تناولنا في الحلقات السابقة:
- إخلاص النية لله في زواجي
- هل المودة والرحمة هبة أم توفيق من الله؟
- القوامة
- “..هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ..”
- علاقة الزوج بأهل زوجه
- ما هية الزواج
- الشفافية
- بيت الزوجية .. بيت من؟
- المبادرة والاعتذار
- الحقوق والواجبات
- العلاقات الزوجية-1. العلاقة الجميمية
- العلاقات الزوجية-2. العلاقة المالية
- العلاقات الزوجية-3.الخصوصية
- العلاقات الزوجية- 4. الرضا-أ
- العلاقات الزوجية- 4. الرضا-ب
ونتناول في هذه الحلقة:
- العدالة أم المساواة بين الزوجات
كنت قد انتهيت من المحور الأول من سلسلة المودة والرحمة قراري، والذي يتناول المفاهيم، ولكن عُرضت عليّ استشارة ملخصها الفهم الخاطئ للعدل في التعامل بين الزوجات، مما جعلني أفتح مرة أخرى محور المفاهيم. لن أتناول الزواج الثاني فقد سبق أن تناولته عند مناقشة المشكلات، ويمكن الرجوع إليها في باب مستشارك، ومنها على سبيل المثال:
“الزواج الثاني تساؤلات بلا ردود” https://mugtama.com/more/muslim-family/love-and-mercy/item/116302-2020-12-27-13-18-18.html
يقول عز وجل في محكم التنزيل: “وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3)”، ” وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129) “النساء.
هناك فرق بين العدل والمساواة، بين الزوجات والمفهوم السائد للأسف هو المساواة في المبيت والإنفاق، وسأتناول وجهة نظري من واقع استشارة معروضة علي:
زوجة بعد عشرة سنوات عجاف، لديها خمسة أولاد، بناء على إلحاح زوجها وحلمه بعشرة أولاد، تحملت مسؤولية البيت تقريبا بمفردها، وفرّغت زوجها لاستكمال دراسته العليا حتى حصل على الدكتوراه، وأسس مكتبه الاستشاري. لم يقتصر الأمر على تحمل الأعباء المعنوية من مسؤولية ومتابعة تربية الأولاد، بل تضمن الضيق المادي والتنازل عن أبسط متطلبات الحياة، وبذل الجهود بالمبلغ القليل ليكفي المتطلبات الضرورية للحياة.
مع بزوغ ثمرات كفاحها، أخبرها: “سأتزوج وسأعدل بينكما وحتى لا آتي يوم القيامة وشقي ساقط أو مائل، سأقسم الوقت المتاح بينكما بالتساوي بالدقيقة”!
الإقامة والمبيت:
هل من العدل المساواة في الإقامة والمبيت بين الزوجة الأولى وخمسة أولاد والثانية؟
أولا بالنسبة للزوجة مهما كانت على صلة بالله وشرعا راضية بقضائه، إلا أن طبيعة الزوجة الغيرة على زوجها والشعور الألم كل الألم بزواجه، ويتعاظم ذلك الألم بقدر عطائها وتضحياتها؛ لذا فليس من العدل المساواة بينها في المبيت مع ضرتها، بل يجب تطييب خاطرها بالمبيت لديها أكثر، كما أن الفقهاء -جزاهم الله خيرا- تحدثوا عن صعوبة العدل في العلاقة الحميمية، مستندين إلى ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم: “اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك” (صححه ابن حبان والحاكم، وابن كثير، وابن الملقن، والسيوطي).
هناك فرق بين القدرة العاطفية وهي أحد العوامل المؤثرة في قدرة الزوج على الجماع، والقدرة النفسية على التفاعل العاطفي والمرتبطة بالرغبة لإرضاء الزوجة وإسعادها؛ بمعنى أن الزوج قد لا يجد في نفسه قدرة عاطفية تستثير رغبته في الجماع بزوجته، لكن هناك فرق بين ذلك وأن يحرص نفسيا على التواصل العاطفي معها، كما أن القناعة الدينية بواجبه نحو إحصان زوجه فيحرص على الافتعال العاطفي معها، وتذكره “وفي بضع أحدكم صدقة” وتهيئه نفسيا على اللقاء الزوجي. وعليه فلا يُفهم من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم -إن صح- أن يبيت الزوج مع زوجته كالصنم بحجة أنه لا يملك قلبه ولا يستطيع أن يجامعها، بل عليه افتعال حبه لها بالحديث معها بأرق الألفاظ وأعذب العبارات تعويضا لها عن قصوره الجنسي تجاهها وقد يحدث اللقاء، وليتذكر “إنما الحلم بالتحلم والصبر بالتصبر”، ونحسب أنه مأجور على معاناته هذه، إن توهم ذلك.
لذا أرى اتباع الهدي النبوي؛ فعَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: “مِنَ السُّنَّةِ إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ البِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا وَقَسَمَ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى البِكْرِ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلاَثًا ثُمَّ قَسَمَ” قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: “وَلَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ: إِنَّ أَنَسًا رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ” (رواه الشيخان واللفظ للبخاري).
فمن العدل التودد إلى الزوجة الأولى وإكرامها عاطفيا والأخذ بأسباب التفاعل الجنسي معها، وقد يتطلب ذلك المبيت لديها أكثر حتى يسهل عليها التغلب على أثرة النفس والهوى والشيطان، ثم يمكن بعد ذلك المناصفة بينها.
النفقة:
يجب مراعاة نفسية الزوجة التي تنازلت عن حقوقها المادية في سبيل أن يبني زوجها مستقبل عائلتهما، ثم مفاجأتها بمن تشاركها جني الثمار، ويتشدق زوجها بالعدل؟ بل هذا ظلم وظلم بيّن، والله العليم.
بل إن من العدل ليس فقط تعويضها، بل مكافأتها وترضيتها بأفضل ما بذلت؛ فليس معنى أن الزوجة لم تساهم نقديا في بناء مستقبل الأسرة أن يدعي الزوج “هذا من فضل ربي عليّ”، -ولله الفضل المنة- بل هو فضل الله على هذه الأسرة لأنه رزق كل الأسرة زوجة وأولادا؛ لذا فليس من العدل المساواة في النفقة.
حق الأولاد:
أليس للأولاد حق في التربية؟ لذا يجب وضع حاجة الأولاد إلى والدهم في المرتبة الأولى، وما تبقى يُعدل به بين الزوجتين؛ بمعنى إذا كانت الليلة من حق الزوجة الثانية، ففرضا على الزوج قبل الذهاب للمبيت أن يعطي أولاده حقهم التربوي، ويظل هو القيم على بيته، ولا يفوض أو يتقاعس عن دوره التربوي لأولاده، وحنى لا تتحمل الزوجة الأولى مسؤولية الأولاد بمفردها.