“نرجع لبلادنا”.. كلمتان لا ثالث لهما أجمع عليهما لاجئو سوريا في الأردن، وهم يستقبلون عاماً جديداً يأملون فيه أن تتحقق أمنية طال انتظارها، مع عدم وجود مؤشرات تدلل على انتهاء أزمة لامست 12 عاماً.
وعلى الرغم مما أنتجته حرب بلادهم من خسائر كبيرة وآثار نفسية لا يمكن لطول السنين أن تمحوها، إلا أن لسان حالهم يقول: “ضع ملحاً على جرحك واصمت”، محاولين تناسي ما أصابهم من ألمٍ وفقدٍ وتهجيرٍ وتشريد.
قبيل أعوام، كان اللاجئون السوريون بالأردن يُعربون عن قلقهم من العودة؛ خوفاً على حياتهم وحياة أبنائهم، لكن الوطن غادرته أقدامهم ولم تغادره قلوبهم، وما زال رغم قسوة الظروف يعيش في وجدانهم، فالغربة عنه بالنسبة لهم غربة الجسد.
وفي جولة ميدانية في مدينة الرمثا شمالي الأردن المحاذية لمدينة درعا السورية على الحدود بين البلدين، والتقى فيها عدداً من اللاجئين السوريين، وقف فيها على أمنياتهم مع حلول العام الجديد 2023.
** كبر في الأردن
البداية كانت مع الشاب رمزي الحوراني (17 عاماً)، الذي قال: “كبرت هنا بالأردن، فأنا مع أهلي منذ بداية الأزمة، ولم أهنأ بالعيش في بلدي، ولكني أتمنى أن أعود إليها وهي بأمن وأمان”.
وقبل أن يكمل كلامه، قاطعته والدته “أم محمد”، كما عرفت عن نفسها “والله ما شاف شي بسوريا (لم ير شيئاً)، والله يهدّي الحال حتى نرجع ويكبر ابني في بلده”.
ومتابعاً كلامه، أضاف الحوراني “الأردن لم يقصر معنا بشيء، والناس هنا رائعين، لم نشعر معهم بالغربة، ولكننا نأمل أن ينتهي كل شيء في سوريا لنعود إلى بيتنا الذي لا نعلم إن كان ما زال موجوداً أم دمرته الحرب”.
“أكيد أنت ما بتلومنا لأننا نرفض التصوير”.. هذا ما استهل به محمود العلي (48 عاماً) كلامه مع مراسل الأناضول، مضيفاً “الوضع غير مطمئن في سوريا، وكل ما كبر حلم العودة يصطدم بالواقع مرة أخرى، وكأن الحرب حرّمت علينا أبسط حقوقنا بالعودة إلى منازلنا”.
وأردف “لكن أملنا بالله كبير، وربما يكون الحل قريب مع كثرة أزمات العالم التي تُحتّم على الجميع أن يجد حلّاً لأزمتنا خلال العام الجديد”.
** ما جرى ليس ذنبنا
محمد أبو زيد (38 عاماً)، كان أكثر صراحة من سابقيه في طرحه؛ إذ قال “نحن نعلم بأن لجوؤنا أتعب جيراننا من الدول، فهي تعاني ولا تحتاج إلى المزيد، ولكن ما جرى في سوريا ليس ذنبنا”.
واستدرك “لذلك، أعتقد بأن تلك الدول وخاصة الأردن وتركيا تسعى لإيجاد حل سريع، ولاحظنا تراجع المساعدات الدولية لنا بشكل كبير”.
وبأسلوب أظهر حجم مصابها وعمق حزنها، قالت ربى خليل (42 عاماً): “فقدت زوجي من هذه الحرب، وتحولت إلى أرملةٍ تعيش مع جرحها بشكل يومي، ولكنني أعتقد بأن العودة باتت أمراً ضرورياً لا بُدّ وأن يتحقق عام 2023”.
وتساءلت “ألا يكفي ما حلّ بنا بعد كل هذه السنين (؟)”، ومجيبةً عن ذلك، قالت: “أعتقد إنه بكفي (يكفي)، فكل يوم يمر علينا ونحن بالغربة تزداد المعاناة ويتضاعف الألم، ولا أرى في العودة شيئاً مستحيلاً، ولدي شعور بأنها باتت وشيكة”.
** نريد العودة
“والله ما بدنا شي (لا نريد شيئاً)، بس بدنا نرجع على بلادنا (فقد نريد العودة)”، رسالة واضحة وصريحة كانت تنمّ عن شدة المعاناة التي يمر بها لاجئو سوريا بعيداً عن موطنهم، قالها إبراهيم سالم (40 عاماً)، للأناضول.
وتابع “والله هذا حلم لكل سوري طلع (خرج) من بلده، شو ما سمعت منّا (مهما كان ما سمعته)، تأكد إنه ما في حد بختلف (لا أحد يختلف) على هذا الشيء، والله كل يوم بمر (يمرّ) علينا كأنه سنة (عام)”.
ومضى قائلا: “ظُلمنا ولكن الله ما رح يضيعنا (لن يضيعنا)، ما ثرنا (لم نثور) ونحن في رفاه، ثرنا على ظلم ما حد بتحمله (لا أحد يتحمله)، لكن ما بدنا ننظر للماضي (لا نريد النظر للماضي)، كل ما نريده أن يكون مستقبل أولادنا في بلادهم العام القادم”.
ويعتبر الأردن المجاور لحدود سوريا الجنوبية بطول 375 كلم، من أكثر الدول استقبالًا للاجئين السوريين الهاربين من الحرب.
ويوجد في الأردن نحو 1.3 مليون سوري، قرابة نصفهم مسجلين بصفة “لاجئ” في سجلات مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، في حين أن 750 ألفا منهم يقيمون في البلاد قبل عام 2011، بحكم النسب والمصاهرة والعلاقات التجارية.
ومنذ منتصف مارس/آذار (2011)، اندلعت ثورة شعبية في سوريا تطالب بإقامة دولة ديمقراطية يتم فيها تداول السلطة، غير أنها تحولت إلى مواجهات مسلحة، سقط خلالها آلاف القتلى، بحسب إحصائيات أممية.