إنّ كلماتٍ تُكتَب في حضرة النبي الكريم “ﷺ” لَهِيَ شرفٌ لكاتبها لا يَعْدِله شرف، فلسنا والله نُكسبه بها مجدًا، فقد حاز “مُحَمَّدٌ” من المجد أعلاه، واستقرّ مقامُه في ذُراه، ولسنا والله نرفع له بها قَدْرًا فقد رفع الله قدْرَه فمدحه وزكَّاه بقرآن يُتلى على مسامع الدنيا آناء الليل وأطراف النهار، فقال سبحانه: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) سورة القلم، آية (4) وإنما المجدُ كُلُّ المجد، والرِفعة كُلُّ الرِّفعة لمن يعطّر كلماته بسيرته العطرة، ولمن يرجو بحُبّه مرضاة الله عزَّ وجلّ، وصَدَقَ شوقي حين قال:
أَبا الزَهراءِ قَد جاوَزتُ قَدْري بِمَدحِكَ بَيْدَ أَنَّ لِيَ انتِسابا
إنّ الكلام عن فضل رسول الله على البشرية كُلِّها ثابت مؤكَّد مُحقَّق، لا ينكره إلا جاحد، ولا يَدّعي عكسَه إلا دَعيٌّ أو صاحبُ هوى، لكنّ ذلك الفضل ثابتٌ لنا – نحن المسلمين- لإيماننا به، مؤكّد لدينا لمعرفتنا بسيرته، ولكن ماذا عن غير المسلمين ممن لا يتحدثون بلساننا ممن لا يعرفون عنه إلا تلك الصورة المشوهة التي يعرضها لهم الحانقون العنصريون ممن لا همَّ لهم إلا تشويه صورة الإسلام ونبيّه؟ كيف نخاطبهم؟ وكيف نجلو لهم الحقيقة؟ من أين نبدأ؟ وما منتهانا فيها ومبتغانا؟ وما سمات الخطاب الذي يُوجَّه إليهم؟ أهو نفس الخطاب الذي ندير دفتيه فيما بيننا أم تُراه مختلفًا عنه؟ وما نوع الاختلاف؟ وما النتائج المرجوة من ورائه؟
ينبغي لنا أن نعترف- بدأة ذي بدء- بأنَّ خطابنا للآخر هو خطاب أعرج، مشوّه، مبتور ومنقوص، يفتقد الرؤية الواضحة، والهدف المحدد، وهو وإن عرف الهدف فقدْ فَقَدَ الوسيلة، فأساء من حيث أراد الإحسان، وأخطأ من حيث أراد الإصابة، ومن ثمّ أضحى لزامًا علينا أن نحدّد وجهتنا وهدفنا من خلال الإجابة عن الأسئلة السابقة، ومن خلال طرح بعض الأسئلة المحددة التي تسير في ركابها، ولتكن نقطة الانطلاق من توجيه الخطاب للآخر في الخارج مع التأكيد على نضجه وسلامته في الداخل؛ إذ لا غنى لأحدهما عن الآخر؛ فهما كجناحي طائر لا يمكن له التحليق بأحدهما إذا أصاب الآخرَ العَطَبُ.
وفي خطابنا للآخر ينبغي لنا أن نحدّدَ أي آخرٍ نريد، ومن أين لنا أن نبدأ؟ وما هي الوسائل والأدوات التي نتخذها زادًا في هذا الطريق الطويل؟ هل نقصد بالآخر الحكومات الغربية؟ أم تُرانا نقصد الشعوب ونجعلها بُغيتنا؟ وهل الخطاب يتوقف عند حدود دولة معيّنة كون شرارة التطاول قد بدأت منها؟ أم أن الدائرة ينبغي أن تتسع لتشمل كل الشعوب الغربية من غير المسلمين؟ وهل يقتصر الأمر على الشعوب الغربية أم أنه يجب أن يكون خطابًا ذا صِبغة عالمية؟ وأي الوسائل والطرق إلى ذلك أنجح في البداية؟ وماذا عن الجاليات المسلمة في البلاد غير الإسلامية؟ ما دورها؟ وما دورنا نحن تجاهها؟
بداية، يمكن القول: إنّ إدراك الأهداف إنما يعتمد على صحة المنطلقات؛ لذا علينا أن ندرك ماذا نريد على وجه الدِّقّة؟ وليكن ذلك بإعادة النظر في تصوراتنا نحن عن تلك الشعوب، هل نَعُدّهم جُناة أم نعتبرهم ضحايا؟ فإن سألتَ: كيف نَعُدّهم ضحايا وقد أساؤوا وتطاولوا واعتدوا؟! وكيف نعذرهم على فداحة جُرمهم؟ قلت لك: إنّنا هنا لسنا قضاة نصدر أحكامًا بالإدانة أو بالبراءة، وإنما نحن بمثابة الطبيب يشخّص الداء كي تتحقق نجاعة الدواء، فيؤدي إلى النتائج المرجوّة منه، فيشفى المريض، وتُزال عِلّتُه، ويُشكَر الطبيب على براعة التشخيص، ونجاعة العلاج.
لعلك الآن بدأت تترسم معي تلك الخطى، وأثق في أنك اطمأننت إلى تلك الغاية التي أريد أن أصل إليها معك، نعم، بالضبط كما توقعتَ أنت تمامًا، أريد أن نجعل بغيتنا تلك الجماهير العريضة، والملايين “المُمَلْيَنة” من هذه الشعوب الغربية الحُرّة الأسيرة، فإن تعجبتَ فسألت: حُرّةٌ وأسيرة معًا؟!! كيف إذن يستقيمان؟! قلت لك على غرار ما تقول العرب: “هذا مربط الفرس” فهي شعوب حُرّة في الظاهر؛ حرة في أن تملأ الشوارع بالتظاهرات ضد غلاء المعيشة، وضد قوانين الخدمة المدنية، حُرة في أمور حياتها الشخصية؛ في زيّها ولباسها، واستجمامها على الشواطئ، حرة في أن تأكل ما تريد، وتشرب ما تحب، لكنّها ليست حُرّة في فِكرها وقناعاتها، ولا في ثقافتها ومرتكزات أيديولوجياتها.. فإن زاد عَجبك – ولك كل الحق- فسألت مستنكرًا: وكيف ذلك يرحمك الله؟ وما تلك السُّجُف التي وُضعتْ على تلك العقول فحَجَبَتْ عنها الحقائق، وأَخْفَتْ عنها نور الشمس الساطعة؟ قلت لك: لو أننا قمنا بدراسة تلك المناهج التي تقدّم لهؤلاء منذ طفولتهم، أو حلّلنا – عبر مراكز بحوث رصينة- مضامين البرامج التلفزيونية والإعلامية التي تقدّم لهم منذ نعومة أظفارهم كما يفعلون مع مناهجنا، ومحتويات برامجنا، لو أننا فعلنا ذلك، أو شيئًا منه على أقل تقدير، مع تقديم حُسن النيّة، وعدم افتراض تدخلهم فيها بل وفرضها في بعض الأحيان، ناهيك عن تقديم برامج أجنبية موازية – مجانا- تحت عنوان [الثقافة] العريض!! لو أننا قمنا بشيء من ذلك لأمكننا منذ عقود مديدة الوقوف على أنماط تفكيرهم، واتجاهاتهم الفكرية التي غُذيت بمفاهيم مغلوطة، و حقائق منقوصة، ولأمكننا تصحيحها، أو لفت الأنظار إلى خطورتها، ولكننا للأسف لم نفعل، بالرغم من ظهور إرهاصات كثيرة لمثل هذه العنصرية البغيضة في أكثر من قُطر، وفي أكثر من دولة على فترات متباعدة أو متقاربة، وضدَّ المسلمين على وجه الخصوص مما ينبئ عن أنها ليست مجرد حوادث فردية، أو تصرفات شخصية منعزلة عن سياق عام يرفض ذلك ويجرّمه، وإنما هي سياسات عامة ممنهجة، وتسير وفق خطوط عريضة مرسومة، وطرق عامة ممهدة؛ لتصل في نهاية المطاف إلى تلك النتائج التي نراها ونلمسها أمام أعيننا الآن من رؤوس تلك الأنظمة، ومن أعلى هرمها السياسي.
إنّ هذه الشعوب قد جري تشكيل وعيها وفق رؤية واضحة، وخطة محددة الأهداف، وليس هذا خافيًا على كثيرين منّا، ولكننا دائمًا ما نقدّم حُسن النيّة، أو ربما لم تشغلنا القضية بِرُمَّتها قَدر انشغالنا بمصالحنا الشخصية المحدودة؛ لذلك ينبغي أن ننظر إلى هذه الشعوب من منطلق الضحية لا الجاني، هذا، إذا كان منطلقنا الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ، وإيصال هذه الرسالة إلى شعوب الأرض جميعًا امتثالًا لقوله تعالى: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل،آية (125) فالأمر بالدعوة ليس مقتصرًا على زمن دون زمن، ولا مكان دون آخر، وإنما هي دعوة ممتدة امتداد السماء، مستمرة استمرار الحياة على وجه هذه الأرض، ولكنّ المعضلة تتمثل في الأدوات والوسائل، والاستعداد لحمل شرف تلك الأمانة.. فإن قلت: وما الحل؟ وكيف نبدأ؟ وما أفضل الأدوات؟ وما دورنا نحن أفرادًا؟ قلت لك: إنّ إدراك حجم المشكلة هو أول خطوة في طريق حلها، وليس الحلّ هنا مجرد “روشتة” يكتبها كاتب مقال متقمًّصًا دور الطبيب، أو يسجّلها مؤلف كتاب، أو حتى داعية من الدعاة، أو مفكّر من المفكرين، فنضعها أمامنا نبراسا نسير عليه، وإنما النبراس الحقيقي هو في فهم هذا الدين الفهم الصحيح أولًا، ثم إطلاق الخيال للابتكار في مجال الدعوة بما يتماشى مع ظروف العصر ومستجداته، وبما يتواءم مع ثقافة كل شعب من تلك الشعوب على حدة، وإياك أن تظنّ أن جدار الوعي الزائف سينهار مع أول ضربة معول، وإياك أن تتخيّل سهولة تغيير تلك الصورة النمطية التي تَربَّى عليها وجدان تلك الشعوب عن الإسلام والمسلمين، وإنما يحتاج الأمر إلى انتفاضة فكرية، ووقفة لتغيير أولوياتنا نحن أولًا قبل أن نطلب منهم تغيير قناعاتهم. لقد كانت تلك الشعوب المقهورة تتمنى الخلاص من جلاديها، وتتوق إلى ذلك اليوم الذي ترى فيه شمس الحرية، فلمّا جاء الإسلام وطرق أبوابها حاول هؤلاء الطغاة حجب أشعة تلك الشمس عن تلك الشعوب؛ كي لا ترى النور، فتعرف حقوقها، وتطالب بها، وقد رأينا ذلك في كثير من البلاد التي كانت ترزح تحت نير الظلم والاستعباد، وكيف أنهم فرحوا بالإسلام أضعاف ما فرحوا بخلاصهم من هؤلاء الطغاة، لِمَا وجدوا في كنفه من رحمة وإحسان، وأمن وأمان؛ لذا ينبغي أن نفرّق في التعاطي مع هذه الأزمة بين الحكومات من جهة، وبين الرعية المحكومة من ناحية أخرى حتى وإن أخطأ بعض أفراد هذه الشعوب نتيجة الشحن الزائد، والثقافة الموجهة ضد كل ما يمت إلى الإسلام بِصلة؛ فهؤلاء أشبه بالمرضى، يحتاجون إلى من يأخذ بأيديهم، ويعرض لهم الإسلام عرضًا صحيحًا عبر فهم ناضج لحدوده ومرتكزاته وأبعاده، ووعي بمقاصده وغاياته، وإدراك لرسالة هذا الدين، وكيف أنه نور وهداية، فيه صلاح الفرد والمجتمع، دنيا وآخرة، وكيف أنّ محمدًا جاء ليتمم بناءً أقامه إخوانه ممن سبقوه من الأنبياء والرسل؛ فلا تعارض في المنهج، ولا اختلاف في الأطر العامة الداعية إلى توحيد الله، وإخلاص العبودية له، وأنّ رسالته “ﷺ” للناس كافة؛ ليتم الله به هذا الدين، وهذا ما أشار إليه النبي الكريم بقوله: “مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ ابْتَنَى بُيُوتًا فَأَحْسَنَهَا وَأَجْمَلَهَا وَأَكْمَلَهَا إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ وَيُعْجِبُهُمْ الْبُنْيَانُ فَيَقُولُونَ أَلَّا وَضَعْتَ هَاهُنَا لَبِنَةً فَيَتِمَّ بُنْيَانُكَ فَقَالَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُنْتُ أَنَا اللَّبِنَةَ” رواه مسلم.
علينا ونحن نعرض هذا الدين أن نختار له من يجيد العرض من ذوي الفهم والتدبر، وقراءة الواقع، ممن يجيدون التعامل مع الآخر بلغاتهم، ومجالات اهتمامهم، وممن لديهم القدرة على الإقناع دون تعصب، والعرض دون تذلل؛ لأنه إنما يعرض عزيزًا كريمًا يستحق من يحمله أن يناله شيء من عزته وكرامته، وأن يركز في عرضه- أول ما يركز- على أنه حامل رسالة، وعارضُ خير، ومُريدُ فلاح وصلاح بمن يوجَّه إليه تلك الرسالة، وأنه لم يأتِ لفرض الإسلام عليه فرضًا؛ “لأن الإسلام نعمة، والنِّعم تُوهَب ولا تفرَض” على حدِّ تعبير أستاذنا الدكتور صابر دياب رفع الله قَدْرَه.
على من يدعو إلى الله – وكلنا مأمورون بذلك حسب المقدرة والاستطاعة- أن يراعي الجانب النفسي لمن يدعوهم، وأن يضع في حسبانه رواسب سنوات وعقود خَلت من بث السموم في قلوب هؤلاء وعقولهم؛ لذا عليه أن يرفق بهم وفق هدي النبي الكريم في دعوته المخالفين المعارضين، مع مراعاة السياقات الثقافية والاجتماعية التي نشأ فيها هؤلاء.. وكلُّ ذلك ليس بالأمر الهيّن، وإنّما يحتاج منّا إلى حمل هذه الأمانة باستعداد ودراسة ودُربة، ووعي لقيمة ما يُحمل، وإدراك لمراميه، فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله “ﷺ” يقول: “نضر الله امرءًا سمع مقالتي فحفظها ووعاها فأداها إلى من لم يسمعها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه”.
وإذا كنا مأمورين جميعا بالدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ فإنّ من الأمانة لهذه الدعوة أن نتسلح لها بالعلم الراسخ، وإلا اقتصرنا في دعوتنا الأمور العامة دون الخوض فيما لا نعلم حتى لا نفسد من حيث أردنا الإصلاح، وليكن هناك أهل التخصص الذين يُلجأ إليهم فيما يستشكل.. أفتحسب أن هذا كلَّه يسير بلا خطط موضوعة، وأهداف مرسومة؟! إن الحرب على الإسلام حرب شعواء ضارية، تسلّح لها أعداء الإسلام بكل ما يستطيعون، وسخروا لها جهودهم وعلومهم واستنفروا لها كلّ طاقاتهم، فكيف لنا أن نجابه ذلك ارتجالًا ودون تخطيط؟!
إنّ نُصرة النبي الكريم فرض واجب على كل مسلم، ولا خير فينا إن لم ننصر نبينا “ﷺ” ولكن كيف ننصره؟ وما وسائلنا وأدواتنا في سبيل تلك النصرة؟ هل نكتفي بمجرد أن نغضب له؟ وما حدود ذلك الغضب؟ وما صوره؟ وما النتائج الإيجابية التي يفترض أن تترتب عليه؟ إنّ المسلم ليؤجَر حتى على الاستنكار بالقلب، وهو أضعف الإيمان، ولكن ينبغي أن يكون تفكيرنا تفكيرًا عمليًا، وألا تكون الغضبة لرسول الله مجرد هَبَّة عاطفية آنية تزول بزوال العارض، وإنما ينبغي أن تكون وفق استراتيجيات مدروسة، وخطط مرسومة؛ كي تؤتي تلك الغضبة أكلها على المدى القريب وعلى المدى البعيد، ويكون ذلك بتفعيل بعض أدوات التعبير عن الغضب، وفي طليعتها سلاح المقاطعة المتسمة بالاستمرارية والديمومة، وأن نخرج من هذه المعركة رابحين لا خاسرين.
المعركة الرابحة:
إن أوجه الرِّبح في هذه المعركة كثيرة متعددة؛ فمنها جوانب الربح الآني، ومنها جوانب الربح على المدى البعيد، ومنها جوانب ربح على مستوى الداخل، وأخرى على الصعيد الخارجي؛ فأمّا جوانب الربح الآني فتتمثل في إيقاظ جذوة الحب في قلوب الأمّة؛ شبابها وشويخها، رجالها ونسائها، وتجديد الولاء لرسول الله “ﷺ” وتوحيد الأمّة على هدف واحد مشترك، وينبغي أن يستثمر ذلك فنُحيي سنة النبيِّ الكريم في قلوبنا وقلوب أبنائنا من الناشئة والشباب، وأن نهتدي بهديه” ﷺ”.
أمّا على المدى الطويل فينبغي أن نعيد النظر في مناهجنا الدراسية في العالم العربي، وأن نجعل هديه الكريم في طليعة هذه المناهج، وأن نرسّخ في نفوس أبنائنا الطلاب حب النبي، والاقتداء به قولًا وعملًا، وأن تُجرَى المسابقات، وتقام الفعاليات التي تعرّف النشء بعظمة هذا النبي، وأنّ حبّه يفوق كل حُبّ بعد حُبّ الله عزّ وجلّ، وأن تُعرَض سيرته بأسلوب عصري مشوِّق، وأن تُستدعى من سيرة صحابته الكرام نماذج من ذلك الحُبّ؛ كي تكون دليلًا على أنّ جملة:” إلا رسول الله” ليست شعارًا بل هي منهج حياة.
وإذا كان ما سبق يتعلق بشؤوننا الداخلية وتعاطينا مع سنّته الغرّاء، فإنّ جوانب الربح على المستوى الخارجي تتمثل في تحديث أدوات الدعوة إلى الله عزّ وجل وأن نُذكّر الجاليات المسلمة في الدول الغربية بأنّ أفضل دعوة إلى الله عز وجل تلك التي يكون عنوانها الخلق القويم، والسلوك المستقيم، وأنّ الأضواء مسلّطة عليهم كوننا – للأسف- قد أصبحنا في موقف المُتَّهم؛ لذا عليهم أن يقدّموا النماذج المشرّفة في التعامل فيما بينهم، وفي التعامل مع غير المسلمين، وأن يضربوا المَثل والقدوة في التعاطي مع شؤون الدين والدنيا، وأن يُبَصَّروا بخطورة الدور الذي يقومون به، فَهُم مرآة للإسلام والمسلمين، بهم يُشار إليه، وعن طريقهم تُفتح صفحات جديدة لقراءة هذا الدين العظيم، ومعرفة جوانب العظمة فيه.
وفي النهاية، ينبغي أن نقف جميعًا في هذه الأزمة صفًّا واحدًا؛ تفعيلًا للمقاطعة، وأن نتراحم ونتواصى فيما بيننا، وأن ندرك أننا في منعطف خطير، فقد كانت الحرب في الخفاء والآن كشفت عن وجهها الكالح فلنكن على بصيرة من أمورنا، وألا نأخذ الأمر على محمل الجدّ أيامًا ثم ننساه شهورًا ودهورًا؛ لأنّ هذه الإساءة لحبيبنا المصطفى ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة؛ لذا وجب أن تتحد الجهود، وأن يساعد بعضنا البعض؛ فإذا قام بعض أصحاب المتاجر برفع تلك البضائع من فوق رفوفهم فلنعرِّف بهم ولندعمهم بالشراء من السلع البديلة من متاجرهم، وَلْيَدْلُ كلّ واحد بدلوه في هذه الأزمة؛ فيكون لنا ما يُسمّى بـ ” بنك أفكار” يُحدَّث باستمرار؛ كي نواكب تلك الحملات المسعورة، ورُبَّ ضارّة نافعة” ولنعلم جميعًا أننا إن نصرنا الله ورسولَه نصرنا الله عز وجلّ، وهذا وعده جلّ في علاه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) سورة محمد، آية (7). فلننصره بكل ما استطعنا، ولا تحتقرنّ عملًا تقوم ولو كان قليلًا، ففي رواية عند أحمد من حديث أبي جري الهجيمي قال: أتيت رسول الله “ﷺ” فقلت: يا رسول الله إنا قوم من أهل البادية فعلمنا شيئا ينفعنا الله تبارك وتعالى به، قال: لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المُستسقي، ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط، وإياك وتسبيل الإزار فإنه من الخيلاء والخيلاء لا يحبها الله عز وجل، وإن امرؤ سَبَّك بما يعلم فيك فلا تسبه بما تعلم فيه فإن أجره لك ووباله على من قال” ولعل خير ختام الإشارة في نهاية الحديث إلى حُسن خلقه “ﷺ” الذي لا يقابل الإساءة بالإساءة، وإنّما يقابل الإساءة بالإحسان..
صلى عليك الله يا عَلَمَ الهُدَى واستبشرتْ بقدومِك الأيَّامُ
هتفتْ لك الأرواحُ من أشواقِها وازّيَّنــتْ بحديثِك الأقلامُ