إن مشكلة «إسرائيل» أنها وليدة الصهيونية، وأنها مصابة بآفات أو عاهات أساسية ملازمة لها، وهي جزء من كيانها، وليست أعراضًا طارئة عليها، وهي التي تقف حائلاً وحاجزًا بيننا وبينهم.
وإذا كان التعرف على عدونا المغتصب لأرضنا، المهدد لوجودنا واجباً دينيًا وقوميًا، فلا يتم لنا ذلك إلا إذا حاولنا التعرف على هذه الآفات الخطيرة، المنبثقة عن العقلية والنفسية الصهيونية، التي كونتها تعاليم التلمود الخطرة، مضافًا إليها تطلعات الصهيونية الأشد خطرًا.
1- العنصرية:
أولى هذه الآفات العنصرية، وهذه آفة في بنية الفكر الديني اليهودي الذي أنشأته أسفار التوراة وملحقاتها، وغذته ونمته تعاليم التلمود الذي يقدسه اليهود أكثر من تقديسهم للتوراة، فاليهود ديانة شعب، والتوراة كتاب شعب، بل الله سبحانه رب شعب، هذا الشعب هو شعب «إسرائيل».
نرى القرآن يعلن في صراحة ويقين: إن الله هو «رب الناس»، و«رب كل شيء»، و«رب العالمين»، لم يقل: إنه رب العرب، أو رب المسلمين، في حين تقول التوراة في تأكيد عن الله: إنه «رب إسرائيل»!
بل إن التوراة من أولها إلى آخرها لا تهتم إلا ببني إسرائيل، وتاريخ بني إسرائيل، وأحلام بني إسرائيل، فلا ذكر فيها للآخرة ولا للجنة أو النار، إنما العناية فيه بملك «إسرائيل»، ومجد «إسرائيل».
إن التوراة تقول عن هذا الشعب: إنه «الشعب المختار»، ونحن نقول هذا عنه أيام كان يحمل رسالة التوحيد، ويحارب الوثنية، وينفّذ تعاليم الأنبياء، حتى إذا غيّر ما بنفسه غيّر الله ما به، فقد انحرف في عقيدته، وانحرف في سلوكه، ووقف في وجه الأنبياء والرسل، كما قال القرآن: (أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) (البقرة: 87)، ولهذا قال يوحنا المعمدان، وقال المسيح عليهما السلام لهم: يا أولاد قتلة الأنبياء!
والقرآن الذي أعلن أن الله فضل بني إسرائيل على العالمين، أي عالمي زمانهم، هو نفسه الذي قال: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ {78} كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) (المائدة)، (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ) (آل عمران: 112).
وقد توهم بعض الناس أن تسمية «إسرائيل» «الشعب المختار» أشبه بتسمية الأمة الإسلامية «خير أمة أخرجت للناس»، وهذا خطأ يقينًا، فالأمة الإسلامية ليست أمة عنصرية، بل هي أمة رسالة وأهداف ومبادئ من آمن بها واعتنقها، فهو من هذه الأمة، من أي عرق أو أي لون أو أي وطن كان.
لقد استدر اليهود عطف العالم عليهم باعتبارهم جنسًا مضطهدًا مشردًا، شهروا سيف الاتهام الذي استغلوه استغلالاً بشعًا، وهو «معادة السامية».
والحقيقة أن معظم يهود اليوم ليسوا ساميين، وليسوا من نسل إسرائيل، بل هم كما أثبت كثير من الباحثين المنصفين من الغربيين الذين قالوا: إن يهود اليوم ليسوا يهوداً؛ أي ليسوا ساميين ولا إسرائيليين، بل إن نسبة كبيرة من اليهود هم من سلالة يهود مملكة الخزر، التي نشأت في شرق أوروبا، حين اعتنق بعض قبائل التتار الدين اليهودي، وبعد سقوط مملكة الخزر انتشر عدد منهم في منطقة القرم، وغدت بولندا مهجرهم الرئيس، حيث قدر عددهم فيها عام 1650م بحوالي نصف المليون، وكانوا يتمتعون فيها بقسط وافر من الحكم الذاتي، حتى أعملت فيهم جيوش شمبيلتكي الأوكراني المذابح، ودمروا جاليتهم في سنة 1658م.
إن اليهود طالما شكوا إلى العالم والقوى المؤثرة فيه من معاداة الساميّة، وهم الآن يعادون «السامية الحقيقة» المتمثلة في شعب فلسطين العربي الساميّ، الذي أخرج من دياره، وشرد في الآفاق بغير حق.
وإن اليهود الذين شكوا من «العنصرية النازية» المتعالية، يجسدون اليوم عنصرية نازية جديدة متعصبة لا ترى إلا نفسها، ولا تعترف بحق لغيرها، وخصوصًا إذا عارض اتجاهاتها.
________________________
من كتاب «القدس قضية كل مسلم».