آثر مجلس الوزراء الانتقالي بالسودان حزم موقفه حيال المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية بتجاوز مصطلح “المثول” إلى “التسليم” وترك المكوّن العسكري بمجلس السيادة في حالة بحث عن “توليفة” لمحاكمة الرئيس السابق عمر البشير دوليا، دون ترحيله إلى لاهاي.
وبحسب مصدر حكومي بمجلس الوزراء، فإن اجتماع المجلس المغلق بضاحية سوبا، جنوبي الخرطوم، 3 أيام، ناقش مسألة المحكمة الجنائية ضمن مبادرة “الطريق إلى الأمام” التي طرحها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك أخيراً.
وقال المصدر: إن مجلس الوزراء بقراره تسليم المطلوبين للجنائية الدولية فرز مواقفه وطوّرها من “المثول” إلى “التسليم” على أن يرفع هذا الموقف للمناقشة مع المجلس السيادي الذي يشارك فيه العسكريون.
ووصف مصطلح “المثول” الوارد في اتفاق جوبا الموقّع بأكتوبر 2020 بين الحكومة والحركات المسلحة، بأنه مربك وينطوي على خيارات أن تكون المحاكمة بالخرطوم أو لاهاي حيث مقر المحكمة الجنائية الدولية.
عسكر ومدنيون
ويؤكد المصدر الحكومي أن فرز المواقف بشكل قاطع (يعني) أن الحكومة بشقيها المدني والعسكري غير متفقة على طريقة مثول أو تسليم الرئيس المعزول واثنين آخرين من معاونيه للمحكمة الجنائية.
ويقول كمال عمر عبد السلام، المحامي بهيئة الدفاع عن المتهمين بتدبير انقلاب 30 يونيو 1989: إن المجموعة العسكرية بالحكومة لن تسمح للمجموعة المدنية بتسليم المطلوبين لـ”الجنائية”، ويتابع “ثمة مشكلة في تركيبة الحكومة، فهي غير متجانسة وليست متفقة؛ المدنيون يطلقون الشعارات والعسكريون يئدونها”.
ويرى المحامي، في حديث لـ”الجزيرة نت”، أن القرار بيد العسكريين “لذا لن يسلموا أي مطلوب للجنائية لأن بعض العسكريين في السلطة يخشون أن تطالهم تحقيقات محكمة لاهاي”.
وقد أصدرت “الجنائية” أمرين باعتقال البشير عامي 2009 و2010، في تهم تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية بدارفور. وتطلب مثول المسؤولين السابقين بحكومة البشير، أحمد هارون وعبد الرحيم محمد حسين، فضلاً عن علي كوشيب، وهو قائد مليشيا، الذي سلّم نفسه للمحكمة في يونيو 2020.
ارتباك
وعندما سئلت وزيرة ديوان الحكم الاتحادي بثينة دينار، السبت الماضي عقب اجتماع مجلس الوزراء الذي أقر تسليم المطلوبين للجنائية عن طريقة التسليم، فقالت “لم تزل حالة الارتباك التي يعاني منها الملف منذ إقرار مثول المتهمين في اتفاقية السلام”.
وبحسب الوزيرة، فإن “الموضوع يتعلق بإجراءات لديها علاقة بالدولة وأخرى ذات صلة بالمحكمة الجنائية الدولية، سنرى كيف تمضي هذه الإجراءات وبعدها نقرر”.
وفي سياق إجراءات الدولة، قالت دينار “المطلوبون يواجهون اتهامات في جرائم أخرى ويخضعون لمحاكم بالداخل في القضايا كالفساد والانقلاب وغيرها، ويجب انتظار نهاية هذه المحاكمات ثم النظر في تسليم المتهمين لمحكمة لاهاي”.
وبعد مضي 8 أشهر على أول زيارة لمدعية المحكمة الجنائية السابقة فاتو بنسودا، ما زال تسليم المطلوبين معلقا رغم تمسكها، في زيارتها الأخيرة للخرطوم مطلع الشهر الحالي، بتسليم هارون، قبل حلول يوليو، لأنه يواجه اتهامات كوشيب ذاتها، تمهيداً لمحاكمتهما معاً.
ووجه الادعاء 31 تهمة لكوشيب (72 عاماً) تتعلق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في 15 و16 أغسطس 2003 بمحلية بندسي وكودم، وجرائم ارتكبت ببلدة مكجر بولاية وسط دارفور في أبريل 2004.
شبه إقحام
ويرى الأمين العام لهيئة محامي دارفور الصادق علي حسن أن الحكومة تواجه مشكلات في بروز أصوات تقارن بين الأوضاع المعيشية الحالية والسابقة، مما قد يدفع بالبعض داخل الحكومة للعمل على تفعيل إجراءات تسليم المطلوبين إلى لاهاي.
يقول حسن لـ”الجزيرة نت”: إن رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ربما يكون لديه رأي آخر لوجود معلومات تفيد بأنه ظل يتردد في تسليم البشير ومن معه للجنائية.
وهو ما يؤكده المصدر الحكومي بمجلس الوزراء بقوله: إن بعض العسكريين بالحكومة يفضّلون محاكمة البشير داخلياً، ويرفضون تسليمه للجنائية باعتبار أنه “ضابط عظيم بالجيش”.
لكن عبد السلام المحامي يعتقد أن الظرف الآني يفرض حيثية مفادها أن الحكومة تحت ضغط الشارع، لذا تريد إرسال إشارات بالاستجابة لمطالبه الثورية المتعلقة بالعدالة فـ “الحكومة تورطت في الفشل وتريد تقديم شيء للشارع قبل المليونية”.
عقبات المحاكمة
وضمن تعزيز اتجاه محاكمة البشير وأعوانه في محكمة “هجين” (أي تعقد في الخرطوم بمشاركة قضاة محكمة لاهاي) ربما وضعت سابقة في إدانة متعاون مع جهاز المخابرات تحت المادة 186 المتعلقة بالجرائم ضد الإنسانية، والأساس لمثول المطلوبين بالداخل.
وقضت محكمة سودانية، الأحد الماضي، بإعدام متعاون تورّط في قتل متظاهر، في أول حكم قضائي يصدر في البلاد لمرتكب جرائم ضد الإنسانية.
لكن الأمين العام لهيئة محامي دارفور يرى أن الموصوفة بالجرائم ضد الإنسانية لم تكن موجودة، وغير منصوص عليها بالقانون الجنائي لسنة 1991 الساري المفعول، ولا يجوز تطبيقه بأثر رجعي.
ويوضح أنه قبل ذهاب “النظام البائد” تم تعديل القانون الجنائي ليشمل “الجرائم ضد الإنسانية” لكن تطبيقه يكون على الجرائم التي ارتكبت في ظل سريان أحكام القانون وليس قبل ذلك.
وبشأن التكاليف المالية الطائلة لمحاكمة المطلوبين للمحكمة الجنائية بالداخل، يؤكد المسؤول الحكومي بمجلس الوزراء أن الشق المالي سيغطيه المجتمع الدولي، وتكمن المشكلة في القرار السياسي بانعقاد المحكمة داخل البلاد.