جاء بيان النيابة العامة المصرية بأنه لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في مقتل ريجيني، ورفض اتهام النيابة الإيطالية لضباط اﻷمن الوطني واعتباره “نتيجة استنتاجات خاطئة لا يقبلها المنطق”، والتشكيك في سلوك ريجيني بأنه “كان غير مألوف”، وتأكيد أن قاتله “قد يكون طرفا مجهولا”، ليطرح تساؤلات حول تداعيات إغلاق مصر الملف ووقف تعاونها بالتالي مع إيطاليا.
تداعيات إغلاق الملف، واتهام أطراف مجهولة بأنها قتلته بهدف تشويه علاقة مصر وإيطاليا، وأن أحدا (مجهولا) قد ارتكب جريمة قتله مستغلا انشغال الأمن المصري يومئذ بتأمين المنشآت، فخطفه واحتجزه وعذبه ليُلصق التهمة بعناصر من الأمن المصري، تتعدى صفقات السلاح الإيطالية لمصر؛ إذ يبدو القرار المصري ردا على إدانة البرلمان الأوروبي (بطلب إيطالي) إدانة مصر والتحريض بوقف المعونات لها ما لم يتم كشف ملابسات القضية ووقف انتهاكات حقوق الإنسان.
كيف سترد إيطاليا والاتحاد الأوروبي؟ وهل تستمر المصالح وصفقات السلاح في إدارة العلاقات المصرية الأوروبية عموما، أم نشهد تغيرا في الإستراتيجية الأوروبية و”سياسية الجوار” ومزيدا من الضغوط والعقاب للقاهرة بالتزامن مع مجيء رئيس أمريكي جديد أكثر اهتماما بحقوق الإنسان في العالم؟
ردود الأفعال
ردود الأفعال الإيطالية حتى الآن تبدو تصعيدية وغاضبة؛ فقد كتب رئيس البرلمان الإيطالي روبِرتو فيكو عبر صفحته الرسمية على فيسبوك تعليقاً على بيان النيابة العامة المصرية حول قضية مقتل ريجيني قائلاً: “مرة أخرى مصر تؤكد على عدم رغبتها في إظهار الحقيقة حول مقتل جوليو ريجيني، مرة أخرى استفزاز غير مقبول. أسباب عدم نية المدعي العام المصري إجراء محاكمة حول اختطاف وتعذيب وقتل باحثنا مخزية. اكذب وأنت تعلم أنك تكذب. لهذا السبب سيعلق البرلمان الإيطالي علاقاته الدبلوماسية مع البرلمان المصري”.
أيضا رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الإيطالي قال لقناة الجزيرة إن “القضاء الإيطالي حدد أشخاصا بعينهم في قتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، وتصريح النيابة المصرية غير مقبول، والقضاء الإيطالي حدد عددًا من المتورطين بقتل ريجيني من بينهم ضباط بالشرطة والمخابرات”.
كما دعت منظمة العفو الدولية لرفض إسقاط السلطات المصرية الدعوى الجنائية في مقتل ريجيني، وقالت إنه “أمر غير مقبول، وندعو روما لرفضه”.
أهم ما قالته النيابة المصرية
قالت النيابة العامة المصرية بأنه لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في مقتل ريجيني، واعتبرت اتهامات النيابة الإيطالية لضباط اﻷمن الوطني المصري بقتل ريجيني “نتيجة استنتاجات خاطئة لا يقبلها المنطق”، وقالت إنها حققت فيما أثارته سلطة التحقيق الإيطالية تجاه أربعة ضباط وفرد شرطة من “قطاع الأمن الوطني”، وانتهت إلى استبعاد كل ما نُسب إليهم، وتبينت أن الشبهات قِبَلهم جاءت نتيجة استنتاجات خاطئة لا يقبلها المنطق، ولا توافق القواعد القانونية المستقرة.
النائب العام المصري قال في بيانه إن مجهولًا استغل ريجيني وقام باختطافه وتعذيبه لإلصاق التهمة بالأمن المصري، وإن النيابة العامة المصرية تلقت أربعة طلبات من نيابة روما واستجابت للعديد مما ورد فيها، “ولم نستجب إلى طلبات محددة؛ وذلك لتعذر تنفيذ بعض هذه الطلبات فنيًّا، ولانتهاك البعض الآخر منها حرمة الحياة الخاصة لكثير من المواطنين المصريين”.
النيابة المصرية قالت أيضا إن “سلوك ريجيني كان غير مألوف، وتحركاته لم تكن خافية على أحد، وقد استغل ذلك مجهول، واختار يوم 25 يناير 2016 لخطف ريجيني وقتله لعلمه بانشغال الأمن المصري يومئذ بتأمين المنشآت، فخطف المجني عليه واحتجزه وعذبه ليُلصق التهمة بعناصر من الأمن المصري”، وتأكدنا من وجود أطراف معادية تسعى للوقيعة بين مصر وإيطاليا.
ماذا يعني قرار مصر؟
ملخص بيان النيابة العامة المصرية معناه اعتبار مصر أن جوليو ريجيني كان له نشاط مشبوه ويحرض الباعة الجائلين وأنها كانت تراقب تحركاته ومع هذا لم تراقب خطفه وقتله.
ومعناه تأكيد النيابة أن الخمسة الذين قتلهم الشرطة المصرية في الميكروباص واتهمتهم بالاستيلاء على متعلقات ريجيني هم فعلا عصابة سرقة بالإكراه، وهم من سرقوا متعلقات ريجيني، لكن الشرطة أفرطت في استخدام القوة وقتلهم، وهناك تحقيق سيعلن عنه لاحقا بخصوص واقعة مقتل هؤلاء الخمسة ومدى تجاوز الشرطة معهم.
معني بيان النيابة المصرية أيضا أن ضباط الأمن الوطني أبرياء من اتهام إيطاليا لهم بتعذيبه وقتله، وأنها لا تعرف من خطف وقتل ريجيني لأن الشرطة كانت مشغولة لحظة خطفه في تأمين المنشآت الحيوية في 25 يناير 2016، رغم توضيح النيابة ضمنا أنه كان يجري رصد تحركات ريجيني بسبب البحث الذي كان يجريه مع العمال وتحريضهم على الثورة، دون القدرة على رصد خاطفه وقاتله.
حيث قال البيان: “كانت التحقيقات قد أثبتت تحدث المجني عليه إلى الباعة الجائلين عن نظام الحكم في مصر، مؤكدًا لهم أن بيدهم تغيير الأوضاع فيها أسوة بما حدث في دول أخرى”.
معنى القرار المصري أيضا أنه لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في قضية مقتل جوليو ريجيني، لعدم معرفة الفاعل، مع تكليف جهات البحث بموالاة البحث لتحديد الفاعل، وذلك بعد نحو خمس سنوات على بداية تحقيقات النيابة في القضية.
ويبقي السؤال: كيف سترد إيطاليا والاتحاد الأوروبي؟ وهل ستكتفي برفض البيان المصري أم تطالب بعقوبات أوروبية؟ وهل تستمر لغة المصالح وصفقات السلاح في إدارة العلاقات المصرية الأوروبية عموما، أم نشهد تغيرا في الاستراتيجية الأوروبية و”سياسية الجوار” ومزيدا من الضغوط والعقاب للقاهرة بالتزامن مع مجيء رئيس أمريكي جديد أكثر اهتماما بحقوق الإنسان في العالم؟
هل ستقتنع نيابة روما أن مبرر عدم تنفيذ بعض طلباتها هو الحرص على “حرمة الحياة الخاصة للمواطنين المصريين، وعدم مخالفة القواعد الأساسية لحماية حقوق الإنسان وفقًا للصكوك والمواثيق الدولية”، وهي تعلم أن النظام في مصر يمارس انتهاك الحياة الخاصة للمصريين، كما يقول الحقوقي بهي الدين حسن؟