أكد سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، حفظھ الله ورعاه، ضرورة تحكيم العقل والحكمة للحفاظ على المصالح العليا لدول المنطقة والأمن والسلامة والطمأنينة لشعوبھا.
ودعا سمو الأمير في كلمة ألقاھا مساء الجمعة في الدورة الـ14 لمؤتمر القمة الإسلامي في مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية إلى التعامل مع الأوضاع المستجدة في المنطقة بأقصى درجات الحيطة والحذر وإفساح المجال للجھود الھادفة لاحتواء التصعيد والنأي بالمنطقة عن التوتر والصدام.
وقال سموه: إن المنطقة والأمة الإسلامية بأسرھا تمر بظروف بالغة الدقة والخطورة وتحديات غير مسبوقة، مشيراً إلى أن الوتيرة المتسارعة للتصعيد الذي تشھده المنطقة ينبئ بتداعيات خطيرة على الأمة واستقرارھا.
وفيما يلي نص كلمة سمو الأمير:
“بسم الله الرحمن الرحيم، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حفظھ الله، أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، معالي الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي د. يوسف بن أحمد العثيمين، أصحاب المعالي والسعادة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاتھ..
يسرني بداية أن أتقدم بجزيل الشكر إلى أخي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود على المبادرة الكريمة باستضافة أعمال قمتنا الإسلامية تلك المبادرة التي تعبر عن حرص عال على رعاية أحوال المسلمين والحفاظ على مصالحھم وتحقيق وحدتھم، والشكر موصول إلى حكومة وشعب المملكة العربية السعودية الشقيقة على ما لمسناه من حفاوة في الاستقبال وكرم الضيافة والإعداد المتميز لھذا اللقاء الذي يعقد في رحاب أطھر بقاع الأرض مكة المكرمة بما يمثلھ ذلك من إلھام لنا بقبول دعائنا لأمتنا الإسلامية في ھذه الليلة المباركة.
ولا بد لنا من التأكيد مجدداً عن قلقنا وانشغالنا لما تتعرض لھ الشقيقة وبشكل متواصل من ھجمات تستھدف أمنھا وإستقرارھا وسلامة مواطنيھا، مؤكدين إدانتنا واستنكارنا تلك الھجمات، معبرين عن وقوفنا التام إلى جانب المملكة في الدفاع عن أمنھا واستقرارھا، كما نؤكد إدانتنا للھجمات التي تعرضت لھا السفن قبالة سواحل دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة لما تشكلھ أيضاً من تھديد لأمنھا واستقرار المنطقة واستھداف لسلامة الملاحة البحرية وخطر على إمدادات الطاقة العالمية.
كما أشكر فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان رئيس جمھورية تركيا على جھوده المقدرة خلال رئاسة بلاده أعمال دورتنا الماضية، وأتقدم بالشكر كذلك إلى معالي الأمين العام وجھاز الأمانة العامة على جھودھم القيمة في الإعداد لھذه الدورة التي يتزامن انعقادھا مع احتفالنا بمرور خمسين عاماً على إنشاء منظمتنا العتيدة.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، إن نظرة فاحصة لواقع أمتنا الإسلامية تدلل وبوضوح أن أمتنا تعيش أوضاعاً صعبة، وأن مكانتھا في العالم وبكل أسف وفق معدلات وإحصائيات عالمية لا تبعث على الارتياح، حيث إن 37% من سكان العالم الإسلامي تحت خط الفقر بإجمالي 507 ملايين نسمة، كما أن 61% من نازحين العالم ھم من دول إسلامية، و40% من سكان العالم الإسلامي أميون، ومتوسط البطالة في عالمنا الإسلامي يصل إلى أكثر من 7%، إنھا أرقام مفزعة ومؤلمة في الوقت نفسھ وتدعونا إلى الوقوف أمامھا وتأمل مدلولاتھا والعمل بكل الجھد لتفعيل آليات عملنا التنموي لدعم ھذه الآليات والارتقاء بھا إلى المستوى الذي يحقق آمال وطموحات أبناء أمتنا الإسلامية.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، تمر منطقتنا والأمة الإسلامية بأسرھا بظروف بالغة الدقة والخطورة وتحديات غير مسبوقة، فالوتيرة المتسارعة للتصعيد الذي تشھده منطقتنا ينبئ بتداعيات خطيرة على أمتنا واستقرارنا؛ الأمر الذي يدعونا إلى التعامل مع الأوضاع المستجدة بأقصى درجات الحيطة والحذر، وأن نسعى إلى إفساح المجال واسعا للجھود الھادفة إلى احتواء التصعيد والنأي بمنطقتنا عن التوتر والصدام، وأن نحكم العقل والحكمة للحفاظ على المصالح العليا لدولنا والأمن والسلامة والطمأنينة لشعوبنا.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، وفي سياق التحديات والمشاغل التي تعيشھا أمتنا الإسلامية تبقى القضية الفلسطينية على رأس أولوياتنا نتألم لتعثر جھود حلھا، ونعاني استمرار معاناة أبنائھا، وندعو المجتمع الدولي من ھذا المكان المبارك أن يفعل جھوده لإحياء عملية السلام، مؤكدين أن أي حل للقضية الفلسطينية لا بد أن يستند إلى حق الشعب الفلسطيني بإقامة دولتھ المستقلة وعاصمتھا القدس الشرقية وفق ما نصت عليھ قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية ومبدأ حل الدولتين.
كما أن الوضع في اليمن واستمرار معاناة الشعب اليمني الشقيق يمثل تحدياً آخر لأمتنا الإسلامية، فبالرغم من الجھود الدولية المتواصلة الھادفة إلى وضع حد للصراع الدامي ھناك، فإن ھذه الجھود تصطدم دائماً بعدم الالتزام بما يتم الاتفاق عليھ الأمر الذي ندعو معھ إلى ضرورة الالتزام باتفاق ستوكھولم الأخير للوصول إلى الحل وفق المرجعيات المعتمدة والمتفق عليھا.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، وحول الوضع في سورية، فإن مما يدعو إلى الأسف أن الجھود المبذولة للوصول إلى حل سياسي للأزمة الطاحنة التي دخلت عامھا التاسع ما زالت نتائجھا بعيدة المنال لتستمر معھا معاناة الشعب السوري الشقيق وليستمر الأمن والاستقرار في المنطقة مھدداً؛ الأمر الذي ندعم معھ مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة في جھوده للتوصل إلى حل ينھي الكارثة الإنسانية وفق قرارات الشرعية الدولية وبيان “جنيف 1”.
وحول الوضع في ليبيا، فلقد جاءت الاشتباكات بين الأشقاء لتضيف جرحاً على جراح أمتنا الإسلامية لا نملك معھ إلا أن ندعو الأطراف كافة إلى وقف نزيف الدم والعمل على وضع مصلحة بلادھم فوق كل اعتبار وتأمين سلامة أبناء الشعب الليبي الشقيق بالتجاوب مع مساعي المبعوث الدولي.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، إن استمرار معاناة العالم من الإرھاب يؤلمنا، ومما يضاعف من ألمنا أن تكون الشعوب الإسلامية أكثر الشعوب استھدافاً من ذلك الإرھاب؛ الأمر الذي يدعونا إلى مضاعفة الجھد ورفع وتيرة التنسيق مع المجتمع الدولي لمواجھة قوى الظلام ومواصلة ما تحقق لنا من انتصارات تحفظ لشعوبنا سلامتھا ولمقدراتنا ومصالحنا صيانتھا.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، إننا أمام استحقاقات تاريخية ومصيرية لا بد لنا من الوفاء بھا ليتحقق لأبناء أمتنا الإسلامية آمالھم وتطلعاتھم المشروعة بالأمن والاستقرار والرخاء والتقدم، ومن جانب آخر؛ فإننا مدعوون بأن نلح بالدعاء إلى الباري عز وجل بأن يحقن دماء المسلمين ويوحد صفوفھم ويحقق غاياتھم ويكلل أعمالنا بالنجاح والتوفيق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.