وسط الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها مصر، يبادر العديد للتصدي لظاهرة هدر الطعام، عبر مبادرات أهلية ورسمية مختلفة، خاصة مع اعتراف وزارة البيئة المصرية مؤخراً، أن نسبة هدر الطعام في مصر بلغت 55% بداية من الإنتاج الزراعي.
وتنوعت المبادرات، وفق رصد «المجتمع»، بين اتفاقيات تعاون وشراكات، وتطبيقات رقمية أو مبادرات تحول داعم للبيئة، أو حملات التوعية، فيما حذر مكتب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) بالقاهرة، من أن متوسط هدر الغذاء يصل إلى نحو 50 كيلوجراماً لكل مصري في السنة، موضحاً أن الفاقد والهدر من الخضروات والفاكهة بمصر بلغ 45 – 55% من الإنتاج السنوي.
التخطيط الغذائي
في البداية، يرى د. مجدي نزيه عزمي، استشاري التثقيف والإعلام الغذائي، في حديثه لـ«المجتمع»، أن مفتاح مواجهة الظاهرة بمصر، يمكن في الوعي، عبر تعريف المواطن المصري طريق الاستخدام الأمثل وطريقة تحديد احتياجاته، عند الشراء والإعداد والتخزين والاستهلاك.
ويشير عزمي إلى أهمية وجود ما أسماه التخطيط الغذائي لدى كل أسرة مصرية، لتحديد ماذا تأكل في الغد، وكميته طبقًا للأفراد الموجودين، وطرق إعداده، موضحاً أن الكيانات الاقتصادية الكبرى كالفنادق والمطاعم تعي جيداً قيمة التخطيط؛ لأن كل إهدار في الطعام إهدار لأموالها، وبالتالي تحافظ على استهلاكها، وتستثمر فيه كذلك بالشراكات مع الآخرين.
د. عزمي: التخطيط الغذائي مفتاح مواجهة إهدار الأطعمة
وراجت مبادرات عديدة بين النساء في مصر لوقف هدر الطعام، من بينها مبادرة «فود زون»، التي تستهدف التوعية بسلامة الغذاء ووقف إهدار الطعام بمحتوى عربي مبسط، وفق مؤسسة المبادرة الطبيبة مي تاج الدين، استشارية سلامة الغذاء، التي تحاول عبر مواقع التواصل الاجتماعي، توضيح الثقافة الصحية في شراء الأطعمة، والمدة المناسبة لتخزين كل نوع.
بروتوكولات وخطوط ساخنة ومنافذ
وفي حملة ممتدة شعارها «يفيد ولا يفيض»، تصدى بنك الطعام المصري، أبرز مؤسسات مجال العمل الخيري الغذائي، لتلك الظاهرة، وفق بيانات رسمية، عبر مساري التقليل من هدر الطعام، وإعادة توزيع الطعام الفائض غير الملموس، وبحملات توعوية موسمية بالتعاون مع مكتب «فاو» بمصر.
ووقع البنك (هيئة غير حكومية) العديد من الاتفاقيات مع الفنادق والمطاعم وعدد من المصانع لتجنب هدر الطعام الذي لم يمس، ليتم فرزه وتوزيعه على المستحقين في دور الأيتام والمسنين في المناطق المجاورة للمنشأة.
وفتح البنك خطاً ساخناً (16060) لكل من يريد المشاركة في مبادرة عدم إهدار الطعام، وهو نفس المسار الذي تنتهجه جمعية «رسالة» البارزة في العمل الخيري، حيث لها كذلك خط ساخن (19450) لاستقبال تبرعات بقايا الطعام.
ودشن البنك كذلك منافذ توزيع طعام مجانية للمستحقين في العديد من أنحاء الجمهورية، بداية من مارس الماضي، باسم «تكية المحروسة»، تراعي ضوابط ما يسميه عدم هدر الطعام وحفظ النعمة.
تطبيقات رقمية ومبادرات أهلية للتوعية وتوزيع الطعام السليم
ووفق آخر إحصاءاته في مارس الماضي، فقد نجح البنك في عام 2022م في تجميع ما يقرب من 87.8 طن أغذية من المطاعم والشركات، ساهم في إطعام ما يقرب من 44 ألف شخص، و2.5 طن من الفنادق لإطعام 1250 شخصاً آخرين.
مبادرات رقمية وأهلية
وشاركت التطبيقات الرقمية الذكية في مواجهة الظاهرة، منها: تطبيق «تكية» المجاني، الذي تديره المصرية د. منة شاهين، ويعمل عن طريق الاستفادة من فائض الطعام السليم للفنادق والمطاعم، وبيعه للمستهلكين بأسعار رمزية، أو توصيله مجانًا للفقراء عن طريق جمعيات خيرية وبنوك الطعام، أو طلب فائض الطعام الطازج من المطاعم والموردين الآخرين بأسعار مخفضة وذلك عبر التطبيق.
بنك الطعام المصري له كذلك تطبيق رقمي يحمل اسم «مصر خالية من الهدر»، يمكن من خلاله الاتصال بأقرب منظمة غير حكومية مشاركة لاستلام ونقل الطعام الفائض من المطاعم والفنادق، فيما يتم تقديم الأطعمة الساخنة إلى دور الأيتام، والملاجئ، أما الأغذية غير القابلة للتلف فيتم تعليبها وتوزيعها شهرياً عبر البنك.
وفي هذا السياق، تبرز مبادرة «نص الأوردر»، التي يتبناها مطعم شهير في ضاحية جاردن سيتي، التاريخية، في وسط العاصمة القاهرة، التي تقوم، كإجراء اختياري للعميل، على قبول العميل تقديم نصف «الأوردر» (الطلب) على طاولة الطعام مع الاحتفاظ بالنصف الآخر في المطبخ ساخناً، لحين انتهاء النصف الأول، على أن يتم تغليفه للعميل في حال عدم الحاجة له، أو يتم تجهيزه وتقديمه للفقراء عبر بنوك الطعام والجمعيات الخيرية بعد موافقة العميل.
سماد حيوي وأعلاف
واتجه البعض إلى الاهتمام بمشروعات تحويل هدر الطعام إلى سماد وأعلاف حيوانية، ودشن عدد من الشباب المصري مؤخراً، مبادرة بعنوان «شباب من أجل المناخ»، تستهدف التوعية بأهمية استغلال الطعام المهدر في إعادة استخدامه في الزراعة بتحويله إلى سماد عضوي «كمبوست»، بجانب توزيع الصالح منه على إطعام الأسر البسيطة.
ولجأ تطبيق رقمي يدعى «فوديكس»، دشنه خريجون تحت رعاية جهات حكومية، إلى تسهيل مهمة تحويل بقايا الطعام إلى أعلاف حيوانية عبر إعادة التدوير.
التطبيق، وفق مؤسسيه، كان حلقة وصل بين أصحاب المطاعم والفنادق ومزارع الماشية لتسليم بقايا الطعام لإعادة تدويرها، مقابل عائد مادي بدلاً من وضعها في صناديق القمامة.
مشروع قانون بالبرلمان يتبنى حوافز وغرامات لمنشآت الغذاء
وفي هذا السياق، أعلن بنك الطعام المصري نجاحه في العديد من تجارب تحويل بقايا الطعام، إلى أسمدة للحد من الانبعاثات البيئية، بالتزامن مع مشروعات أهلية مماثلة.
استخدام سيئ
وفي المقابل، لجأ بعض التجار إلى استخدام «هدر الطعام» بطريقة سيئة، ببيعه للفقراء في أسواق شعبية فقيرة، قرب العاصمة القاهرة، غير خاضعة للرقابة، وسط ظروف مهددة للصحة.
كما تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي بمصر، في الفترات الأخيرة، عروضاً لبيع هدر الطعام تحت مسمى «الكسر»، و«بواقي الطعام»، دون رقابة صحية، فيما تنوه الجهات الرقابية، يومياً، عن ضبطها أطناناً من الأغذية غير صالحة للاستخدام الآدمي، قبل بيعها للجمهور.
قانون جديد
بدورها، قدمت عضو مجلس النواب النائبة أميرة صابر، بمشروع قانون، يتضمن 12 مادة، لتنظيم مكافحة هدر الطعام وتشجيع إعادة توزيعه وتدويره والتبرع به، وحظي بالموافقة البرلمانية المبدئية، للمناقشة في لجنة متخصصة، تمهيداً لإصداره في وقت لاحق.