بعد 6 أشهر من القيل والقال والتجاذب السياسي والفرز الانتخابي، حسمت أفغانستان أمرها، ونظمت احتفالات لترسيم الرئيس رقم 13 لأفغانستان
بعد 6 أشهر من القيل والقال والتجاذب السياسي والفرز الانتخابي، حسمت أفغانستان أمرها، ونظمت احتفالات لترسيم الرئيس رقم 13 لأفغانستان؛ وهو “أشرف غني” الذي أعلن عن تخليه عن جنسيته الأمريكية، وفق ما يشير إليه دستور أفغانستان، بينما احتفظ أولاده وزوجته بجنسيتهم الأمريكية.
وجرت احتفالات رسمية أدى خلالها “أشرف غني” قسم الرئيس لأفغانستان، وأدى معه “عبدالله عبدالله” قسم الرئيس التنفيذي لأفغانستان، وهو بذلك سيكون الرجل الثاني في النظام الأفغاني الحالي.
وأدى في هذا الحفل نواب الرئيس القسم بدورهم، وهم زعيم العرقية الأوزبكية الجنرال “عبدالرشيد دوستم” نائباً للرئيس، وممثل الطائفة الشيعية في أفغانستان الأستاذ “محقق” نائباً للرئيس، وتخلل أداء القسم الرئاسي والاحتفال بتنصيب الرئيس الثاني لأفغانستان في زمن الاحتلال الأمريكي تفجيرات وهجمات متفرقة في العاصمة الأفغانية كابول، استهدفت مطار العاصمة ومقرات بالقرب من الرئاسة، وهي بطبيعة الحال رسائل من مسلحي “طالبان” أنهم يتواجدون على بعد أمتار من القصر الجمهوري ومقر الدولة، وأنهم سيواصلون تفجيراتهم رغم وصول رئيس أفغاني جديد إلى منصة الحكم، وأنهم أرادوا بهذه التفجيرات التي أسفرت عن مقتل 15 شخصاً في وقت كان فيه الرئيس الأفغاني يؤدي فيه قسمه الرئاسي إلى أن “طالبان” ما زالت تؤمن بالبندقية كحل رئيس للأزمة في أفغانستان، وأن الرئيس الجديد سيواجه بنادقهم لا غير، ولا يتوقع أي انفراجة معها.
التحديات التي تواجه الرئيس الجديد ونظامه:
– الحوار مع “طالبان” و”الحزب الإسلامي” والجماعات المسلحة الأخرى؛ من أجل حملها إلى طاولة المفاوضات، فإنه يجب على الدولة تقديم تنازلات حقيقية لهم مقابل إقناعهم بأنها جادة وصادقة في فتح صفحة جديدة في أفغانستان، ومثلت هجمات شنتها “طالبان” صبيحة أداء القسم الرئاسي رسالة قوية للحكومة الجديدة؛ وهو ما يعني أن عليها تلبية مطالب “طالبان” والمجموعات المسلحة الأخرى، وعلى رأسها رفض توقيعه معاهدة الأمن مع القوات الأمريكية التي ستسمح للأمريكيين بإبقاء 10 آلاف جندي أمريكي لسنوات قادمة في أفغانستان، ويعرف الأفغان قبل غيرهم أنه من دون الدخول في حوار بين الحكومة والمسلحين وتقديم التنازلات، فإنه سوف لن تشهد أفغانستان استقراراً في الفترة القادمة، وستبقى تعيش في الاضطرابات والأعمال المسلحة، ولن تخرج من عنق الزجاجة، وقد تحاول الحكومة تقسيم خصومها من خلال التقرب من الفصائل الأقل خطراً والأقل تسليحاً، وعلى رأسها “الحزب الإسلامي” والمجموعات المسلحة الصغيرة؛ لاستخدامها في وجه “طالبان” التي تمثل اليوم أكبر فصيل مسلح مناهض للدولة، والأكثر تنظيماً وقوة مسلحة.
– الصلاحيات التي ستتمتع بها حكومة “أشرف غني” في ظل استمرار التواجد الأمريكي في أفغانستان، حيث إنه بعد التوقيع الذي سيتعهد بموجبه الرئيس الأفغاني لنظرائه الأمريكيين بأنه سيبقى مطيعاً لهم وملتزماً بسياستهم مقابل الاستمرار في حمايته والدفاع عن نظامه من أن يسقط في يد “طالبان”.
وهذا بحد ذاته تحدٍّ آخر؛ إذ إن الأمريكيين سوف لن يسمحوا لأي رئيس أفغاني جرى انتخابه تحت سلطتهم وإشرافهم الخروج عن النطاق المحدد له، والهامش المسموح به له في داخل أفغانستان وخارجها.
ويقول المراقبون: إن الأمريكيين لن يكونوا سذجاً حتى يسمحوا لحكومة من صناعتهم وجرى إعدادها تحت إشرافهم الخروج عن سيطرتهم وسياستهم، ومن ثم فإن حمل الرئيس الجديد على توقيع معاهدة أمنية معهم هي في الأصل تعهد الرئيس الأفغاني بالتزامه بسياسة أمريكا في المنطقة، وبالدفاع عنها، وبعدم القيام بأي شيء يخالفها.
وينظر الأفغان إلى “أشرف غني” اليوم مثله مثل “حامد كرزاي”، مجرد دمية يحركها الأمريكيون كيف شاؤوا، وإن حاول الانحراف عنها فسيجد نفسه خارج اللعبة السياسية.
كما أن مجرد السماح رسمياً بإلقاء 10 آلاف جندي أمريكي لسنوات طوال في أفغانستان سيعني الموافقة الضمنية على إبقاء احتلال أجنبي في أفغانستان، وإبقاء قواعد أمريكية تتجسس على دول الجوار وتهدد أمنها واستقرارها باستعمال الأراضي الأفغانية.
– دول الجوار: يسعى القادة الجدد لأفغانستان إلى التعامل والتعاطي معها، وبعد التوقيع الأمني بين الرئيس الأفغاني والمسؤولين الأمريكيين سينظر إليه دول الجوار على أنه بداية حقيقية للتجسس عليهم انطلاقاً من الأراضي الأفغانية، وأنه بعد قرار الأمريكيين إبقاء قواعدهم في أفغانستان قد أعلنوا الحرب بطريقة غير مباشرة على أمنهم واستقرارهم؛ ومن ثم فإن الحكومة الأفغانية سينظر إليها على أنها وافقت ضمنياً على أن تتحول أراضيها لأكبر قاعدة تجسس في العالم للأمريكيين؛ وهو ما سيعرضها للكثير من المتاعب، ولن يعيد الاستقرار إليها في المدى المنظور على الأقل.
وسيجد الأفغان أنفسهم في وضع حرج مع جيرانهم، وعلى رأسهم الصين وباكستان وإيران وروسيا، وكما هو معروف فإن الأفغان من دون أن يحسنوا علاقاتهم مع الباكستانيين والإيرانيين بالخصوص فإنهم سيواجهون مزيداً من المتاعب، ويعرف الرئيس الأفغاني الجديد التأثير الذي تمثله باكستان التي تملك جميع خيوط اللعبة في أفغانستان، وتستطيع تهدئة المنطقة وتفجيرها إن شعرت أن الأراضي الأفغانية تمثل تهديداً لها.
والأمر نفسه مع الإيرانيين؛ حيث إنهم يتوقون إلى ممارسة دور محوري في أفغانستان، ويخططون لتحويل الأقلية الشيعية إلى أقلية نشطة في أفغانستان، وتحويلها إلى “حوثيين” جدد في أفغانستان، أو “حزب الله” جديد.
وإذا أخذنا في عين الاعتبار مئات الملايين من الدولارات التي رصدتها إيران للمناطق الشيعية في أفغانستان في السنوات الأخيرة، وتحول مناطق من غرب أفغانستان إلى جنوب بيروت جديدة في أفغانستان؛ فان الأخطار ستزداد دون أدنى شك في الفترة القادمة.
– الوضع الاقتصادي: غير المسار في أفغانستان وعلى رأسه الفساد الذي ينخر اقتصاد هذا البلد الفقير، وسيمثل هذا الأمر تحدياً؛ إذ إن الحكم السابق في أفغانستان غرق في فساد إداري ومالي، وحول مؤسسات الدولة إلى مؤسسات غارقة في أغلبها في الفساد، حتى صنفتها المؤسسات الدولية بأنها باتت من أسوأ دول العالم في الفساد وسوء التسيير، وكان “أشرف غني” قد أدى دوراً مهماً في تقليل الفساد حينما أشرف على وزارة المالية، ووضع تجاربه المالية أثناء عمله في البنوك الدولية الشهيرة، وتمكن فعلاً من تقليل الفساد وغيره.
– العلاقة التي ستجمع فصيلين عرقيين مختلفين، وهما “أشرف غني” الذي يمثل البشتون، و”عبدالله عبدالله” الذي يمثل التاجيك والأقليات العرقية بثقافتهم المختلفة: نجاح الطرفين في تشكيل حكومتهما وتقاسم السلطة بينهما في الفترة القادمة سيكون امتحاناً كبيراً لأفغانستان، وسيواجه الطرفان امتحانات في الحوار مع “طالبان”، إذ إن “أشرف غني” متحمس لفكرة الحوار المباشر معها، وحتى تقديم تنازلات لها، بينما يخالفه الأمر “عبدالله” الذي يدعو إلى التصعيد مع المسلحين الرافضين لاحترام قانون أفغانستان ودستورها، ولا يتحمس كثيراً لفكرة التليين مع مسلحي “طالبان”، وهذه التجربة من الحكم في أفغانستان جديدة لم تشهدها أفغانستان في السابق؛ أن يشكلا أطيافاً عرقية ومناطقية حكومة وحدة وطنية وتجد رضاها في حصة كل واحدة منها في الوزارات المهمة والمناصب المؤثرة في الدولة، ويرى الأفغان أنفسهم أنه في حالة نجحت هذه الحكومة في البقاء موحدة عاماً واحداً فسيمثل هذا الأمر نجاحاً سياسياً لأمريكا بالدرجة الأولى والأفغان بالدرجة الثانية.
ويبقى القول هنا: إن أفغانستان لن تشهد في القريب العاجل عودة للأمن والسلام، وإن “أشرف غني”، و”عبدالله” لن يستطيعا القيام بأي دور مهم لإعادة السلام إلا في حالة أعلنا أنهما مستعدان لتقاسم السلطة مع “طالبان”، أو موافقتهما على دعوة “طالبان” إلى تأسيس حكومة وحدة وطنية تضم شخصيات أفغانية محايدة وغير مسيسة.
ويتوقع أن تؤدي باكستان في الحقبة القادمة دوراً رئيساً في حالة تلقت الضوء الأخضر من الحكام الجدد في أفغانستان بنيتهم في مصالحة حقيقية، وأن إسلام آباد ستكون اللاعب المؤثر والرئيس في إنهاء النزاع الأفغاني، وأنهم إن شعروا أن القادة الأفغان الجدد باتوا مستعدين للابتعاد عن الهند وقرروا طرد المتمردين الباكستانيين بقيادة الملا “فضل الله”، و”عبدالرحيم مسلم دوست” من أراضيهم؛ فإن باكستان قد تساعدهم على إنجاح مصالحة وإنهاء القتال في أفغانستان.