في ورقة بحثية استعرضت التواجد العسكري التركي في العراق من حيث الأبعاد وتداعيات ما بعد التأزم في العلاقة بين تركيا ورسيا وأثر ذلك على عدة ملفات وهي الدراسة التي قدمها الباحث والصحفي العراقي رائد الحامد وقد تميزت الورقة بتقديمها عدد من السيناريوهات المستقبلية للتواجد العسكري التركي في العراق.
مقدمات ومهام التواجد التركي
تحت هذا العنوان مهد الكاتب باطار تاريخي التواجد العسكري التركي في العراق وقد بدأ الكاتب من 1994م عندما وقعت الحكومة التركية اتفاقية أمنية مع العراق العراقية يُسمح بموجبها للقوات التركية بتنفيذ ضربات جوية ضد معاقل الحزب الكردستاني ، والتوغل البري لمطاردته إلى عمق 25 كيلومترًا على طول الشريط الحدودي، تم التمديد لها في العام 2007.
ومنذ العام 1997 تواجد جنود أتراك بشكل دائم في قاعدة عسكرية في “بامرني” بمحافظة دهوك في إقليم كردستان، 45 كيلومترًا إلى الشمال من مركز المحافظة، بالإضافة إلى ثلاث قواعد عسكرية صغيرة في “غيريلوك” 40 كيلومترًا إلى شمال قضاء العمادية، و”كانيماسي” 115 كيلومترًا شمال مدينة دهوك، و”سيرسي” 30 كيلومترًا شمال قضاء زاخو قرب الحدود التركية.
ثم في 2014 كانت داعش مفتاح جديد للتواجد التركي ضمن قوات التحالف التي شكلتها واعلنت عنها الولايات المتحدة
و”استجابة لطلب رئيس الوزراء العراق لتدريب قوات البشمركة التي تقوم بأعمال قتالية على الأرض بدعم جوي من التحالف الدولي ضد الإرهاب”، تم تأسيس معسكر “دوبردان” قرب ناحية بعشيقة في مارس/آذار 2015 لبدء برنامج التدريب التركي للمتطوعين، الذي بلغ عدد المسجلين فيه أكثر من 2000 متطوع. ولا يحمل المعسكر صفة عسكرية على صلة بالعمليات القتالية. فيما يقوم حوالي عشرين دولة بتدريب القوات العراقية والبشمركة الكردية ومقاتلي العشائر السنية، من بينها: الولايات المتحدة وألمانيا وكندا والأردن وغيرها، بالإضافة إلى تركيا التي درَّبت أكثر من “ألفي عراقي من الحشد الوطني في الموصل” وقدمت مساعدات عسكرية لكل من حكومتي بغداد وأربيل “عبر إرسال عدة طائرات محملة بالمعدات إليهما”
الموقف من التواجد التركي
استعرض الكاتب المواقف العراقية المختلفة من قبل التيارات والقوى الموجودة على الساحة العراقية وهي كالتالي:
الموقف الشيعي : سبق موقفَ الرئاسات الثلاث، إجماعٌ شيعي رافض للوجود التركي على مستوى القيادات الرسمية والمرجعيات الدينية والقيادات السياسية، وكذلك قيادات الميليشيات وقوات الحشد الشعبي. ويمكن توضيح اتجاهات الموقف الشيعي بثلاثة اتجاهات ( دبلوماسي – سياسي تتبناه المرجعيات الشيعية والأحزاب والكتل السياسية في البرلمان- اللجوء لخيارات مفتوحة تتبنَّاه شخصيات سياسية وبرلمانية على صلة بالميليشيات والحشد الشعبي، إضافة إلى فصائل شيعية مسلحة موالية لإيران ).
مواقف التركمان : يرحِّب التركمان في العراق، وهم الأقرب صلة بالأتراك من حيث الموروث الثقافي والانتماء القومي، بالدعم العسكري للتحالف الدولي.
مواقف السنة: وخلافًا للموقف الشيعي الموحَّد من التواجد التركي، تنقسم مواقف العرب السنَّة بين مؤيد وصامت ومعارض.
واكمل الباحث استعراض باقي المواقف بعض موقف جامعة الدول العربية المتمثل في اعتبار التدخل التركي تدخل سافر على لسان أمينها العام قائلاً “تدخلًا سافرًا في أراضي دولة عربية شقيقة ويتعارض مع كل المواثيق الدولية وقرارات الامم المتحدة”(25)؛ وهو موقف أكثر تصعيدًا من موقف الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة التي تقود التحالف الدولي في المنطقة.
التحالف الرباعي يصعِّد في العراق انطلاقًا من سوريا
عاد الباحث عبر هذا المحور إلى أصل الفرضية التي قامت عليها الورقة وهي أن العلاقات التركية الروسية وطبيعتها هي المؤثر والمحدد للتواجد التركي في العراق خاصة في ظل تعارض المواقف بشأن الأسد وقد انتهجت الاستراتيجية الروسية سياسة تصعيدية ضد تركيا في المجالين العسكري والاقتصادي من خلال:
أولًا: استهداف الضربات الجوية بشكل مكثف للفصائل الإسلامية المعتدلة من تركيا
ثانيًا: استهداف المناطق التي يُشكِّل فيها التركمان السوريون غالبية سكانها في ريف محافظة اللاذقية. ويشكِّل التركمان عمقًا تاريخيًّا وثقافيًّا لتركيا .
ثالثًا: فرض عقوبات اقتصادية على تركيا .
واستباقًا لأي تصعيد خطير في العلاقات بينهما، اتجهت تركيا صوب الدول العربية للتمهيد لفتح الأبواب أمام تسويق المنتجات التركية كأسواق بديلة عن السوق الروسية؛ ما جعل العراق يتمتع بأهمية أكبر في استراتيجيات السياسة التركية الخارجية.
كيف هو المستقبل
أولاً: ستسعى تركيا إلى المواءمة بين الضرورات الأمنية التي اضطرتها إلى التواجد العسكري في الأراضي العراقية مع الحملة الرافضة لوجودها.
ثانيًا: العمل ما أمكن على وضع حدٍّ لتهديد مصالح تركيا في العراق والخليج العربي من خلال القوى الشيعية التي تدين بالولاء لإيران التي تحاول تقويض المشروع التركي .
ثالثاً: القبول العربي السنِّي بوجود تركي فاعل ومؤثِّر وداعم لاستعادة الموصل، في مقابل مساهمة تركية في إعادة الإعمار والاستثمار في حقول النفط .
رابعاً: بناء شراكة استراتيجية بين رئيس إقليم كردستان وتركيا تدفع باتجاه إضعاف حزب العمال الكردستاني، في مقابل دعم استعادة الموصل يعقبه ضغط تركي على القيادات العربية السنِّية .
رابعًا: من المحتمل في إطار التنافس التركي-الإيراني على العراق، أن تلعب تركيا دورًا ما لتصحيح الخلل في النفوذ الإيراني .
خامسًا: استثمار إيران وروسيا والقوى العراقية الحليفة لهما، حالة العداء بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني للقيام بنشاطات مسلحة أكثر كثافة ضد الأمن الداخلي لإشغالها وتحجيم دورها الإقليمي.
سادسًا: ظهور تكتلات أو محاور جديدة بسمات واضحة، أو الاقتصار على محورين متنافسين متضادين أحدهما بقيادة إيران والآخر بقيادة تركيا يخوضان صراعهما المتداخل على ساحة واحدة على امتداد جغرافية العراق وسوريا بدلًا من ساحتين.
سابعًا: تفعيل التحالف الرباعي المشترك الذي يضم روسيا إلى جانب إيران وسوريا، إضافة إلى العراق الذي لم تستطع الحكومة المركزية فيه تبني موقف واضح وصريح منه.
ثامنًا: خضوع رئيس الوزراء العراقي للضغوط الإيرانية للانخراط الكامل في التحالف الرباعي والابتعاد عن التعاون مع الولايات المتحدة .
تاسعًا: مواهة إيرانية تركية
عاشرًا: إقامة إقليم سنِّي يضم عدة محافظات سنِّية، أو إقليم خاص بمحافظة نينوى، بعد استعادة الموصل قد يتطور في مرحلة لاحقة إلى انفصال كامل عن العراق إذا است.