كان من المقرر أن يناقش مجلس نواب تونس الثلاثاء 29 يونيو 2021م مسألة تعطيل ختم مشاريع القوانين الأساسية، خاصة المشروع المتعلق بإتمام وتنقيح القانون الأساسي عدد 50 لسنة 2015م المتعلّق بالمحكمة الدّستورية التي طال مسار تركيزها لأكثر من 6 سنوات وهو ما شكّل محور معركة جديدة بين الكتل النيابية والأحزاب السياسية، وانعكس ذلك على الأنصار، وعامة الشعب.
وكانت الأغلبية في مكتب مجلس نواب الشعب (البرلمان) التونسي مع طرح القضية للنقاش وتحديدا رفض الرئيس سعيّد ختم مشروع القانون الذي صادق عليه البرلمان مرتين، إلا أن حركة النهضة ارتأت عدم مناقشة المسألة، حفاظا على السلم الأهلي، وبحثا عن المشترك والتوافقات التي تلقى إجماعا، أو أغلبية مريحة؛ حيث كان 6 أعضاء مع مناقشة الموضوع، وما يترتب على ذلك من قرارات، و5 ضد، وكان رئيس مجلس النواب من بين من ساهم في نزع فتيل الأزمة التي خمدت لكنها لا تزال كما قال شاعر تونس أبو القاسم الشابي “حذار.. فتحت الرماد اللهيب”.
عين الصواب
مرت أكثر من 10 سنوات على الثورة التونسية، قدمت فيها حركة النهضة الكثير والكثير من التنازلات -كما يقول متابعون- من أجل تنقية الأجواء ونزع فتائل الأزمات، ومنع الانفجار السياسي والاجتماعي والحفاظ على مسار الانتقال الديمقراطي.. آخرها وليس آخرا عدم مناقشة تعطيل سعيّد للمحكمة الدستورية، ورغم غضب البعض فإن هناك من يراه عين الصواب، في مواجهة ما يصفه البعض الآخر بـ”نيرون الرهط “(الأطراف التي تناصب الحركة العداء لخلفيتها الإسلامية أو مواقفها التي لا تروق للبعض) وهو الأسلوب الذي حافظ على المسار رغم العثرات والعقبات، من وجهة نظر كثيرين.
حتى “نيرون الرهط” الذي يتهمها بالتعاون مع الثورة المضادة أو يهادنها، كما يقول آخرون، ليس في الحقيقة سوى ذراع للثورة المضادة والإمبريالية الفرنسية، ولا أدل على ذلك من التناغم الظاهر والخفي بينه وبين الثورة المضادة وإعلامها، وتلك الحفاوة به في برامجه وأخباره تفضحهم جميعا، كما يذكر آخرون.. “بل إن الثورة المضادة والإمبريالية الفرنسية ونيرون الرهط ليست سوى أسماء متعددة لشيء واحد”.
8 أسئلة مهمة
ويذكر الكاتب رضا محجوب في تدوين له على صفحته على فيس بوك ما جرى في مجلس النواب، ويعلق عليه بـ 8 أسئلة واستنتاج؛ حيث يقول: “نتيجة التصويت لإلغاء النقطة المتعلقة بالتداول في تجاوزات الرئيس قيس سعيّد في الجلسة العامة كانت 5 نواب مع إلغاء مناقشة التجاوزات، و6 نواب ضد إلغاء مناقشة التجاوزات من بينهم الأمين العام للتيار الديمقراطي غازي الشواشي (الكتلة الديمقراطية/منقسمة) والقيادي في ائتلاف الكرامة عبداللطيف العلوي، علاوة على ثلاثة نواب امتنعوا عن التصويت، وهم من النهضة بينهم رئيس المجلس راشد الغنوشي.
وخلص إلى القول: “لو صوّت نواب النهضة لكانت النتيجة 6 مع الإبقاء على المقترح أي مع تداول تجاوزات قيس سعيد في الجلسة العامة مقابل خمسة ضد تداول تجاوزاته”.
وأردف: “نحن مع تهدئة الأجواء وإرساء مناخ سياسي سليم وحفظ المقامات بمن فيهم مقام رئيس الجمهورية، لكن هل من مقابل سياسي لهذا الموقف؟”.
وتساءل: “هل سيخرج زهير الغزاوي (حركة الشعب) وهيكل المكي (التيار الديمقراطي) وغيرهم يثمنون هذا الموقف المشرف وهم أكبر الداعمين للرئيس؟”.
وطرح سؤال ثانيا “هل ستثمن سامية عبو (التيار الديمقراطي) ذلك ويتراجع زوجها عن شتم النهضة وكيل التهم لها وهو الذي دعا لإيقاف قياداتها وسجنهم؟”.
وطرح سؤالا ثالثا “هل سيتراجع مبروك كورشيد عن بعض مواقفه العدائية تجاه الحركة؟”؟، وسؤالا رابعا: “هل سيثني هذا الموقف طارق الفتيتي (نائب عن كتلة الإصلاح) عن مطالبة الغنوشي بالاستقالة وهو المطلع عن قرب عن حلم الشيخ الغنوشي تجاه منتقديه وتجاوزه للمهاترات السياسية وتغليبه للمصلحة العليا؟”؟
أما السؤال الخامس فهو: “هل سيعترف قيس سعيد بهذه التهدئة خلال أول لقاء إعلامي قادم مع أحد ضيوفه، ويغير من رأيه بضرورة عدم كيل التهم لخصمه رئيس مجلس النواب ويدعو هو أيضا لتجاوز الخلافات؟”؟
ثم طرح سؤالا سادسا: “هل الأطراف الأخرى والمفروض أنها محايدة كالإعلام سيذكرون ذلك في برامجهم؟”، ثم سؤالا سابعا: “هل هذا الموقف سيلاقي استحسان معلقي الفتنة الذين لا شغل لهم سوى اتهام الحركة وقياداتها والنبش في أشباه الأخطاء كي يؤثثوا بها مواقفهم العدائية؟”، وسؤالا ثامنا: “هل سيخرج نورالدين الطبوبي (الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل) ويقول بأنه هاته المرة سيعطيه حقه ويشكره على التهدئة؟”.
واعتبر مجدوب ما جرى” حلقة إضافية من حلقات منح الهدايا المجانية للخصوم الذين لا حياء لهم ولا أخلاق سياسية ولا رجولة؛ بل بعد هذا الموقف سوف يعتبرونه ضعفا، وسوف يستثمرون ذلك سياسيا بأن كانت لهم الغلبة مقابل فشل أصوات الطرف المقابل”.
انتهى المسار ولم يوّقع
في 4 أبريل الماضي، رفض الرئيس قيس سعيّد ختم القانون المعدل، وقرر رده للبرلمان لقراءة ثانية، ليصادق مجلس النواب على النص ذاته يوم 4 مايو بأغلبية معززة.
وإلى حد اللحظة، لم يصدر رئيس الجمهورية قيس سعيد أي قرار يتعلق بمصير القانون.
جدير بالذكر أن المحكمة الدستورية، هي هيئة قضائية وقع إقرارها بموجب دستور 2014 م، وتضم 12 عضوا، 4 منهم ينتخبهم البرلمان، و4 يختارهم المجلس الأعلى للقضاء في تونس، و4 يعيّنهم الرئيس قيس سعيّد.
وتراقب المحكمة مشاريع تعديل الدستور، والمعاهدات ومشاريع القوانين، والقوانين، والنظام الداخلي للبرلمان، وتبت في استمرار حالات الطوارئ، والنزاعات المتعلقة باختصاصي الرئاسة والحكومة، بيد أن سعيّد يرى أن الهدف من إقامة المحكمة الدستورية عزله بطريقة قانونية.