قال د.ظافر العجمي في ورقة عرضها مركز الجزيرة للدراسات عن اعلان السعودية عن التحالف العسكري الاسلامي: نظرًا لفشل المؤتمرات في حلِّ قضية الإرهاب أصبح من العسير سياسيًّا ترويض بيئتنا الإقليمية دون اللجوء إلى الحلول العسكرية التي هي آخر الإجراءات السياسية في العلاقات الدولية.
ويرى العجمي من خلال قراءته لهذا التحالف ان العالم يشهد اليوم زمنَ الهياكل العسكرية التي تنتشر على خارطة المناطق المشتعلة في الوطن العربي على ثلاثة أشكال: الميليشيات المسلحة والقوات النظامية والتحالفات الإقليمية.
زمن الهياكل العسكرية
على خارطة المناطق المشتعلة في الوطن العربي تتوزع ثلاثة أشكال من الهياكل العسكرية؛ الشكل الأول هو الميليشيات المسلحة، وهي هياكل عسكرية عدوانية لا تتبع دولًا بعينها، والشكل الثاني هي القوات النظامية والتي لا تعمل بالضرورة لمواجهة الميليشيات بل قد تكون داعمة لها في جبهات عدَّة، مثل الجيش النظامي في سوريا. كما يمكن اعتبار الحرس الثوري الإيراني كقوات نظامية يديرها “قاسم سليماني” في العراق وسوريا وإن توارت تحت غطاء هيكل الميليشيات.
أمَّا الشكل الثالث فهي التحالفات ومنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية كردِّ فعل مباشر على المذابح التي ارتكبها تنظيم ما يُعرف بالدولة الإسلامية في عين العرب، والتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية لحرب جماعة الحوثي والقوات الموالية للرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح.
لقد أصبحت الهياكل العسكرية بأشكالها الثلاثة المكون الرئيس للمشهد في العالم العربي، وتراجعت الدبلوماسية منكفئة على نفسها بعد الفشل الذريع للعديد من المؤتمرات التي عُقدت في الداخل والخارج لحل الأزمات التي تعصف بالمنطقة لاسيما في سوريا وليبيا واليمن والعراق، وعلى من يجادل في ذلك أن ينظر مليًّا ويمعن النظر في الملفات العالقة التي تتصدر جدول أعمال القمم الخليجية والعربية.
اليوم، وبسبب وضوح المعسكرات المتقابلة وضيق الخيارات أمامها للدفاع عن وجودها وبسبب طبيعة المعركة، تم الإعلان مؤخرًا عن تأسيس التحالف الإسلامي العسكري المكوَّن من 34 دولة إسلامية؛ لمحاربة الارهاب.
السعودية قوة إقليمية بمواصفات استثنائية
في زمن الهياكل العسكرية، يشير ظهور التحالف العسكري الإسلامي إلى أن صانع القرار السياسي في الخليج العربي قد عزم على التحرك في مرحلة إيجابية تحمل أكثر من مؤشر، منها:
1. استمرار نهج أخْذ زمام المبادرة بدلًا من الانتظار، وهو نهج سَنَّه الملك سلمان بن عبد العزيز وأثبت التحالف العربي جدواه، من خلال وقف تمدد وسيطرة جماعة الحوثي والميليشيات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح على اليمن؛ ما أدى إلى أن تشرع الرياض في ترقية مكانتها كقوة إقليمية بخطوات استباقية جريئة ومتقدمة في ملفات جديدة.
2. يستهدف التحالف تهدئة حدَّة الانتقادات الغربية التي طالما اشتكت من صمت العالم الإسلامي ووقوفه موقف المتفرج من قضية مكافحة الإرهاب. وقد يكون من أهداف الإعلان عن التحالف تخفيف الحملة الإعلامية التي تستهدف الخليج كمصدر للفكر السلفي الجهادي.
3. منع وقوع العالم الإسلامي في شباك مشروع الهيمنة الإيراني بتحالفات تحارب الإرهاب انتقائيًّا بدعمٍ روسي، ولعزل مشروع طهران الطائفي فقد تصدرت الرياض قيادة التحالف الإسلامي ليحدَّ من غطرسة إيران في المنطقة بمشاريع مفكِّكة للأمة الإسلامية وبالميليشيات التابعة لها.
تحالف في إطار الشرعية الدولية
أتى تشكيل التحالف العسكري الإسلامي في إطار الشرعية الدولية واستنادًا إلى ما تضمنه قرار مجلس الأمن رقم 2249 الصادر بتاريخ 20 نوفمبر 2015، والذي أكَّد على أن الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره يمثِّل أحد أشد الأخطار التي تهدد السلم والأمن الدوليين.
معالم وتفاصيل مفقودة
في الوقت الذي رحبت بالإعلان عن تشكيل التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب دولٌ ومنظمات عدَّة؛ انبرت منصات إعلامية أخرى لمهاجمة التحالف بوصفه تجمعًا طائفيًّا شقَّ وحدة المسلمين وصفوفهم، فعدم انضمام العراق وإيران والدعوة إلى حلف سُنِّي يجعل الخليج بينما يشير بعض العقلاء إلى أنه من المفترض أن يكون موقف العراق أكثر إيجابية بل وأن يشارك العراق في قيادة التحالف لأنه أكثر البلدان تضررًا من الإرهاب.
خلاصة
ويلخص العجمي أن المبادرات السياسية والعسكرية ليست ألعابًا نارية يتلهَّى الناس بها ثم تتوارى، بل هي مشاريع استراتيجية جادَّة؛ فإن لم تتوفر على رؤية ومشروع متكامل الأركان وآليات تنفيذ محكمة ورسالة واضحة وأهداف يلتقي عليها جميع أعضائها، بالإضافة إلى جهاز متابعة بمستوى هذه المبادرات فهي ليست أكثر من مناورة تكتيكية عارضة.