شرع الله تبارك وتعالى للمسلمين صيام يوم عاشوراء، وهو اليوم الذي نجى الله فيه رسوله موسى عليه السلام ومن معه من فرعون وجنوده بمعجزة شق البحر التي هلك فيها الطاغية وأتباعه، ولم يزل المسلمون منذ عهد النبوة يتحرون صيام هذا اليوم.
وصيام يوم عاشوراء ليس مجرد عبادة تؤدى بالبدن، ولا يستوقفنا عنده الرغبة في تحصيل الثواب فحسب، لكنه حدث يتعلق بالعقيدة الإسلامية الصافية في الأنبياء والمرسلين، ينطلق منها وفي نفس الوقت يدلّ عليها، وتبرز فيه عقيدة المسلم في أنبياء الله وعلاقته بهم.
نحن أولى بموسى منهم
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا يَعْنِي عَاشُورَاءَ فَقَالُوا هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ وَهُوَ يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ، فَقَالَ: «أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ»(1).
هكذا يؤكد النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة علاقتنا نحن كمسلمين بأنبياء الله تعالى، فهم جميعًا لنا قدوات، وهذا ما نصّ عليه القرآن الكريم، فقال عقب الحديث عن أنبياء الله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) (الأنعام: 90).
والمسلمون أولى بموسى عليه السلام من اليهود من عدة وجوه، منها:
– أننا نؤمن إيماناً راسخاً بما أنزل الله على موسى عليه السلام، وأنه حق لا ريب فيه، ونبرأ من تحريف رسالته الذي أحدثه أتباعه في التوراة.
– في الأدب معه عليه السلام، فبينما تمرد على أوامره بنو إسرائيل وآذوه واشترطوا عليه وأبوا أن يدخلوا معه الأرض المقدسة وتطاولوا عليه، ترى المسلم يتأدب مع نبي الله موسى عليه السلم، ويتخذه قدوة ومثلاً، وهذا دأب المسلم مع جميع الأنبياء، وتنعكس مكانة الأنبياء في المسلمين في جانب تسمية المواليد، فلم تُرَ أمة من الأمم تحرص على تسمية الأبناء بأسماء الأنبياء كمثل أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
– من جهة الصلة بين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وموسى عليه السلام وسائر الأنبياء، فهم إخوة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ»(2)، والمعنى كما بينه الإمام ابن حجر: «أن أصل دينهم واحد وهو التوحيد وإن اختلفت فروع الشرائع»(3).
لا نفرق بين أحد من رسله
تلك عقيدة المسلم في أنبياء الله تعالى، أن الإيمان بهم ركن من أركان الإيمان، فلا يفرق بين أنبياء الله كأن يؤمن ببعض ويكفر ببعض، بل لا يسعه إلا أن يؤمن بهم جميعاً، كما جاء النص القرآني: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (البقرة: 285).
فعقيدة المسلمين أن من لم يؤمن بأي نبي من أنبياء الله فهو خارج عن الملة، وهذا ما يتفرد به المسلم عن غيره، وتجد لهذا صدى في واقع الحياة، فالمشاهد أنه مع الإساءات المتكررة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم من قبل غير المسلمين من يهود أو نصارى، لا يتجه المسلم للإساءة إلى موسى أو عيسى عليهما السلام، لأن الإيمان بهما ركن من أركان إيمانه.
الدين عند الله تعالى هو الإسلام
ليس هناك من دين سوى دين الإسلام، فالأنبياء كلهم مسلمون، وكل أتباعهم على الحق قبل التحريف هم مسلمون، فدين الأنبياء والمرسلين واحد، هو دين الإسلام، الذي هو دين التوحيد، وأما التوراة والإنجيل والقرآن والزبور والصحف فهي شرائع أنزلها الله على المرسلين، بها من التعاليم الإلهية ما يتناسب مع المكان والزمان وأحوال العباد، فكانت في كل قوم خاصة، فلما جاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم بخاتم الرسالات، كانت شريعته للناس كافة وحتى يرث الله الأرض ومن عليها.
يقول الله تعالى عن نوح عليه السلام: (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (يونس: 72).
ولما أرسل الله الملائكة لإهلاك قوم لوط، قالوا: (فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (الذاريات: 36)، فكان بيت لوط هو بيت المسلمين، فسماهم الله مسلمين.
وكان من دعاء يوسف عليه السلام: (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (يوسف: 101).
وحتى فرعون عندما أدركه الغرق قال: (آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (يونس: 90)، فهو يعني بالمسلمين أتباع موسى عليه السلام من الذين آمنوا.
شهداء على الناس
وإن من أوجه علاقة المسلمين بالأنبياء، ما يكون في يوم القيامة، عندما يشهدون لأنبياء الله تعالى الذين كذبتهم أقوامهم، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَجِيءُ نُوحٌ وَأُمَّتُهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ، فَيَقُولُ لِأُمَّتِهِ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ لاَ مَا جَاءَنَا مِنْ نَبِيٍّ، فَيَقُولُ لِنُوحٍ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتُهُ، فَنَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ، وَهُوَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) وَالوَسَطُ: العَدْلُ»(4).
فعلى الرغم من أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم لم تدرك زمن نوح عليه السلام، وبينهما آلاف السنين، فإن الإيمان به وبرسالته جزء من إيمان المسلم، لا يصح إيمانه إلا به، بمقتضى الإيمان والتصديق بالغيب وبخبر السماء الذي جاءنا به محمد صلى الله عليه وسلم.
______________
(1) صحيح البخاري، (3145).
(2) صحيح البخاري، (3443).
(3) فتح الباري لابن حجر (6/ 489).
(4) صحيح البخاري، (3339).