يعيش الإنسان منذ الأزل صراعًا داخليًا بين الخير والشر، بين الفجور والتقوى، وهذا ما نبهنا إليه المولى عز وجل في قوله (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا {7} فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) (الشمس).
والمؤكد أن جهاد النفس مقدَّم في الأجر على جهاد الأعداء لما يحمل من مشقة وجهد، ولما له من أثر طيب يعم المجتمع بأسره.
ولكن هناك دعائم تساعد المرء على مجاهدة نفسه وتغليب الطاعة على الشهوة، تتمثل في قوة الإرادة مع توفر البيئة المناسبة التي تعين على ذلك.
والمؤسف أننا نعاني في عصرنا هذا من تحلل أخلاقي وديني، أو ما يعرف بـ«الإباحية»، طال المجتمع بأسره، وساهمت في تفشيه عدة عوامل من أهمها الانهيار الأخلاقي في المجتمع نتيجة التوسع في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي دون رقيب أو حسيب؛ ما ساهم بشكل كبير في كسر الكثير من ثوابت وقيم مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وتفشي الإباحية خاصة من خلال تلك المواقع، وهذا ما حاولنا رصده في ذلك المقال.
الرقابة غائبة
ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في اتساع التواصل بين البشر، وسهلت الحصول على المعلومات، ولكنها على الجانب الآخر فتحت باباً من الشر يصعب درء مفاسده، حيث جعلت من «الإباحية» سلعة رائجة لمن يرغبون في التحرر من كافة القيود الدينية والأخلاقية والمجتمعية كذلك، ومن هنا أصبحت ملاذاً لكل من يبحث عن عالم بلا قيود، وكذلك للاهثين بحثاً عن الأموال الطائلة أو الشهرة، وهذا ما سبَّب طفرة غير أخلاقية خاصة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، حيث غابت الكثير من قيم وأخلاق المجتمع، وتصدر المشهد نماذج سيئة تقدم الإسفاف والانحلال عبر «السوشيال ميديا» لنرى من يتاجرون بحياتهم الأسرية وخصوصيتهم أمام الملايين.
كما رأينا فتيات وشباباً يتاجرون بأنفسهم ويعرضون مقاطع غير أخلاقية على منصات التواصل بحثاً عن «التريند»؛ ما ساعد على انتشار الابتزاز الجنسي والاتجار بالبشر.
والغريب أن ذلك الانحلال لم يعد يلقى استهجاناً أو مواجهة من قِبل المجتمع، وتدريجياً اقتحمت تلك المواقع بيوتنا وغزت عقول أبنائنا وأصبحت خطراً داهماً يهدد أمن واستقرار الأسرة المسلمة وثوابت المجتمع.
أرقام صادمة
ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة في نشر الإباحية خاصة بين الشباب، وأدت إلى انتشار الجريمة، وعملت على هدم ركائز مجتمعاتنا الإسلامية.
وبحسب دراسة خليجية صادرة عن جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، فإن 70% من الشباب الجامعي الخليجي يتعرضون للمضامين الإباحية الإلكترونية، وإن أكثر المواقع التي يتعرض الشباب فيها للإباحية هي شبكات التواصل الاجتماعي بنسبة 51.4%.
ويعد تطبيق «إنستجرام» أكثر التطبيقات التي تعرض مضامين إباحية بنسبة 46.4%، يليه «تويتر» بنسبة 44%، ثم «يوتيوب» بنسبة 31.2%.
ولا يغيب عنا كذلك خطورة تطبيق «تيك توك» لاحتوائه على فيديوهات إباحية، وهذا باعتراف الشركة المالكة للتطبيق في تقرير الشفافية للنصف الثاني من عام 2019م الذي قالت فيه: إنها حذفت 49 مليون مقطع فيديو، ربع هذا العدد لتقديمه محتوى إباحياً وجنسياً.
أما على مستوى العالم، فإن هناك 700 ألف موقع إباحي، ومليار فيديو إباحي متوفر على شبكة الإنترنت، وفي كل ثانية يتم تصفح 30 ألف موقع للإباحية من قبل الأطفال والمراهقين، كما أن 42% من مستخدمي الإنترنت يشاهدون المواقع الإباحية.
فيما يزيد استهلاك الإباحية من معدل الخيانة الزوجية بنسبة تتجاوز 300%.
ونذكر على سبيل المثال إحصائية صادرة عن الهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات بالكويت، كشفت عن حجب 43% من المواقع الإباحية من إجمالي فئات الحجب خلال عام 2018م فقط؛ نظراً لتلقيها الكثير من البلاغات من جهات مختلفة بشأن تلك المواقع.
لا شك أن تلك الأرقام المفزعة تمثل صفعة قوية لقيمنا العربية والإسلامية، كما أنها تهدد ثوابتنا وأخلاقنا بالانهيار، فكيف السبيل للنجاة؟!
الملاذ الآمن
تتسلل الإباحية لبيوت المسلمين بهدوء وبكل سلاسة عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي؛ لذا وجب الحذر والحرص على تربية الأبناء على القيم والأخلاق الدينية، وخلق رقيب لهم من داخل أنفسهم يوجههم إن حاد بهم الطريق، فالتربية السليمة في الصغر تضمن الاستقامة في الكبر.
ومن الأمور المهمة كذلك أن يسعى أفراد المجتمع ككل لاستعادة الكثير من القيم التي سقطت منهم سهوا أو على حين غرة، حيث يستعيد الرجل قوامته في بيته، وتسترد المرأة الكثير من حيائها المهدور، ويتناصح أفراد المجتمع فيما بينهم لما فيه الخير والصلاح، كذا لا بد أن ترتفع المكاسب الأخلاقية فوق الأطماع المادية، فالمال دون أخلاق وسيلة للإفساد لا الصلاح.
البديل الأمثل للمواجهة
تعتمد فكرة مواجهة خطر ما على توفير بديل مضاد له لكسر شوكته والحد من خطره، وهنا نرى أن مواجهة انتشار المواقع الإباحية خطر نواجهه بتوفير مواقع تقدم محتوى هادفاً ومثمراً يشارك فيها رجال العلم والدين والثقافة، وتدعمها الدول ورجال الأعمال، وهذا بالقطع سيحد من الإقبال على تلك المواقع ويوفر البديل الأمثل لروادها.
ومن المهم كذلك تيسير الزواج للشباب، وتقديم مبادرات اجتماعية تدعم تلك الفكرة التي يجب أن يتكاتف على تنفيذها كل فئات المجتمع للحد من إقبال الشباب على المواقع غير الأخلاقية.
ويظل الدين الدرع الحامية للمجتمع بأكمله من الانغماس في المحرمات؛ لذا وجب تنمية الوازع الديني لدى كل فئات المجتمع، وكذا العمل على غرس قيم وأخلاق الدين في المنزل والمدرسة والجامعة ودور العبادة ومواقع العمل وفي كل مكان، فالقلب الذي يحل فيه الإيمان بالله ترحل عنه كل المحرمات.