في الوقت الذي يحرص فيه الآباء والأمهات على تنشئة فلذات أكبادهم لتتبوأ مناصب رفيعة ومراكز مرموقة في المجتمع، يتاجر آخرون بأطفالهم عبر مقاطع الفيديو على شبكة الإنترنت من أجل الشهرة والمال.
وتفيد دراسة بعنوان «التعرُّف على الآثار النفسية والاجتماعية لاستخدام تطبيقات الفيديو القصير «تيك توك» من خلال نظرية الاستخدامات والإشباعات»، بأن دوافع صناع المحتوى هي الشهرة والنجومية وكسب المال بالدرجة الأولى، وأن الأهم لديهم هو إرضاء الجمهور للحصول على الإعجاب ولو لجؤوا إلى التنمر أو الابتزاز.
وتؤكد دراسة حديثة أن 89.5% من فيديوهات تطبيق «تيك توك» التي يظهر فيها الأطفال تتضمن مشاهد أغانٍ ورقص، في استغلال واضح من أسرهم لبراءة أطفالهم لتحقيق الربح المادي.
ووفق دراسة، نشرت نتائجها «trt»، فإن معدل الاستخدام اليومي لتطبيق «تيك توك» من وجهة نظر المراهقين أكثر من 3 ساعات يومياً، هو ما وضعه ضمن تصنيفات الإدمان.
الوعي أولاً
ويفسر د. هاني بهاء الدين، رئيس قسم الاجتماع، وكيل كلية الآداب – جامعة قناة السويس، تنامي ظاهـرة اسـتغلال الصغار في صناعة مقاطـع الفيديو القصيرة بالرغبة في تحقيق الأرباح وجني المال، مشيراً إلى أنه في كثير من الأحوال تتم عملية الاستغلال السيئ للأطفال في الفيديوهات في ظل غياب أي ضوابـط أو وعي مـن الأسرة أو الأفراد القائمين بصناعة هذا المحتوى.
ويطالب بهاء الدين بتفعيل الوعي الأسري بخطورة استغلال الأطفال الأبرياء، والتعاون الإيجابي بين الأسرة والمدرسـة للحـد مـن اسـتغلال هـذه الفئة البريئة التي تفتقد لأي خبرة في الحياة.
وترى د. سحر حسين، الأستاذ بكلية التربية– جامعة المنيا، أن تراجع أدوار الأسرة والمدرسـة في تربية الأطفال، ودخول عوامل أخرى وأهمها «شلة الأصدقاء» والتطبيقـات الإلكترونية الجاذبة، وراء الاستغلال السيئ لفئة الأطفال.
وتضيف أن أضرار ذلك لا تقتصر عليهم فقط، بل إنها سريعـة التأثـير في غيرهم مـن الأطفـال عديمي الخبرة، وغالباً ما يكونون مولعين بالتقليد الأعمى لأمثالهم من الأطفال، ويتم ذلك بالاعتماد عــلى نظريــة تأثرية الآخرين، فضلاً عن تأثرهم بـكل مـا يتعـرضون لـه في البيئة المحيطة بما فيها سلبيات.
وتدق د. سحر حسين ناقوس الخطر من تنافس الجميع على عقلية الأطفال المشاركين في الفيديوهات أو المستقبلين لها في إطار ما يعرف بنظرية «الغرس الثقافي» التي تتضمن العديد من الآثار الإيجابية والسـلبية على منظومة القيم الاجتماعية، فقد يصاب بعض هؤلاء الأطفال بالتمرد على الأسرة وقيمها وضوابطها الأخلاقية.
المراقبة ضرورية
ويوضـح د. محمد أبو النور، رئيس قسم العلوم التربوية والنفسية، وكيل كلية التربية النوعية– جامعة القاهرة، أن اسـتغلال الأطفـال في فيديوهات «تيك توك» و«يوتيوب»، يؤثر سلباً على هويـتنا الثقافيـة والاجتماعية في عالمنا العربي، وخاصة إذا كان مضمون هذه التطبيـقات يدخل غرف النوم، ويقـضي عـلى خصوصيـة وحياء الأسرة.
ويوجه أبو النور تحذيراً للأسر التي تترك للأطفال الحريـة الكاملة في اسـتخدام الهواتـف المحمولة، ومشاهدة فيديوهات الأطفال، مطالباً برقابة هذا المحتوى، خاصة أن كثيراً من هذه الفيديوهات تدس السم في العسل، من خلال مضمـون غنـائي راقـص أو تمثيـلي شيق وجذاب بملابس تستخدم كنوع من الدعاية والإعلان لها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وتسريحات شعر غريبة يتم تقليدها، ومحاولة خلق وسائل لإغراء وجذب الأطفال مثل «الطفل المعجزة» و«الطفل الأسطورة» وغيرها من المسميات الجاذبة والخادعة.
ويطالب أبو النور الدول العربية بإصدار تشريعات حاميـة للأطفال لمنـع إساءة استغلالهم، وتفعيل المواد القانونية إذا كانت موجودة وتغليظ العقوبة، لحمايـة الأطفال مـن التعـرض للانحراف أو ما يعرض الطفـل للانحلال والاسـتغلال، بما فيها استغلالهم في تصويـر الأفـلام والفيديوهـات الثابتـة أو المتحركـة في أوضـاع منافية للآداب ومخلـة، ونشرهـا عـلى شـبكة الإنترنـت.
شغل الفراغ
وينبه د. مصطفى خليل، الأستاذ بكلية التربية– جامعة المنيا، إلى أن الإسراف في المشاركة والمشاهدة لبعض الفيديوهات التافهة التي يتم استخدام الأطفال فيها، يعد إهـداراً لقيمة الوقت لديهم، وهو ما يدفعنا إلى ضرورة شغل أوقات فراغهم بأنشطة مفيدة، مشيراً إلى التأثـيـرات الكبــرى لهذه الفيديوهــات التـي يتم إساءة استخدام الأطفال فيها، ويتم بثها عبر «تيك توك» و«يوتيوب» على الأطفـال؛ لأنها تعتمد بشـكل كبير عـلى المؤثرات الصـوتية، وجودة الصـورة، وعدم تقليدية المضمون، كأهم العنـاصر الجاذبة للأطفال.
وأوضح أنه إذا كانت هناك بعض الجوانب السلبية، فإن هناك بعض الجوانب الإيجابية –تزيد أو تقل حسب ثقافة كل فئة أو شعب- مثل تعريف الأطفـال معلومـات وعادات جديـدة، والاطلاع عـلى ثقافـات الدول والمجتمـعات، وكذلك الفيديوهات التعليمية التي يتم تقديمها بطريقة مبتكرة ومؤثرة؛ مما يسهم في رفع الوعي التعليمي والثقافي لدي الأطفال الذين عامة ما يميلون إلى التقليد، كما يمكن استخدام فيديوهات الأطفال في تغيير بعض العادات والسلوكيات الخاطئة لدي الأطفال.
وأضاف أنه بشكل عام، يجب الحذر من السلبيات، كون بعض الإعلانات تستخدم الأطفال كوسيلة دعاية وترويج لسلع وخدمات سيئة السمعة أو رديئة الصنعة؛ مما يؤدي لخلق أجيال استهلاكية أسيرة للإعلانات الجذابة والمضللة في نفس الوقت، بل إنها يصل بالأطفال إلى درجة الإدمان في مرحلة الطفولة وما بعدها.