تتسارع وتيرة الأحداث في اليمن بصورة درامية، وبعد أشهر من الحرائق التي أشعلتها جماعة الحوثي في المحافظات الشمالية، سيكون على السلطات اليمنية الانتقال جنوباً لإخماد حرائق ينوي الحراك الجنوبي إشعالها ابتداء من اليوم ذكرى استقلال جنوب اليمن عن الاحتلال ا
تتسارع وتيرة الأحداث في اليمن بصورة درامية، وبعد أشهر من الحرائق التي أشعلتها جماعة الحوثي في المحافظات الشمالية، سيكون على السلطات اليمنية الانتقال جنوباً لإخماد حرائق ينوي الحراك الجنوبي إشعالها ابتداء من اليوم ذكرى استقلال جنوب اليمن عن الاحتلال الإنجليزي.
ومنذ أسابيع، ينظم أنصار الحراك الجنوبي تظاهرات تطالب بـ”الانفصال” عن شمال اليمن، وتم طرح خارطة طريق حددت 30 نوفمبر لبدء الإجراءات العملية للانفصال وطرد أبناء المحافظات الشمالية وتشكيل حكومة وهيئات جنوبية وإلزام الشركات النفطية بالتعامل معها أو المغادرة.
وتعاملت السلطات اليمنية مع تهديدات الحراك الجنوبي بنوع من اللامبالاة طيلة الفترة الماضية، لكنها عادت الأسبوع الماضي ونفذت سلسلة قرارات من أجل امتصاص الاحتقانات الحاصلة في المحافظات الجنوبية، كان آخرها القرار الحكومي الذي صدر أمس السبت، ونص على تشكيل “لجنة مشتركة لإعداد مصفوفة تنفيذية عاجلة لمخرجات الحوار الوطني للقضية الجنوبية”.
وتكونت اللجنة من وزراء الداخليـة والدفـاع والماليـة والشؤون القانونية والنقــل ووزير الدولة لشؤون تنفيذ مخرجات الحوار كممثلين للجانب الحكومي، أما المكونات السياسية فكان تمثيلها بياسين مكاوي (حراك جنوبي), ومحمود عبدالقادر الجنيد (الحوثيين)، وأنصاف مايو (حزب الإصلاح), أحمد عبيد بن دغر (المؤتمر)، وعبدالرحمن السقاف (اشتراكي).
ونص القرار الذي أصدره رئيس الحكومة خالد بحاح على أن تتولى اللجنة إعداد مصفوفة تنفيذية عاجلة لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني بالمبادئ للقضية الجنوبية (بالإضافة للنقاط العشرين الصادرة عن اللجنة الفنية للإعداد والتحضير لمؤتمر الحوار الوطني الشامل والنقاط الإحدى عشرة الخاصة بإجراءات وتدابير بناء الثقة، وخلق البيئة الملائمة للقضية الجنوبية المقدمة من فريق عمل القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار)، وأن تقوم اللجنة بإنجاز المهام المنوطة بها، وتقديم نتائج عملها إلى مجلس الوزراء خلال شهرين من تاريخ تشكيلها.
ورأى الكاتب والمحلل السياسي “ماجد المذحجي” أن صيغة قرار تشكيل اللجنة لا يبدو مبشراً مع وجود تمثيلات للطابع الرسمي، وهي الأطراف التي لديها مشكلة في تنفيذ القرارات السابقة.
وقال المذحجي لوكالة “الأناضول”: كان يجب النظر إلى كفاءات خارج التمثيل الرسمي والحكومي، هناك تحايل خلال هذه المرحلة الانتقالية تشكلت عدد من اللجان لحل القضية الجنوبية؛ الأمر يحتاج فقط إلى إجراءات فعلية في تنفيذ مخرجاتها.
ويعتقد الناشط السياسي في الحزب الاشتراكي وعضو فريق الجنوبية في مؤتمر الحوار الوطني “شفيع العبد” أن القرار الحقيقي الذي كان من المفترض اتخاذه لتهدئة الشارع الجنوبي هو إعادة النظر في توزيع الأقاليم الستة، والعودة إلى مشروع الإقليمين (إقليم شمالي وجنوبي).
وقال العبد لوكالة “الأناضول”: سبق وأن شكلت لجنة وزارية وضعت النقاط العشرين والـ11 ولم تنفذ تلك النقاط، المشكلة تكمن في غياب الإرادة السياسة الحقيقية في الحل، وهذه اللجنة ستمضي كسابقاتها.
وركز الرئيس “عبدربه منصور هادي” في خطابه الذي وجهه مساء أمس السبت إلى الشعب اليمني بمناسبة عيد الاستقلال على الأوضاع الملتهبة في الجنوب ومطالبهم في الانفصال بشكل رئيس.
وقال “هادي”: شعبنا في الجنوب يدرك تماماً ويلات ومرارة أي تمزق يلحق بجسد الوطن الواحد الموحد، فالعلاقة بين كل أجزاء الوطن هي علاقة تكاملية، دمرها بعض الساسة والطامعون بنظرهم فقط لمصالحهم الضيقة التي ما تلبث أن تنتهي.
وأشار “هادي” إلى أن الحل الحقيقي يكمن في المواجهة مهما كانت التحديات، لا في البحث عن الخلاص الشخصي خارج إطار اليمن الواحد، والتنكر لأحلام البسطاء من أبناء اليمن في جنوبه وشماله والمتمثلة بيمن واحد وقوي.
ويشكو الشارع الجنوبي من مظالم عديدة حلت به منذ حرب صيف 1994م بين الشمال والجنوب، حيث نتج عن تلك الحرب تسريح لقيادات عسكرية جنوبية ونهب ومصادرة للممتلكات والأراضي وتوزيع غير عادل للثروة والوظيفة العامة، ومن أجل ذلك نشأت ما أطلق عليها “القضية الجنوبية”.
ولفت الرئيس “هادي” في خطاب الاستقلال أن حكومة الكفاءات الجديدة اعتمدت آلاف التوصيات للجنة معالجة الأراضي بالإضافة لتبني معالجات لقضايا أخرى.
ولا أحد يدري ما الخطوات الأولى التي سيتخذها الحراك الجنوبي ابتداء من اليوم، لكن مراقبين يقولون: إنه قد يقلّد التجربة الحوثية في الشمال بالمعروفة بإسقاط المحافظات في قبضتها بقوة السلاح.
ورأى المحلل السياسي “ماجد المذحجي” أن وجهة الأحداث جنوباً تنذر بمسار تصاعد خطر ومقلق للغاية، حيث يبدو واضحاً أنه مسار لن يحقق “الاستقلال” المنشود حراكياً ضمن الموعد المعلن على الأقل، بقدر ما سينقل هذا الحراك خطوة إلى الأمام في مسار أدوات العنف اقتداء بالصيغة التي أسس لها الحوثيون منذ إسقاط عمران.
وقال: إن موعد 30 نوفمبر المنشود جنوبياً يتحول بشكل حثيث لورطة حقيقية، حيث أصبح استحقاقاً يجب أن يترتب عليه أي شيء ملموس أمام الجمهور “الحراكي” المتحمس، وهو ما سيدفع القادة الجنوبيين إلى المقامرة الخطرة ربما بإنتاج حقائق على الأرض قد تتمثل بإسقاط بعض المناطق.
وفي حين يؤكد جميع الجنوبيين واللجان المشكلة أن “القضية الجنوبية” حقوقية ترفع مطالب عادلة، يرى الباحث والمحلل السياسي “عبدالناصر المودع”, أن القضية الجنوبية هي “مادة للصراع السياسي” وليست قضية حقوقية أو سياسية، فالنزعة الانفصالية يتم رفعها وخفضها من أطراف داخل السلطة.
وقال المودع لوكالة “الأناضول”: قبل مؤتمر الحوار وأثنائه تم رفع النزعة الانفصالية من قبل الرئيس بشكل مباشر أو غير مباشر، بغرض إجبار المجتمع المحلي والدولي للقبول بالفدرالية، وحين تم إقرار الفدرالية تم تخفيض وتيرة الانفصال من قبل “هادي” ليوحي للعالم بأن الجنوبيين أصبحوا أكثر قبولاً للوحدة بعد مؤتمر الحوار وإقرار الفدرالية، وعندما سيطر الحوثيون على صنعاء قام “هادي” بتسخين الوضع في الجنوب وتأجيج المشاعر الانفصالية، بغرض استخدام الجنوب ورقة لتقوية مركزه أمام الحوثيين.