الاعتداءات الصهيونية الأخيرة على فلسطين والفلسطينيين أظهرت مدى الحاجة إلى وجود تطبيقات عربية وإسلامية تُسهم في الدفاع عن الأمة وقضاياها في زمن يحتل فيه الفضاء الإلكتروني أهمية كبيرة في جميع المجالات سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.
المقاومة الإلكترونية
المقاومة تكون بالسنان واللسان، ومقاومة اللسان تُقدم على مقاومة السنان، وبخاصة إذا علا الباطل وأرغى وأزبد، وكانت جُل وسائل الإعلام في الشرق والغرب مساندة له ومدافعة عنه، يقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً} سورة الفرقان: 52. أي بالقرآن الكريم.
وعن أنس بن مالك، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “جاهِدوا المشركينَ بأموالِكم وأنفسِكم وألسنتِكم” (أخرجه أبو داود: 2504).
وفي الحديث الذي يرويه البراء بن عازب رضي الله عنه “قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِحَسَّانَ: “اهْجُهُمْ -أوْ هَاجِهِمْ- وجِبْرِيلُ معك”َ (أخرجه البخاري: 3213، ومسلم: 2486).
وكان وقْع تصريحات أبي عبيدة المتحدث باسم كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) ربما كانت أشد على قادة الكيان الصهيوني وسكانه من الصواريخ التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية.
والمقاومة الإلكترونية نوع من أنواع المقاومة في سبيل الله عز وجل، وتُعد من أعظم أنواع المقاومة والجهاد المعاصرة، وذلك نظرًا للانتشار الواسع الذي حظيت به شبكة الإنترنت والتطبيقات الإلكترونية المتعددة وتأثيرها الكبير على الجماهير، وبخاصة تطبيقات ومنصات التواصل الاجتماعي التي يقدر عدد مستخدميها بالمليارات.
ولها صور متعددة، منها الرد على الشبهات التي تثار بين فينة وأخرى حول الإسلام وشرائعه وأحكامه، وحول القرآن والسنة، وحول الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، ونشر العلم النافع بين الناس في عصر ساد فيه الجهل بالشريعة الغراء وتعاليمها وأحكامها.
ومن صور الجهاد الإلكتروني الدفاع عن المستضعفين في الأرض، ومناصرة القضايا العادلة، والدفاع عن حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية.
ومن صور المقاومة الإلكترونية: مقاومة الاستبداد وفضح الطواغيت وتوعية الشعوب بحقوقها المسلوبة وفي مقدمتها الحرية والكرامة، وفي الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أفضلَ الجِهادِ كلمةُ حقٍّ عندَ سلطانٍ جائرٍ” (أخرجه أحمد: 11159).
التطبيقات الإسلامية فرض كفاية
الاعتداءات الصهيونية الأخيرة في عموم فلسطين، والعدوان الغاشم على غزة، وحظر تطبيق فيسبوك للكثير من الحسابات التي تدعم الفلسطينيين في مواجهة الاعتداءات الصهيونية الغاشمة، وحجب مواقع المقاومة على تطبيق تليغرام، والتغطيات الإخبارية المنحازة للكيان الصهيوني الغاصب، أظهرت الحاجة الماسة لوجود تطبيقات إلكترونية عربية وإسلامية، وإنشاء منصات إلكترونية وتطبيقات إسلامية بات من الضروريات ويُعد فرض كفاية على المسلمين؛ فالأمن والأمان الإلكتروني بات قضية بالغة الأهمية من أجل الحماية من سرقة البيانات الشخصية أو المتاجرة بها، كما تفعل الغالبية العظمى من تطبيقات التواصل الاجتماعي التي أصبحت وسيلة من وسائل اختراق المجتمعات المعاصرة.
والتطبيقات الإلكترونية -وبخاصة تطبيقات التواصل الاجتماعي- تنتهك الخصوصية وتجمع الكثير من المعلومات عن مستخدميها وتبيعها للمعلنين، وتستخدمها لأغراض سياسية كما حدث في انتخابات الرئاسة الأميركية التي جرت بين هيلاري كلينتون ودونالد ترمب فيما عُرف بفضيحة “فيسبوك – كامبريدج أناليتكا” وتم من خلالها الاطلاع على بيانات حوالي 90 مليون مستخدم بدون إذن منهم.
ومن المجالات التي ينبغي على المسلمين الاهتمام بها برامج الأمن الإلكتروني والحماية من عمليات الاختراق والهجمات الإلكترونية، وذلك من أجل الحفاظ على سرية المعلومات والبيانات الخاصة بالأفراد والشركات والحكومات.
تجارب ناجحة
حلم امتلاك تطبيقات عربية وإسلامية، تنافس التطبيقات الغربية، راود الكثير من الشباب الغيورين على أمتهم، ولكن أحلامهم لم تتحقق لضعف الإمكانيات المادية وعدم الوعي بأهمية وخطورة هذه التطبيقات، وقد أطلقت مجموعة من الشباب مؤخرًا منصة وتطبيق “Baaz” للتواصل الاجتماعي وحصل التطبيق على تقييم 4.9.
والأتراك كانوا سباقين في هذا المجال، وذلك من خلال إنشاء تطبيق “بيب” للتواصل الاجتماعي، وهو متاح للاستخدام في 192 دولة حول العالم، ويوفر خدمات المراسلة والمكالمات الصوتية والمرئية وإمكانية التواصل بشكل آمن ودون انقطاع، وهناك تطبيق آخر يسمى “ياز بيه” (Yazbee) ينافس موقعيْ التواصل الاجتماعي تويتر وإنستغرام.
وقبل التجربة التركية كانت هناك تجربة الصين التي حظرت تطبيقات مثل يوتيوب وفيسبوك وغيرهما، وأنشئت تطبيقات بديلة خاصة للمواطنين الصينيين. وقد برزت أهمية وخطورة تطبيقات ومنصات التواصل الاجتماعي من خلال تنازع الولايات المتحدة والصين على ملكية تطبيق “تيك توك“.
وأخيرًا نقول: إن امتلاك المسلمين اليوم تطبيقات إسلامية يًعد فرضًا من فروض الكفاية التي تأثم الأمة جميعها بتركها أو التقصير فيها، وهو إحدى وسائل القوة المعاصرة التي ينبغي على المسلمين امتلاك ناصيتها وتوظيفها فيما يعود على الأمة وأفرادها وعلى البشرية جمعاء بالخير والنفع.
——
* المشرف على موقع “تعارفوا”. والمقال منقول من “مدونات الجزيرة”.