الأضحية شعيرة من شعائر الله، وتعظيمها من تقوى القلوب، واختلف العلماء في حكمها، حيث ذهب جماعة من أهل العلم؛ ربيعة، والليث بن سعد، وأبو حنيفة، والأوزاعي، إلى وجوبها على الأعيان ذوي اليسر؛ لظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم: “من كان له سعة ولم يضحِّ فلا يقربن مصلانا” (حديث صحيح، رواه أحمد وابن ماجه)، ولحديث جندب بن عبدالله البجلي في البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح”، قالوا: فقوله لمن ذبح قبل الصلاة (فليعد) أمر يدل على الوجوب فلا يصرف عنه إلاّ بصارف.
وعلى هذا القول، فمن كان قادراً أن يضحي، ولم يفعل، يكون آثماً.
وذهب جماعة من أهل العلم إلى أنها سُنة مؤكدة لا يحسن تركها والتهاون فيها، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وأمره بها وتأكيده على فعلها، قال عز وجل: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً {21}) (الأحزاب)، واقتداء أصحابه من بعده رضي الله عنهم ولما أعطى عليها الله تعالى من الثواب، كما في حديث أمنا عائشة رضي الله عنها مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إراقة دم، وإنه يؤتى يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفساً” (حديث صحيح، رواه الترمذي وابن ماجه).
وهذه الأضحية، تقع مقبولة عند الله تعالى، في أي بلد فعلت، خصوصاً في ترتيب سلم الأولويات، الذي يجب أن نفقهه بدقة، ونمضي على طريقه، فهناك محتاجون وفقراء، في كثير من بقاع الأرض، فلو وزعت هذه الأضاحي، حيث يحتاج الناس، فهذا فيه أجر عظيم، وثواب كبير، وسد لثغرة لها أهميتها البالغة، في السياسة الشرعية، ومن جوانب متعددة، ربما غفل عنها كثير من الناس، الذين لا ينظرون إلى مشكلات الأمة، بنظر عميق، وفقه مقاصدي دقيق.
في سورية نكبة كبيرة، ومصاب أليم، وجرح نازف، وكارثة قل نظيرها، ومصيبة ندر مثيلها، حيث نصف أبناء الشعب السوري؛ ما بين مشرد ونازح ولاجئ، ومئات الآلاف من الشهداء، وقريباً من نصف مليون يتيم، وعدد كبير من المعاقين والجرحى، البراميل المتفجرة تزورهم وتقع على رؤوسهم في الليل والنهار، من غير استئذان، ولا سابق إنذار، شبيحة نظام إيران وأذرعتهم الخبيثة من مثل “حزب الله” يقتلون ويذبحون دون هوادة، ومجتمع دولي، متخاذل، وكثير من أبناء الأمة يتفرجون، وكأن الأمر لا يعنيهم، رغم تفاعل قسم منهم، وإسنادهم لهذا الشعب، بارك الله فيهم وجزاهم الله خيراً، هذا الشعب الصابر المحتسب الصامد المجاهد، يستحق منا أن نقف إلى جانبه، وأن ندعم صموده، وأن نقدم له ما يثبت أقدامه على أرضه، حتى لا تؤكل الأمة يوم أكل شعب سورية، فالوقوف إلى جانب هذا الشعب، واجب شرعي، وفريضة ربانية، وضرورة إنسانية، ولازم ضروري في مفاهيم السياسة الشرعية، في فقه الأمة الواحدة.
ومما يقدم لشعب سورية في هذه الأيام، وفي موسم العيد القادم، أن تجعل أضحيتك، يا مسلم يا عبدالله في سورية، وأن ترسلها إلى أرض التضحية والصمود والفداء؛ “فمن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته”.
إرسالك أضحية لشعب سورية، يعني سد جوعة، وإشباع بطن خاوية، وإنقاذ طفل، وإسناد أسرة، ولملمة بيت ساعة من ليل أو نهار، أضحية في سورية، تعني دعم صمود مظلومين ومقهورين.