خلال يناير 2023 وردا على جريمة حرق نسخة من المصحف الشريف من قبل متطرف دنماركي أمام سفارة أنقرة في ستكهولم، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: إذا كانت السويد لا تحترم المعتقدات الدينية لتركيا والمسلمين، فلا تنتظر دعم أنقرة فيما يتعلق بانضمامها لحلف الناتو.
وأضاف أردوغان في خطابه وقتها: أن هذا الفعل القبيح في السويد بحرق نسخة من القرآن هو إهانة ضد كل من يحترم الحقوق والحريات الأساسية للناس وعلى رأسهم المسلمون.
وفي سبتمبر 2017 توجهت زوجة الرئيس أردوغان إلى مخيمات المسلمين الروهنجيا في بنجلاديش والذين فروا من أراكان هربا من القتل الجماعي في ميانمار.
فمنذ وصول حزب العدالة والتنمية للحكم، تولي تركيا اهتماما ملحوظا بقضايا الأمة ومساندة ودعما للأقليات المسلمة، ودائما ما يُنظر للموقف والدور التركي باعتباره معبرا عن نبض الأمة.
واجب ديني وإنساني
وعن هذا الدور التركي يقول د. عبدالوهاب إكنجي رئيس جمعية العلماء المسلمين في تركيا “أوماد”: “إنه يأتي من واجب ديني وإنساني فعلى كل مسلم وكل صاحب ضمير أن يفتح قلبه وبابه ومنزله للمضطهدين وللذين شُردوا أو هُجّروا، وتركيا تقوم بذلك انطلاقا من هذا الواجب باستقبال واحتضان ملايين من الذين أجبروا على ترك أوطانهم وفتحت أبوابها لهم يعيشون هنا بعزة وكرامة.
ويضيف: أن تركيا وعملا برؤية إدارتها الحالية بقيادة الرئيس أردوغان، ومراعاة لتاريخها العريق ومن واجب هذا التاريخ أن تمد تركيا يد العون لكن من يطلب المساعدة، وقد قامت تركيا بهذا الدور انطلاقا من التوجيه الديني الذي يقوم على مبدأ “إنما المؤمنون إخوة” ليس من المعقول أن يترك الأخ أخاه فتركيا وضعت هذا المبدأ نصيب عينيها.
تكامل تركي عربي
ومن جانبه يقول الكاتب والمحلل السياسي يوسف كاتب أوغلو: إن اهتمام تركيا بقضايا الأمة واحتضان الأقليات المسلمة لا يخفى على أحد، فتركيا في ظل حزب العدالة والتنمية وقيادة الرئيس أردوغان، بدأت بفتح قنوات تكاملية مع العالمين العربي والإسلامي تركزت في أولها عبر البوابة الاقتصادية وكان هناك مساعي ملموسة على أرض الواقع في هذا الشأن ومنح تسهيلات لتصب في تنمية هذا التكامل والتعاون وإلغاء التأشيرات مع عدة دول عربية، والتبادل التجاري وتشجيع السياحة العربية والإسلامية من وإلى تركيا وفتح الباب أمام رجال الأعمال الأتراك في هذه الدول.
كما فتحت تركيا أسواقها للمستثمرين الأجانب ومنح الأولوية للاستثمارات العربية والإسلامية، ومع دول الخليج خصوصا نمت شراكات مع شركات سعودية وكويتية وإماراتية وقطرية في مجالات الاتصالات والعقارات واستثمارات متعددة غيرها.
ويوضح أن حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تركيا ارتفعت من نحو 1 مليار و200 مليون دولار قبل العدالة والتنمية إلى حوالي 190 مليار دولار خلال العشرين عاما الأخيرة، وهو ما يدل على قوة ونجاح الدبلوماسية التركية من خلال البوابة الاقتصادية، وهذه السياسة مكنت تركيا لأن تكون ضمن أقوى 20 دولة اقتصاديا في العالم.
الأنصار ونصرة المهاجرين
وأشار إلى أنه بعد الربيع العربي وموجة الهجرة الواسعة التي تبعته من عدة دول عربية مثل سوريا ومن قبلها العراق ومن قبلها فلسطين وسبق ذلك في التسعينيات من دول البلقان وفي مقدمتها البوسنة والهرسك التي تعرض المسلمون فيها لمذابح على يد الصرب والكروات، تركيا فتحت لهم أبوابها وهذا رد فعل طبيعي وديدن أحفاد الدولة العثمانية التي فتحت أبوابها لكل المستضعفين كما فعل الأنصار مع المهاجرين.
ويضيف يوسف كاتب أوغلو أن تركيا استقبلت الملايين من دول مختلفة ويتلقى أبناؤهم تعليمهم بالمجان في مدارسها وتتم معاملتهم كضيوف دون تفرقة بينهم وبين الأتراك وإن كانت بعض الأطراف لا تتقبل وجودهم بحكم اختلاف هذه الأطراف مع رؤية حزب العدالة والتنمية، فكما هو معلوم فإن قضايا الأمة لها الأولوية القصوى لدى تركيا.
ويبرز تعاون تركيا مع الأشقاء المخلصين في الكويت وقطر وغيرها من الدول العربية والإسلامية في دعم الأقليات المسلمة وتفعيل آليات دعم قضايا الأمة انطلاقا من رؤية تركيا في حمل هم الأمة بما لديها من تاريخ تسعى تركيا لإحيائه ومن أبرز أدوات ذلك على سبيل المثال الدراما التركية التاريخية في السنوات الاخيرة وإبرازها مجد هذه الأمة ووحدتها.
ذراع سياسي ودعم إغاثي
أما المحلل السياسي التركي بستان جميل أوغلو، فيُبرز الدور التركي إزاء معاناة الأقليات المسلمة باحتضان العديد منهم على أراضيها مثل الأويغور والروهنجيا ومن الهند وغيرهم ممن اضطروا لمغادرة أوطانهم.
فالمسلمون يتعرضون للتضييق والانتهاكات في العديد من المناطق حول العالم إلى جانب جرائم الكراهية التي تحدث في عدة دول أوروبية، ولا ننسى مذبحة المسجدين في نيوزيلندا 2019 وللأسف هذا التضييق يجعل الأقليات المسلمة تعيش في ظروف أغلبها سيئة، تحت الانتهاكات الموثقة التي تتم بحقها، ولذلك فالسياسة التركية تقوم على دعم ومساندة المسلمين واحتضان الفارين منهم ليعيشوا على أراضيها في أمان، وفتح أبواب الجامعات أمام أبناء الأقليات للدراسة، والمنحة التركية التي تستقبل الآلاف سنويا، هذا بجانب الدور الإغاثي والإنساني في إفريقيا وفي آسيا ومخيمات الروهنجيا.
وفي القضية الفلسطينية يبرز الدور التركي على المستوى السياسي والمواقف الدبلوماسية التركية إزاء القضية الفلسطينية وأيضا على المستوى الشعبي والإنساني.
الأويغور.. مساندة بلا حدود
وعن دور تركيا إزاء قضية الأويغور يقول محمود محمد – نائب رئيس اتحاد علماء تركستان: إن تركيا لها اهتمام قديم بقضية تركستان الشرقية فهي قضية راسخة ومعروفة في تركيا، وفي الفترة التي تلت الاحتلال الصيني لتركستان الشرقية فر تركستانيون إلى تركيا، وكانت الحكومات السابقة لديها أيضا اهتمام بقضية تركستان، واستمر الوضع بهذا الشكل لسنوات طويلة، حتى عام 1999 خلال عهد رئيس الوزراء التركي بولنت أجاويد، عندما حدث تقارب رسمي بين الصين وتركيا انعكس هذا التقارب في صورة تضييق على بعض أنشطة الأويغور في تركيا.
ومع مجيء حزب العدالة والتنمية لقيادة تركيا، رُفع الحظر والتضييق على رفع العلم التركستاني، وبدأ التركستانيون الذين يعيشون في تركيا يرفعون هذا العلم في مناسبات مختلفة، وعند وقوع مذبحة أورومتشي في عام 2009، كان الرئيس أردوغان أول مسؤول يتحدث عن هذه المذبحة وأنها ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية.
والرئيس أردوغان عندما كان رئيسا للوزراء زار تركستان الشرقية واستقبله الناس هناك بحفاوة بالغة لما لتركيا من مكانة ولأردوغان كزعيم من مواقف في نصرة قضيتهم وقضايا المسلمين، حتى أن بعض التركستانيين تعرضوا للتنكيل الصيني لاحقا بسبب حفاوتهم بزيارة أردوغان.
وفي المباراة التي جمعت منتخب تركيا والصين في كأس العالم 2002 وفازت فيها تركيا، احتفل الطلاب التركستانيون في جامعة أورومتشي بفوز تركيا، ما أثار حفيظة الصينيين.
وفي عام 2010 بعد أحداث أورومتشي بعام، أصدرت الحكومة التركية قرارا بمنح الجنسية التركية للمهاجرين الأويغور الذين دخلوا إلى تركيا قبل تاريخ إقرار هذا القرار، هذا بالإضافة إلى تسهيلات كبيرة قدمتها تركيا للتركستانيين حول العالم وتسهيل استقدامهم، وما تقوم به السفارات التركية في دول عديدة من حماية للتركستانيين في الدول التي تعمل فيها هذه السفارات التركية.
فتركيا من أهم وأوائل الدول التي تقدم العون للأويغور سواء المقيمين منهم في تركيا أو حول العالم، ونحن كتركستانيين نقدر ونثمن هذا الدور ونتمنى لتركيا مزيدا من الاستقرار الارتقاء وصعود مكانتها على المستوى الدولي بما يليق بتركيا وبما نتمناه من استمرار لهذا الدور التركي الإنساني والسياسي لخدمة ومساندة قضايا المسلمين وفي مقدمتها قضية تركستان الشرقية.