في أواخر الستينيات بدأت الحركة الإسلامية تتلمس موقع قدم لها في خارطة البانوراما التونسية، وبدأت تعمل بشكل غير معلن. وفي عام 1972م أطلقت على نفسها اسم “الجماعة الإسلامية”، وكان أبرز مؤسسيها الشيخ راشد الغنوشي، أستاذ الفلسفة، الذي كان لا يدخل مدينة يدرس فيها إلا ويقيم جماعة ضخمة تفتخر بالإسلام، وتنشر وعوده بين صفوف الشعب، والحقوقي والخطيب المفوه عبد الفتاح مورو، ثم الاقتصادي المتمكن الراحل صالح كركر، رحمه الله، وآخرون انضموا تباعا للحركة.
عودة الروح
وفي 1974م صدرت “مجلة المعرفة” التي كانت قيمة إضافية ساهمت في إقناع قطاعات كبيرة من الشباب بالحل الإسلامي، ونقد الأفكار الوجودية واليسارية التي كانت مسيطرة على الساحة آنذاك.
كما استفادت الحركة من انتفاضة 26 يناير 1968م التي اندلعت على إثر صراع بين الاتحاد العام التونسي للشغل ونظام بورقيبة. وفي 1979م تم عقد مؤتمر تمت فيه المصادقة على القانون الأساسي للحركة الاسلامية بنيت على أساسه هيكلة الحركة.
وشهدت سنة 1981م تطورات دراماتيكية ربما كان من أبرزها المنشور الرسمي الذي يطلق عليه المنشور 108 سيئ الذكر، الذي يحظر على الفتيات والنساء ارتداء الحجاب، على إثر حادثة أشادت فيها طالبة من كلية الشريعة بالإسلام وليس بورقيبة، وأن “الإسلام هو الذي حرر المرأة”، ومن ذلك التاريخ وحتى آخر يوم من حكم بن علي (7 نوفمبر 1987م حتى 14 يناير 2011م) تعرضت الفتيات -ولا سيما الطالبات في الجامعة والمعاهد الثانوية وغيرها- لمعاناة شديدة، وصلت في أغلب الأحيان للضرب، فضلا عن الطرد والمنع من الدراسة، وهو ما يحتاج لحديث خاص.
وفي يومي 9 و10 إبريل 1981م عقدت الحركة مؤتمرها الثاني في مدينة سوسة الساحلية، وفيه أعلن اللجوء للعمل العلني وتغيير اسم الحركة إلى “حركة الاتجاه الإسلامي”، وفي 6 يونيو 1981م تم عقد أول مؤتمر صحفي أعلن فيه عن الحركة. وتم التقدم بطلب ترخيص قانوني، لكن السلطات الحاكمة ردت على الإعلان، ومن ثم الطلب للعمل في إطار القانون بحملة اعتقالات ظالمة وقمعية بدأت في 18 يوليو 1981م. وقدم المعتقلون الإسلاميون للمحاكمة في شهر سبتمبر من نفس العام، بتهمة الانتماء إلى جمعية غير مرخص لها، والنيل من كرامة رئيس الدولة، ونشر أنباء كاذبة، وتوزيع منشورات معادية للنظام الحاكم.
وصدرت أحكام ظالمة على عدد كبير من أبناء الحركة في مختلف أنحاء تونس، وصلت إلى 10 سنوات سجن، بحق عدد من القيادات من بينهم الشيخ راشد الغنوشي، الذي كانت رسالته لنيل درجة الدكتوراة “الحريات العامة في الدولة الإسلامية”، وعبد الفتاح مورو، وآخرين، لكن السلطات أفرجت عن المتهمين في سنة 1984م التي شهدت احتقانا شديدا في الساحة التونسية، عبرت عنه بجلاء الانتفاضة التي أطلق عليها تجاوزا “ثورة الخبز”، بينما كانت لها أسباب سياسية، إلى جانب الاحتجاجات على الزيادة في الأسعار، بما في ذلك زيادة أسعار الخبز.
الانقلاب الفرنسي
لقد مثلت فترة الثمانينيات العهد الذهبي للحركة الإسلامية؛ ما أثار عليها حنق وغضب الدوائر الفرنسية، وحزبها في تونس، وهو حزب يتجاوز دوائر السلطة إلى أطراف في الجامعة التونسية، ومؤسسات أخرى في بنية الدولة، اتحدت -كما سيأتي- في وجه الحركة الإسلامية، بعد صعود بن علي للسلطة بمساعدة فرنسا، وإيطاليا، وإسبانيا، ودوائر صهيونية في فلسطين والغرب، اعترفت عبر العديد من المنابر الإعلامية المرئية بأنها ساهمت في توطيد حكم بن علي في مواجهة الإسلاميين. وقد بلغت الحرب على الحركة الإسلامية في عهد بورقيبة أوجها سنة 1987م، عندما حكم على القيادة الإسلامية بالأشغال الشاقة مدى الحياة، والإعدام لستة قادة من بينهم علي العريض.
ولم يعجب الحكم بورقيبة الذي كان يطالب برؤوس قادة الحركة، محددا رقم 10 رؤوس لإرواء شبقه الدموي، وتشفيه من الإسلام والإسلاميين، وبدأ يُعد لإعادة المحاكمة.
المفارقة أن فرنسا التي كانت تدخل كلما تم المساس بأي من المحسوبين عليها، لم تحرك ساكنا حيال ما تعرض له الإسلاميون قبل الثورة في العهدين البورقيبي والنوفمبري، بل هناك معطيات تفيد بأنها كانت وراء كل ذلك، وقدمت مختلف أوجه الدعم للاستبداد في تونس ودون انقطاع.
وكانت أكثر من جهة في تلك الفترة تعد للإطاحة بنظام بورقيبة، منها سيناريو أمريكي جزائري، وفقا لما أورده التلفزيون التونسي بعيد الثورة. كما يقال بأن أطرافا في الحركة الإسلامية كانت تعد للإطاحة بنظام بورقيبة في 8 نوفمبر 1987م، بينما كانت القيادة في السجن (؟!) لكن فرنسا وعن طريق بن علي، وبعض من تخلص منهم بعد ذلك، سبقت الجميع بيوم واحد، وكان انقلاب 7 نوفمبر1987م المشؤوم.