وهل خلق موازين القوة يشمل العمل السياسي المشروع قانونيًّا في فرنسا أو المطالبة بالحقوق أو حتى السعي إلى تغيير قانون بوسائل قانونية؟
من المفارقة أن الميثاق يجمع بين قضايا قانونية وفكرية، ففي المسائل القانونية يطعن الميثاق ضمنيًّا في مواطنة المسلمين الفرنسيين حين يتم إلزام فئة من المواطنين بتقديم إقرار مكتوب للحكومة بأنها تحترم القوانين وبأنها تتعهد بترك معتقداتها إذا خالفت القوانين؛ وتزعم لنفسها في الوقت نفسه أنها تحترم حرية الضمير!
يزعم الميثاق لنفسه أنه “ميثاق مبادئ”، ولكنه يخلط بشكل غريب بين 3 أمور:
الأول: إعلان مواقف سياسية كالإشارة إلى أحداث بعينها، والثناء على دور المعلم في إشارة إلى جريمة ذبح المدرس الفرنسي في حادثة الرسوم، مما يعني الإقرار الضمنيّ بمسؤولية المسلمين عما وقع وتبرئة الدولة من أي مسؤولية عن أي حدث اعتداء أو تمييز أو كراهية، وكذلك يعلن الميثاق “رفضه المشاركة في أي مبادرة تروّج لما يعرف بالإسلام السياسي”، وأن الموقعين “يرفضون السماح لأماكن العبادة ببث الخطب السياسية أو استيراد النزاعات التي تحدث في أجزاء أخرى من العالم”، وفي هذا تقييد لحرية التعبير التي تعدّها فرنسا حقًّا مقدسًا وتريد أن تقنع المسلمين باحترام حرية نشر الرسوم السيئة التي تتناول معتقدات المسلمين!
الثاني: إعلان براءة، كإعلان الميثاق “براءة الدين من استخدام الإسلام لأغراض سياسية”، وبأن الموقعين “ملتزمون بعدم استخدام الإسلام أو مفهوم الأمة (مجتمع المؤمنين) أو السماح باستخدامه من منظور سياسي محلي أو وطني أو لفائدة أجندة سياسية تمليها قوة أجنبية تنكر التعددية المتوافقة مع الإسلام”. وأنه ينبغي الإعلان بقوة ودون تحفظ أن “النظام السياسي يبقى منفصلًا عن النظام الديني”. وأنه “لا يمكن لأي من منظماتنا، ولا أي من تعاليمنا، أن تهدف إلى التأكيد في فرنسا على معاملة مميزة للمسلمين”، وهذا سيشمل الحجاب والطعام الحلال وغير ذلك كالمطالبة بالحقوق.
الثالث: بيان واجبات والتعهد بالتزامات تُلزم الموقعين ومن وراءهم ومن سيأتي لاحقًا ليمارس نشاطًا إسلاميًّا مستقبلًا، ولذلك ثمة عبارات عدة في البيان تتضمن معنى إلزاميًّا مثل “يتعهد الموقعون”، و”على الموقعين..” إلى غير ذلك، كالقول مثلًا “يجب على الموقعين أن يرفضوا بوضوح أي تدخل أجنبي في إدارة مساجدهم ومهام أئمتهم”، وكقول الموقعين “نحن ملتزمون أيضًا بمحاربة الخرافات والممارسات القديمة عن طريق التعليم والتربية، ولا سيما تلك التي تدعي أنها طب نبوي”.
ولا يمكن لميثاق مبادئ أن يجمع بين المسائل الثلاث السابقة بحيث يكون ميثاق مبادئ وبيانًا سياسيًّا في آن واحد، فهو يخلط بين الحدث والقضايا والمبدأ، في حين أن المبادئ يُفترض بها أن تكون مجردة وعامة وقابلة للتطبيق على قضايا غير محدودة؛ وإلا لا تكون مبادئ! ولكن الميثاق يخوض في مسائل جزئية كإدانة إطلاق لفظ “الردة” على من يخرج من الإسلام، أو إدانة ما يسمى “الطب النبوي”، وغيرها.
ومن المفارقة أن الميثاق يجمع بين قضايا قانونية وفكرية، ففي المسائل القانونية يطعن الميثاق ضمنيًّا في مواطنة المسلمين الفرنسيين حين يتم إلزام فئة من المواطنين بتقديم إقرار مكتوب للحكومة بأنها تحترم القوانين وبأنها تتعهد بترك معتقداتها إذا خالفت القوانين؛ وتزعم لنفسها في الوقت نفسه أنها تحترم حرية الضمير! ثم كيف يمكن لميثاق يؤمن بالحرية أن يصادر الحرية في المسائل الفكرية التي يحسمها ويريد أن يفرضها على العاملين في الحقل الديني في فرنسا؛ فالفكر يناقش، والجمهورية الفرنسية لا تجرؤ على أن تفعل عشر معشار هذا مع أحزاب اليمين المتطرف في فرنسا رغم خطورة ما ينادون به!
ينص الميثاق على أن الموقعين “جزء من كتابة صفحة مهمة في تاريخ فرنسا، تساعد على إقامة علاقات سلمية وقائمة على الثقة بين مكونات المجتمع”، ويتجاهل “ميثاق المسلمين في أوروبا” الذي بدأت فكرته عام 2000 بمبادرة من اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، ووقعته نحو 400 جمعية إسلامية في عموم أوروبا، وكانت مهمة هذا الميثاق تحديد عدد من المنطلقات والمبادئ التي تعكس رؤية الفاعلين الإسلاميين في عموم أوروبا، واحتوى على 26 مادة موزعة على محورين يتناول أولهما منطلقات الفهم الإسلامي، ويتناول ثانيهما الوجود الإسلامي في المجتمع الذي يشمل أسس التعامل داخل الدائرة الإسلامية، ومقتضيات المواطنة وملامح الإسهام الإسلامي في أوروبا.
ويبدو لي أن الميثاق الجديد يقوم على أنقاض الميثاق القديم في لحظة سياسية فارقة حُشرت فيها المنظمات والجمعيات المحسوبة على الإسلام السياسي في الزاوية وبدعم إماراتي. صحيح أن الميثاقين يتفقان على مبادئ مشتركة، كالحرية الدينية والمساواة بين البشر، والمساواة أمام القانون، والمساواة بين الجنسين، واحترام التنوع والتعددية، وينبذ أشكال التمييز العنصري والعنف والإرهاب، ويؤكد توافق القيم الإسلامية مع القوانين والمواثيق السائدة، إلا أن ثمة قضايا ينقض فيها الميثاق الجديد الذي صيغ على عين الحكومة الفرنسية، الميثاق القديم الذي صاغه اتحاد المنظمات مع آخرين.
فالميثاق القديم ينص على أن الإسلام مكون من 3 مجالات، هي: العقيدة والشريعة (عبادات ومعاملات بأحكامها الشاملة) والأخلاق، أما الميثاق الجديد فيُلزم المسلمين بالعلمانية. والميثاق القديم يدعو إلى تمكين الناس من الدفاع عن حقوقهم بالأساليب المشروعة، أما الميثاق الجديد فلا يثبت للمسلمين حقوقًا بل يفرض عليهم واجبات فقط. الميثاق القديم ينص على أن الأسرة تقوم على آصرة الزواج بين الرجل والمرأة، أما الميثاق الجديد فيجرّم مجرد الموقف النفسي السلبي من المثليين.
وإذا كان الميثاق القديم يثبت للمسلمين الحق في الدفاع عن حقوقهم والتعبير عن آرائهم ومواقفهم أفرادا ومجموعات فيما هو عائد إلى شؤونهم الخاصة أو متعلق بالشأن العام، فإن الميثاق الجديد يحشرهم في الزاوية ويحظر عليهم المطالبة بمعاملة متميزة ويحصرهم في المسجد فقط. وإذا كان الميثاق القديم ينص على أن من أهم مقتضيات المواطنة الصالحة الإسهام السياسي بدءًا من الإدلاء بالتصويت في الانتخابات إلى الالتحاق بالأحزاب، فإن الميثاق الجديد يحظر عليهم التدخل في الشأن السياسي تحت مسمى استغلال الدين لأغراض سياسية أو أيديولوجية. وإذا كان الميثاق القديم يؤكد مبدأ العلمانية القائم على حياد الدولة فيما يتصل بالشأن الديني، فإن الميثاق الجديد هو استجابة لإرادة الدولة لتنظيم الشأن الديني والخضوع لإملاءاتها على المستويين التنظيمي والفكري. فالميثاق الجديد يمهّد الطريق أمام إنشاء مجلس وطني للأئمة يشرف على الأئمة، ويملك سلطة الترخيص وسحبه لمن يمارسون النشاط الديني في حال خرقوا هذه المبادئ وهو ما تنص عليه المادة الختامية في نص الميثاق.
يواجه المسلمون في فرنسا في عهد ماكرون امتحانًا عسيرًا في ظل مشروع “الصحوة الجمهورية” التبشيري الذي يدعو إليه، ويبدو أن مشروعه يتقاطع مع الإرادة السياسية لبعض دول الخارج والممثلة من قبل الجمعيات المحسوبة على المغرب والجزائر التي هي من ضمن الموقعين على الميثاق الجديد. إن هذا الميثاق من شأنه أن يفاقم المشكلات القائمة أصلًا، فهو يلغم المجلس الفرنسي الذي يراد له أن يكون تمثيليًّا؛ لأنه سيخلق صراعًا بين المنظمات المنضوية تحته من خلال بند الميثاق الأخير الخاص بالتحقيق والعزل والاستبعاد، كما أن توقيع اتحاد المنظمات الإسلامية على ميثاق بهذا الإجحاف سيعزله عن جمهوره وقواعده. فمن الواضح أنه تصرف وفق حسابات سياسية قدّم فيها مقصد الحفاظ على المؤسسة على مقصد الحفاظ على مبادئه التي سطّرها في ميثاقه القديم، كما أن بعض بنود الميثاق الجديد من شأنها أن تثير انتقادات واسعة بين المسلمين؛ لأنها تتضمن قضايا تمس صميم العقيدة والشريعة، ولا ندري إن كان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين سيخوض مثل هذه النقاشات كعادته أم أنه سيلتمس لاتحاد المنظمات العذر استجابة لإكراهات السياسة وموازين الضرورة!
لقد أمكن لماكرون أن يحصل بهذا الميثاق على قانون داخلي يُلزم المنظمات الموقعة عليه، وهو ما لم يستطع أن يظفر به من خلال قوانين الجمهورية نفسها!
_________________________________
المصدر: الجزيرة.نت (بتصرف يسير).