يعد أبو نواس واحداً من أشهر شعراء العصر العباسي، وكان صديق وشاعر الملوك، وقد نسب إليه الكثير من شعر المجون، واشتهر بالزندقة والانغماس في المعاصي حتى أطلق عليه «شاعر الخمر».
لكن اشتهر عنه توبته قبل موته، وكتابته أبياتاً من الشعر تعتبر من أفضل ما كتب في التوبة والاستغفار.
يروى عن أبي نواس الكثير من النوادر التي استخدم فيها الشعر ببراعة، ومن تلك المواقف أنه ذات يوم قبل عيد الأضحى خرج يسير في أحد أحياء الكوفة، فرأى أعرابيًا معه مجموعة من الأغنام، فقال له:
أيا صاحب الزود اللواتي تسوقها بكم ذلك الكبش الذي تقدما
فرد الأعرابي على الفور ببيت شعر على نفس الوزن قائلًا:
أبيعك إن كنت تبغي شراؤه ولم تك مزاحًا بعشرين درهما
فرد عليه أبو نواس:
أجدت هداك الله رجع جوابنا فأحسن إلينا إن أردت تكرما
فقال له الأعرابي:
أحط من العشرين خمساً لأنني أراك ظريفًا فاقبضنه مسلما
فانصرف أبو نواس ولم يشتر، فتجمع الناس حول الأعرابي، وقالوا له: أتعرف من هذا الذي كان يتحدث معك؟ فقال لهم: لا، فلما قالوا له: إنه الشاعر أبو نواس، حمل الكبش وأسرع يجري نحو أبي نواس وأعطاه إياه هدية دون أي مقابل، ولما سأل أبو نواس الناس عن الرجل صاحب الأغنام، فقالوا له: إنه من باهله، فقال:
وباهلي من الأعرابِ منتخبِ جادت يداه بوافي القرن والذنب
فإن يكنُ باهلياً عند نسبتهِ ففعله قرشيٌ كامل الحسب
وتعد تلك الأبيات السابقة من أروع ما قيل في المفاصلة في البيع والشراء.
في أواخر حياة أبي نواس بدأ يتوب إلى الله، ويتجه نحو الزهد والتوبة، حتى إن الناس لم يصدقوا أن رجلاً مثل أبي نواس يمكن أن يتوب توبة صادقة، وعندما مات رآه أحد أصدقائه الصالحين في منامه، فسأله عن حاله، فرد عليه أبو نواس: لقد غفر الله لي، فقال له: بم غفر لك، فرد أبو نواس بأبيات كتبتها.
تعجب صديق أبي نواس كثيرًا! لأنه يعرف أن معظم أشعاره كانت في الخمر والمجون، فذهب إلى والدته، وعندما سألها عما رآه بكت، وأخرت إليه ورقة كان أبو نواس قد تركها تحت فراشه قال فيها:
يا رب وإن عظمت ذنوبي كثرة فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يدعوك إلا محسن فمن الذي يرجو ويستجير المجرم
أدعوك ربي كما أمرت تضرعًا فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم
مالي إليك وسيلة إلا الرجا وجميل عفوك ثم إني مسلم
__________________
نقلاً عن «أرشيف منتدى الفصيح».