“معاريف”- بقلم: تل ليف رام
كانت الأشهر الأخيرة تذكيراً لمن هو بحاجة إلى ذلك، عن أهمية العلاقة الاستراتيجية للكيان الصهيوني مع الولايات المتحدة، وعن تأثيرها في الشرق الأوسط، إذا ما قررت التأثير.
حتى يناير الماضي كان جهاز الأمن قلقاً من تآكل مكانة الولايات المتحدة في المنطقة، ومن امتناعها عن استخدام القوة العسكرية، ومن انعدام سياسة واضحة، مقابل تعزز قوة الروس والتصاعد في ثقة الإيرانيين بأنفسهم. وكان الهجوم على منشآت النفط السعودية في 2019 نقطة الدرك الأسفل.
تغيرت الصورة مع تصفية قائد قوة القدس الإيراني قاسم سليماني في يناير. ويرى جهاز الاستخبارات التابعة للكيان الصهيوني في المبادرة الأمريكية نقطة تحول، تؤثر على قدرة تعاظم الإيرانيين وحزب الله. أما التوقيع على اتفاقات التطبيع بين الكيان الصهيوني والإمارات والبحرين فيثبت حلفاً آخذاً في التعزز ضد إيران. هذه الخطوة أيضاً يمكن أن تعزى للولايات المتحدة.
ليس صدفة أن كثيراً من هذه المواضيع صعدت إلى جدول الأعمال قبيل انتخابات الرئاسة الأمريكية. يمكن الافتراض بأن محيط الرئيس دونالد ترامب رأى في هذه الخطوات أوراقاً سياسية مهمة تساعده في الانتخابات.
جهاز الأمن على قناعة بأن هذه الخطوات وإن لم تجد لترامب نفعاً في صناديق الاقتراع، وانتخب جو بايدن للرئاسة، فليس متوقعاً تغيير في الالتزام الأمريكي بأمن الاحتلال وبطبيعة العلاقة الاستراتيجية بين الدولتين. وقد سارعت أوساط جهاز الأمن في الأسابيع الأخيرة إلى سد الثغرات الأخيرة في المسائل المتعلقة بالمشتريات الأمنية التي يفترض أن تأتي كتعويض عن صفقات السلاح المتطور التي تنسج بين الولايات المتحدة ودول الخليج. يؤمن الكيان الصهيوني بأن المقابل الذي يمكن الحصول عليه الآن أعلى مما يمكن بعد الانتخابات، ولا سيما إذا ما انتخب بايدن، وذلك لأنه لن يكون ممكناً الحصول منه على رزمة تعويضات موسعة على اتفاق لم يوقع هو عليه.
تدعي أوساط جهاز الأمن بأنه كان ممكناً العمل للحصول على رزمة تعويضات نوعية أكثر لو عمل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وفقاً للبروتوكول قبل التوقيع على الاتفاق مع الإمارات. ويقف جهاز الأمن –بقيادة الوزير بيني غانتس– ضد إقصائه عن عملية اتخاذ القرار وعلى أنه لم يطلع على تفاصيل الاتفاق وقد أخفيت عنه نية الولايات المتحدة بيع الطائرات المتملصة، للإمارات.
وعلى الرغم من الاتفاقات، فإن الإيرانيين بعيدون عن رفع العلم الأبيض. فالسنوات الأخيرة تثبت مدى عناد طهران لمواصلة الدفع إلى الأمام بمخططات تعاظم القوى الإقليمية والتموضع في سوريا والعراق وفي البرنامج النووي أيضاً، رغم المصاعب الاقتصادية والعقوبات الاقتصادية الدولية الحادة ضدها.
تقدر أوساط جهاز الأمن بأنه حتى لو اتخذت الولايات المتحدة بعد الانتخابات خطاً واضحاً يدمج الضغط الاقتصادي، بخطوات سياسية وباستعداد لممارسة القوة العسكرية تجاه إيران، فإن كل هذا لن يوقف تطلعاتها.
يمكن لنتنياهو أن يسجل لصالحه أن الولايات المتحدة سارت معه على الخط في موضوع الاتفاق النووي المثقب، ولكن في اختبار النتيجة، بعد أربع سنوات من ولاية ترامب، ها هي إيران تقترب من القنبلة النووية وتخرق القيود المختلفة التي فرضت عليها، علناً.
من المتوقع للسنوات الأربعة المقبلة أن تكون حرجة في هذا السياق. تنتظر إيران أن ترى من سيكون الرئيس التالي، ويمكن التقدير بأنها تفضل بايدن. ولا يهم من سينزل في الغرفة البيضاء؛ فالتحدي الذي سيكون أمامه هو وقف البرنامج النووي بواسطة اتفاق أفضل من الاتفاق السابق. وإذا لم يحصل هذا، فعليهما أن يكونا مستعدين لصدام عسكري ستكون إسرائيل أيضاً مشاركة فيه.
رفع المستوى في ميدان المعركة
في نهاية المطاف، سيذكر التاريخ ترامب كمن أحدث اختراقاً في الشرق الأوسط فرفع جزءاً مهماً من المقاطعة العربية على الكيان الصهيوني. وحتى لو لم تتضمن الخطوة في هذه المرحلة حلًا للقضية الفلسطينية، فثمة افتراض بأن كثيرين من رؤساء الولايات المتحدة السابقين كانوا مستعدين للتوقيع على إنجاز سياسي بمثل هذا الحجم.
وإلى جانب الإنجازات السياسية الهامة، فإن القطيعة الأمريكية عن السلطة الفلسطينية لا تخدم مصالح إسرائيل ولا تساهم في الاستقرار الأمني.
إن الضربة التي تلقتها السلطة الفلسطينية واضحة. فهم يرون في الاتفاق الذي وقعته الإمارات والبحرين والسودان خيانة حقيقية. ولكن دول الخليج ملت أن تكون رهينة الرفض الفلسطيني. لقد فشل أبو مازن في قراءة الخريطة، إذ لم يشخص المصالح الاقتصادية لدول الخليج والمصلحة المشتركة في الصراع ضد إيران.
إن سياسة الكيان الصهيوني استفزازية تجاه السلطة ليست صحيحة الآن. ورغم عدم وجود تنسيق أمني واستمرار أزمة الفلسطينيين الاقتصادية وبقاء الميدان هادئاً، إلا أن جهاز الأمن يواصل التحذير من أن الوضع قد يتغير. فانهيار السلطة سيتطلب من جيش الاحتلال توظيف قوة بشرية ومقدرات عديدة في يهودا والسامرة.
وفي هذه الأثناء، ثمة تقدير بوجود احتمال صغير لعملية من حزب الله ضد الجنود. فالهدوء في تفشي كورونا سمح للجيش هذا الأسبوع بأن يجري مناورة واسعة النطاق تحاكي القتال ضد حزب الله في لبنان. وقد نفذت مناورة “سهم فتاك”، على مستوى القادة أساساً، وكان هدفها فحص الأوامر والمخططات الجديدة للحرب ضد حزب الله. في الاسم الذي اختير للمناورة تختبئ الفكرة العملياتية: فبالمقارنة مع الحروب والحملات السابقة، يخطط جيش الاحتلال في الحرب المقبلة لاستخدام القوة البرية منذ مراحلها الأولى. وسيلقى بمركز الثقل على الألوية المناورة، كل واحد في منطقته المخطط لها قبالة استحكامات الخط الأول لحزب الله.
أما التغيير المنشود في النتائج الأولية التي حققها الجيش في حرب لبنان الثانية فيركزه جيش الاحتلال على قدرة القوات على العمل بشكل يدمج المناورة البرية مع سلاح الجو بنجاعة أكبر ومع قدرات نارية أخرى، في ظل استنفاد المعلومات الاستخبارية التي تصل حتى مستوى القائد الميداني.
جيش الاحتلال اليوم في ذروة مسيرة تكنولوجية ستسمح في المستقبل للقائد الميداني، وللطيار القتالي، ولمحافل النار المختلفة، ولرجال الاستخبارات، بأن يروا من خلال مساعدات تكنولوجية الصورة القتالية ذاتها. وسيؤدي هذا الرفع للمستوى إلى تحسين مهم في الخطاب المشترك، وفي القدرة على تشخيص العدو الذي يعمل للاختباء تحت الأرض برعاية المناطق المأهولة، لتحسين القدرة على إغلاق الدوائر وضرب العدو بشكل ذي مغزى.
الهدف هو: عندما يحدد قائد السرية في جهازه المساعد التكنولوجي هدفاً، فإنه وعلى الفور سيحصل الطيار القتالي على الإشارة، ويكون بوسعه المهاجمة دون أن يمس بأمن القوات.
في ميدان القتال المستقبلي في لبنان أو في غزة لن يكون النصر بإنجاز بري أو باحتلال أرض، بل بضرب قدرات العدو، ووسائله القتالية، وبناه التحتية العملياتية، وعدد مقاتليه المحيدين. في المواجهات الأخيرة، لم ينجح الجيش الإسرائيلي في التعبير عن الفجوة الهائلة بين وسائله القتالية والتكنولوجية مقارنة بمنظمات إرهابية شبه عسكرية يقيمون قدراتهم على أساس مقذوفات صاروخية وقتال عصابات في مناطق مبنية وفي أنفاق. وكانت النتيجة مواجهات طويلة انتهت دون حسم واضح. يفهم الجيش بأن يجب تغيير هذه المعادلة.