محمد ثابت
فيما الانقلاب يزيد تثبيت أقدامه على أرض مصر والعرب، ظاهرياً، انشغل أنصار الشرعية والداعون إلى رفعة وتقدم مصر والأمة العربية الإسلامية مؤخراً بمفارقات القمة العربية التي عُقدت في شرم الشيخ، للمرة الأولى بعد الثورة المصرية، ونتمنى من الله أن تكون الأخيرة في عمر الانقلاب، فقط يُعدل الثوار من مفاهيمهم، ويتدبرون أمرهم جيداً، لأنكم علوتم لكن بالحق، وبقبضكم على الجمر في وقت استساغ الناس فيه السلامة، ووضعوا أيديهم في الماء البارد، اللهم إلا من رحم ربي، والتأني، وحسن التدبر يزيد علوكم ويبلغكم بإذن الله هدفكم.
(1)
مذيع لامع خرج علينا منذ أيام متحدثاً عن اختراق في التنظيم الدولي للإخوان، وعلاقة أحد أعضائه بالأمن بصورة مباشرة في الدولة التي ينتمي إليها؛ وبالتالي بجميع أجهزة الأمن العربية، ومن ثم العالمية، وخلص “الكاتب” إلى ضرورة إلغاء “التنظيم الدولي المخترق”.
انشغل كثيرون بالطرح الذي تبناه المقال، وربما حاز أكثر عدد غير متوقع في الرد على مقال من داخل الصف المعارض للانقلاب في مصر، ومناصري الإخوان، ومحبي رفعة الأمة.
وهم إذ يفعلون ذلك، بحسن نية ورغبة محمودة في رفعة الجماعة وخلاص الأمة، لكن متى كانت الرفعة تدار بحسن النية، إن التيار المخلص في الأمة، لا أقول في الإخوان، وأوافق على تسميته بالتيار الإسلامي، لكني متوقف لدى اسم يضم كل ثائر مخلص محب لرأيه، ولعل أقرب اسم وأسهل اسم يحضرني” الشرفاء”، إن الشرفاء يتخبطون في أمر بالغ البساطة لدى الأمم المتحضرة اليوم، بل عرفته أمتنا أوان أوج حضارتها، ربما ليس بنفس “تخصص” اليوم، ولكن المؤكد أنه كان في صورة أفضل، من أصحاب الرأي والمشورة للخلفاء والحكام، وذوي النصح للأمة.
ولكن نظراً لتداخل الاختصاصات المريع داخل أمتنا اليوم، وليس عاقلاً ولا منصفاً من لا يرى هذا، وإن كان محباً، أن الطرح الزائف من آسف القائل بأن بيضة تم اكتشاف فسادها في صندوق بأعلى آلاف الصناديق، مع فارق التشبيه، يساوي نسف كل الصناديق ما وهو إلا توهم رأي ولا أريد القول بما يزيد، وإن كانت كلمة “هراء” لتلح على الخاطر، من قال: إن الإعلامي أو حتى المذيع بصاحب رأي، وقد تفرض ظروف الأمة الحالية على صاحب الرأي العمل بالإعلام لأنه ليست هناك من مهنة في الأمة اسمها كاتب، اللهم إلا الكاتب الواقف أمام المحاكم، ولكن ليس معنى هذا أن الأمر صار سداحاً مداحاً، إنك مع تقديري لك مذيع تسأل أمام الكاميرا ليجيب الآخرون، هذه حدودك، وهذا دورك وتلك عقليتك، مهما ارتقيت، فمن ولَّاك مهمة أن تجيب عن جميع الأمة؟
إن السيد المذيع مضار، أعلم وربي، في الأزمة التي تعصف بقلب العروبة والإسلام مصر، تمت مصادرة أمواله وممتلكاته فيها، وقد عاينتْ فيلته في قلب التجمع الخامس قبل الانقلاب بقرابة شهرين، ولمست تفاني الرجل في خدمة شرفاء بلده، وإن كان ذلك جميل في رقبتي، إلا أنه لا يمنع قول الصدق حياله، إنك مضار بمالك، وإن بلغ الملايين، حق على الشرفاء استيعاب هذا، ولكنه لا يساوي تقبل ما لا يتقبل في قواعد الفهم الشكلي أصلاً، عفواً إنك، مع كامل احترامي، لست بصاحب رأي ولا مشورة من الأساس؛ وبالتالي ما طرحته ينتمي إلى عالم الإعلام بحب إبرازه التناقضات بشكل مبالغ فيه، وربما غير موجود لجذب المشاهد، ومن آسف ليس مكان كلماتك الرد.
(2)
مفكر وأديب
ليس عدم وجودهما أزمة الأمة، بل هي أزمة التيار الإسلامي، أو ما اتفقنا على تسميته بـ”الشرفاء”، إن عدم وجودهما يساوي عدم وجود محلل إستراتيجي، ساوي توغل الانقلاب في تجذير نفسه، ولو إلى حين، فيما الشرفاء يتألمون المواقف، من يرى يرى، ولكن لا رؤية أي لا اتساق في الرأي بين عدد ممن يمتازون بعميق التحليل ومن ثم التوجيه، ومن هنا كانت كلمات كلما تذكرها المرء تعجب كيف اتسق أن تخرج من فم قائليها على هذا النسق، فمن أبشروا بتكرار الواو واوت كثيرة، والانقلاب يترنح، واستحضار تجارب دول أخرى عادت الشرعية إليها في ساعات، فضلاً عن محاولة تكرار سيناريو ثورة يناير دون الفطنة إلى أن ما تم في ميدان التحرير بعد ثمانية عشر يوماً فقط، ما كان له أن يتم لولا مكر الجيش، والتباس الأمر على جميع القوى الوطنية الصادقة الشريفة في 11 من فبراير 2011م.
إن افتقادنا إلى مخلص يفكر، ثم نأخذ بحصيلة تفكيره، لا أن يهبط القرار علينا، أحياناً، من أعلى فردياً، دون سند من فكر مفكر وألف، وطموحات ومخاوف أديب وألف، إن هؤلاء يعانون من شظف العيش، ثم لما يفرزون أفضل ما لديهم من آراء لا يلتفت أحد إليها، فضلاً عن محاولة التوفيق بينها.. وفي النهاية نفتقد محللاً وأكثر يقرأ الموقف بعمق ويشير على حركي، أو رجل ميداني.
إن هذا الافتقاد الشديد هو سبب تفرد د. محمد البلتاجي بالرأي منذ منتصف عام 2012م، بأن الجماعة أو الإخوان، وهم أبرز شرفاء مصر، يراد الزج بهم في آتون مستنقع الرئاسة، ولم يسمع له أحد، ولم يقدر كلماته مقدر، رغم توالي الرؤية، من الرأي، من كثيرين بنفس المعنى، ولكن لم يسمع ولم يقرأ أحد، وليس تكرار الأمر الآن إلا محاولة لاستحضار وجوب وجود أهل رؤية أمام طوفان مقبل الأحداث في الأمة، فضلاً عن الموقف الحالي في مصر، أما رؤية الأسد حازم صلاح أبو إسماعيل المؤازرة لرؤية البلتاجي وآخرين فحدِّث ولا حرج..
(3)
انقلاب اليمن وانقلاب مصر
انشغل العشرات من كتَّابنا بذكر تعدد أوجه الشبه بل مطابقة انقلاب اليمن، المدعى، لانقلاب مصر، وبيان أن العرب بل المسلمين، بدخول باكستان وتركيا على الخط، يكيلون بمكيالين.
إن هذا بالضبط سبب تردي أزماتنا، إننا لا ندرك أن حاكم قطر وتركيا لا يدوران بمعزل عن الفلك الأمريكي، وإن وجد لديهما بعض الخير، أو سمح لهما به، وأن الرئيس “محمد مرسي” دار خارج هذه المنظومة تماماً، والشرح يطول جداً، فلا الشيخ “تميم بن حمد آل خليفة”، ولا “رجب طيب أردوغان” متماهيان مع الشرعية على طول الخط لو تضاربت المصلحة السياسية لبلديهما، وتلك هي السياسة التي قال عنها الإمام محمد عبده: لعن الله كلمة، ساس، يسوس، سياسة، فإذا نزلتم ميدان السياسة فكونوا على وعي به، ولا تأخذنكم طهارة أنفسكم بعيداً.
(4)
الرؤيا والانقلاب
بدلاً من أن ننهمك في تحديد رؤية تنهض بنا مما نحن فيه، ما تزال الرؤيا (الأحلام) تأخذنا حتى بعيد، نعم إنها من بقايا النبوة، ولكن من يميزها عن الأحلام التي هي من “أضغاث الشيطان” الذين يحلمون كثيراً، والرؤيا جد قليلة، قالوا لنا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر بالرئيس “محمد مرسي” قبل استبعاد المهندس خيرت الشاطر، وقالوا: إنه صلى الله عليه وسلم قال باندحار الانقلاب قبل شهور، وقيل: أيام وسنوات، وكلها أمور الرسول بعيد، صلى الله عليه وسلم، أو ليس من الأفضل أن ننشغل بالرؤية عن الرؤيا، حتى يأذن الله بفرج وخلاص الأمة.