تحدثنا في المقال السابق عن الشهامة والمروءة، ووضحنا أنهما صفتان أصيلتان من صفات العرب، وكيف جاء الإسلام بالأخلاق الفاضلة التي تهذب هاتين الصفتين وتؤكدهما.
وقد ضرب أهل الكويت الكرام أمثلة رائعة تدل على شهامتهم ومروءتهم، وهذا ما سوف نستعرضه في ذكر إحدى هذه القصص الواقعية التي كان بطلها التاجر صالح علي الشايع التي أوردها العم عبدالعزيز محمد الحمود الشايع في كتابه، ص 111-113، وتحكي موقفه النبيل مع النوخذة محمد بن جارالله وتجار الخليج، وفيها أن البارجة اليابانية ضربت سفينتين في مياه الخليج؛ السفينة الأولى يملكها النوخذة محمد الجارالله، والأخرى يملكها نوخذة قطري اسمه عبدالله الخال، وقد سافرت السفينتان بشحنتيهما من بومباي باتجاه الخليج، وفي بحر العرب ضربتهما بارجة يابانية فدمرتهما وأغرقتهما، لكن أفراد طاقمي السفينتين تمكنوا في تلك اللحظات الخطيرة والحرجة من استخدام الجوالبيت (وهي قوارب الإنقاذ ونقل البضائع من السفينة إلى المرسى ومفردها جالبوت) والبدء برحلة قاسية عبر البحر بواسطة التجديف في هذه القوارب لبضعة أيام، وعند خط سير السفن شاهدتهما إحدى بواخر شركة الهند البريطانية وانتشلتهم من البحر، كما اقتضت بذلك أعراف وأنظمة وقواعد البحار.
وعندما وصلوا إلى بومباي كانوا في حالة يرثى لها من التعب والضياع، فجاء النوخذة محمد الجارالله الذي كان يعرف كل الكويتيين في بومباي، إلى صالح الشايع ليخبره بحالتهم، فرحب بهم صالح الشايع وأسكنهم مباشرة في “المسافر خانة” الذي تملكه الدولة، وبعث لهم خياطاً جهزهم بكل ما يحتاجونه من ملابس، كما خصص لهم المواد الغذائية التي تكفيهم طوال فترة إقامتهم في المسافر خانة (وهي بناية تستخدم للرعايا الكويتيين وأحياناً لحجاج المسلمين)، وبعد أن اطمأن عليهم كتب ورقة شرح فيها ما حدث لهم، وعرضها على كل الكويتيين الموجودين في بومباي لمساعدتهم، ونتيجة لتعاون الجميع في هذا الأمر، استطاع الأخ صالح أن يجمع لهم مبلغاً معيناً وزعه عليهم بدون أن يفرق بين كويتي وقطري، وقد تبين أن المبلغ الذي حصلوا عليه كتبرعات من الكويتيين أكثر مما كانوا سيحصلون عليه لو أنهم وصلوا بسلام إلى الكويت وقطر، وفي لقاء نشرته جريدة “الراية” القطرية بتاريخ 27 يونيو 2006م مع السيد سلطان بن يوسف العيدان، ذكر أنه كان أحد هؤلاء التجار الذين كانوا على ظهر السفينة القطرية المتضررة، وقد عدَّد مآثر التجار الكويتيين الفضلاء الذين ساعدوهم معنوياً ومادياً.
وعندما وصل النوخذة محمد بن جارالله وبحارته إلى الكويت، كانت أخبار الحادثة قد سبقته إليها وعلم بها الجميع، فقام أحمد عبداللطيف الحمد، وعبدالله محمد البحر بكتابة ورقة أخرى شرحا فيها تفاصيل تلك المأساة وعرضاها على تجار الكويت، وخلال يومين فقط جمع له هؤلاء التجار مبلغاً يفوق المبلغ الذي خسره في عرض البحر، وبواسطة ذلك المبلغ تم بناء نسخة طبق الأصل من بومه الذي غرق واستلمه في فترة زمنية قياسية.
ولا غرابة فيما حدث من التاجر صالح علي الحمود الشايع ومن تجار الكويت كافة؛ لأن طبيعة أهل الكويت الكرام وفطرتهم التي جبلهم الله عليها هي التي تحرك فيهم الوازع الديني والإنساني، والوقوف يداً واحدة في ساعات المحن والشدائد والأزمات، وهكذا كان من الطبيعي عند أهل ذلك الزمن الجميل مساعدة كل من تصيبه محنة أو أي أذى، وكان سرعان ما يجد بين أهل هذه الديرة الطيبة من يعوضه ويساعده ويواسيه ويقف إلى جواره.
WWW.ajkharafi.com