ينسب إلى وزير فرنسي القول قبل عقود: «إن «الماركات» أكبر كذبة تسويقية اخترعها الأذكياء، لسرقة الأثرياء، فصدق بريقها الفقراء»؛ الأمر الذي يعبر إلى حد كبير عما يمكن تسميته بـ«هوس الماركات» الذي أصاب الكثير من الشباب العربي خلال السنوات الأخيرة.
ورغم أن مسألة الهوس بالماركات الشهيرة ليست وليدة اليوم، فإن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وتطور أساليب الإعلان والتسويق ساهم في تشكيل نمط استهلاكي شره، وساعد على تفاقم الأزمة خاصة مع ظهور الفنانين والمؤثرين وهم يرتدون هذه المنتجات ما جعل التفاخر باقتناء هذه الماركات ظاهرة من الظواهر الاجتماعية الملحوظة.
وتشير دراسة أعدها قسم علم النفس بكلية الآداب جامعة عين شمس، بعنوان «اقتناء الماركات في ظل الأزمة الاقتصادية.. الأسباب والأخطار»، إلى أن 26% من الشباب يحرصون على اقتناء الماركات المشهورة لأنهم تربوا على ذلك، فيما أكدت نسبة 67% منهم أنهم يحرصون على اقتناء هذه الماركات وهم في الأساس لا يحتاجون إليها، بينما لفتت الدراسة إلى أن 54% من العينة يحرصون على شراء ماركات مقلدة بسبب الوجاهة الاجتماعية، أو إحراجًا من زملائهم في العمل أو أقاربهم، بينما هناك 20% لا يعتمدون شراء هذه الماركات.
من جانبه، يرى أستاذ علم النفس الاجتماعي د. إبراهيم عبدالله، أن هذا الهوس يرتبط بشكل أساسي بأزمة ثقافية لدى العالم العربي، مشيراً في حديثه لـ«المجتمع»، إلى أنه في أحد زيارته إلى باريس لاحظ وقوف الكثير من العرب أمام محلات الماركات المشهورة، وللأسف وجدت نسبة العرب تفوق الأجانب بكثير، لافتاً إلى أن هذا ما يمكن تسميته التأثير النفسي والثقافي، وهو الناتج عن الضغط النفسي والهيمنة الثقافية سواء من وسائل الإعلام التقليدية أو وسائل التواصل الاجتماعي، التي تزرع تنميط الأشياء؛ فترسخ في أذهان الناس بأن اقتناء هذه الماركات هو النموذج الأرقى للحياة، ويجب السعي للوصول إليه، أو ما يطلق عليه «المرغوبية الاجتماعية»، حيث يكون الهدف من امتلاك هذه المنتجات ناتجًا بالأساس من رغبة المستهلك في الاندماج اجتماعيًا أو إظهار الثراء للآخرين.
3 أنواع
ويقول الاستشاري النفسي جمال فرويز: إنه يجب التفرقة بين 3 أنواع من الذين يلجؤون إلى اقتناء هذه الماركات، فمنهم من ولد وتربى في بيوت لا تشتري إلا هذه الماركات؛ وبالتالي هو يشتريها من باب التعود، والنوع الثاني يشتري هذه المنتجات كتعويض عن نقص مادي عانى منه لسنوات طويلة في حياته، وهناك من يلجأ لشراء هذه المنتجات لعلاج نقص عاطفي يعاني منه، أما النوع الثالث، فهو يرغب في الحصول على منتج ذات جودة عالية، موضحًا بأن الماركات المشهورة عادة ما تضمن للشخص جودة أفضل من المنتجات الرخيصة، ولذلك يلجأ إليها الشخص من باب الحرص على أمواله حتى لو كان ثمن السلعة كبيراً.
وعن الضوابط المطلوبة لتحجيم هذا الهوس، يطرح د. عبدالله، روشتة علاج للفرد، تتضمن ضرورة وضع ميزانية محددة لشراء هذه المنتجات، وعدم تجاوز الحدود المالية التي يحددها الفرد لنفسه، وتقييم الاحتياجات الحقيقية قبل الشراء، وأن يكون الشخص واقعيًا في هذا التقييم، وأن يتجنب الشراء الزائد، إضافة إلى التوعية بخطورة الوقوع فريسة للإعلانات والانسياق وراء الحملات التي تشجع على الاستهلاك، والسقوط تحت طائلة الضغط الاجتماعي.
ضوابط واجبة
ومن الضوابط كذلك الواجبة على الحكومات، الحد من استيراد تلك السلع الترفيهية حماية للصناعة الوطنية، والعمل على تشجيع الأفراد لشراء المنتج المحلي، والحد من الجرعات الإعلانية التي تنمي الهوس بالماركات الأجنبية، ووضع رقابة على تلك المنتجات، خاصة تلك التي لا تتناسب مع قيمنا وديننا، مثل البنطال الممزق، والملابس العارية.
كذلك الاهتمام بالتعليم والتربية، وغرس القيم لدى الأطفال، حيث ينشأ لديهم الرغبة في امتلاك هذه المنتجات بشكل مبالغ فيه، وهو ما يجب معه تشجيعهم على تبني القيم الحقيقية، وليس التركيز على القيم السطحية مثل المظهر الخارجي ومسايرة الموضة، بحسب الخبيرة الأسرية إنجي سعيد.
وتنصح سعيد بتوعية الأسرة وأفرادها، ورفع درجة وعيهم بالسلوكيات الاستهلاكية، حيث تلجأ المواد الإعلانية إلى استخدام تقنيات تحفز الرغبة في شراء هذه المنتجات، وهو ما يكون له تأثير كبير على النفقات التي تزداد بشكل كبير؛ ما يتسبب في تراكم الديون على الأسرة؛ وبالتالي تنشأ المشكلات بين الزوجين، وربما يصل الأمر إلى انهيار الأسرة وتفككها.