جرت عقارب الساعة لتعلن نهاية عامٍ وبداية آخر، وكل دَقة على الأرض الأفريقية السمراء في العام الماضي كانت تحمل معها جديداً، وأحداثاً متسارعة تنطوي على الكثير من السيناريوهات والتوقعات، آمال وتحديات، صراعات ومنافسات، اتحاد ونزاع، تنمية ونهضة، ولا تزال القارة الأفريقية شابة سمراء، يلوح في عينيها مستقبل واعد، ومع هذا ينتظرها تحديات فارقة على كافة المستويات في عامها القادم.
أفريقيا في العام الجديد 2021م، بين التحديات والطموحات، والآمال والآلام؛ ترصدها «المجتمع» في هذا التحقيق.
شهدت القارة الأفريقية في العام الماضي (2020م) الكثير من الأحداث والتحولات السياسية، حيث تم الانتقال السلمي للسلطة في عدد من الدول الأفريقية، كما شهدت دولٌ أخرى انقلابات عسكرية، وتعرضت بعض المناطق الحدودية للنزاعات والاشتباكات المسلحة، كما نشبت نزاعات داخل البلد الواحد منذرة بحرب أهلية، وذلك في ظل عام كان يضج بانتشار وباء فيروس كورونا، الذي طال أفريقيا كما طال غيرها، ليضع القارة أمام تحديات جديدة.
وفي العام الماضي زادت التدخلات الخارجية والصراعات الدولية على الأراضي الأفريقية، سواء بدخول لاعبين جدد أم زيادة توغل لاعبين قدماء.
القارة أحرزت نجاحات رغم التحديات فشهدنا انتقالاً سلمياً للسلطة بمالاوي وانتخابات ناجحة ببعض الدول
وبالنظر إلى أفريقيا في عام 2020م، يحدثنا حكيم نجم الدين، الباحث النيجيري المتخصص في الشؤون الأفريقية، قائلاً: إن القارة أحرزت الكثير من النجاحات رغم التحديات السياسية، حيث شهدنا انتقالاً سلمياً للسلطة في مالاوي، وانتخابات ناجحة في بوروندي، وبوركينا فاسو، وتنزانيا، وغانا، كما أن الانقلاب العسكري الذي حدث في مالي كان إيجابياً؛ لأنه جاء في وقت انسداد الطريق بين الرئيس أبوبكر كيتا والمعارضة، مع احتمال انزلاق البلاد إلى العنف، كما حمل عام 2020م مزيداً من المشاركات الشبابية في العملية السياسية، خاصة في أوغندا، بينما أثبتت احتجاجات أكتوبر في نيجيريا أن أصوات الشباب مؤثرة، حيث طالبوا حكومتهم بالتنفيذ الفوري لقضية فرقة مكافحة السرقة والجرائم الشرطية (SARS)، وإصلاح وكالة الشرطة، وقد استجابت الحكومة لمطالبهم.
وقال نجم الدين لـ”المجتمع”: إن أزمة كورونا أكّدت أن الحكومات الأفريقية قادرة على إثبات فعاليتها إن أرادت ذلك، نظراً لتعاملها الموفّق مع تفشي الوباء وسياساتها الصارمة لاحتوائه، ومحاولات تخفيف العبء المعيشي عن المواطنين، حيث أكدت التقارير الإعلامية الغربية أن نجاح أفريقيا في التعامل مع أزمة كورونا تُخيب التوقعات السلبية المسبقة؛ بسبب ما أسموه ضعف “البنية الصحية” فيها.
وأضاف أن الكثير من الدول الأفريقية تمكّنت من استكمال عدد من مشاريعها في تحسين البنية التحتية، كما هي الحال في كينيا، وأوغندا، ونيجيريا، وغانا، وناميبيا، وأنجولا.
أفريقيا ليست بحاجة إلى المساعدات الخارجية بقدر حاجتها إلى قيادة جيدة وحكومة رشيدة
بينما قال د. أبو بكر إبراهيم، مدير تحرير دورية “أفريكا فوكس” بالخرطوم، الأستاذ بجامعة قطر، لـ”المجتمع”: إن العام 2020م شهد تعثر الانتخابات التي كانت مقررة في عدد من الدول الأفريقية؛ بسبب جائحة كورونا، ولعل الحالة الإثيوبية كانت الأكثر خطورة وتعقيداً؛ فقد أفضى تأجيل آبي أحمد الانتخابات إلى تفاقم الأمر بإعلان الحكومة الحرب على إقليم التيجراي، وليس واضحاً كيف سيكون أثرها على استقرار إثيوبيا.
وعن السودان، أضاف إبراهيم أن عام 2020م شهد توقيع اتفاقية سلام بين الحكومة الانتقالية والفصائل المسلحة المنضوية تحت لواء الجبهة الثورية، وقد نصت الاتفاقية على 8 بروتوكولات، تتعلق بالعدالة الانتقالية والتعويضات، وملكية الأراضي، وتطوير قطاع المراعي، وتقاسم الثروة والسلطة، وعودة اللاجئين والنازحين، وقد تفاوتت وجهات النظر حول الاتفاقية، ما بين وصفها بالانقلاب الناعم على الشريك المدني في الحكومة الانتقالية، والنظر إليها على أنها فرصة لتعبيد مسيرة السلام في السودان، كما تُوجت جهود الحكومة الانتقالية بشطب اسم السودان رسمياً من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
الربيع الأفريقي لم يُحقق الأهداف المرجوة منه بسبب تقاطعات دولية وعدم نضج النخب السياسية
الربيع الأفريقي.. تَعـثُّر التغيير:
خلال العقد الماضي، قامت كثير من الثورات والاحتجاجات داخل القارة الأفريقية، مُطالبة بالتغيير، وظهر ذلك تحت اسم «الربيع الأفريقي»؛ ما أدى إلى طرح كثير من الأسئلة عن ثمار هذه الاحتجاجات ومدى تَحقُّق أهدافها.
في هذا الصدد، تقول د. أماني الطويل، مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، لـ»المجتمع»: إن «الربيع الأفريقي» بشكل عام لم يُحقق الأهداف المرجوة منه؛ وذلك بسبب تقاطعات دولية، وعدم نضج النخب السياسية؛ ما أسفر عن صفر مكاسب، ومثال ذلك ليبيا في شمال أفريقيا التي أسفر فيها الربيع عن صراعات سياسية ومسلحة، وتدخلات إقليمية ودولية، وتم تدويل الوضع الليبي؛ مما ساهم بتحديات كبيرة للأمن القومي الليبي ولدول الجوار.
وعن التجربة الإثيوبية، أضافت الطويل أن اتجاهات آبي أحمد ساهمت بشكل أو بآخر في تقويض نتائج احتجاجات عام 2014 – 2016م، التي أسفرت عن اتفاقات سياسية لتحقيق تطور ديمقراطي، ولكن آبي أحمد ضرب بها عرض الحائط بإلغاء الحزب الحاكم واستبدال حزب «الازدهار» به.
أما بالنسبة لمصر، فترى الطويل أنه تم التركيز على الحقوق الاقتصادية والبدء في مشروعات تنموية، بينما تم تجاهل الحقوق المرتبطة بالحريات العامة، وبالتالي نستطيع أن نقول: إن دولة التنمية الشاملة على المستوى الإنساني والاقتصادي، ودولة المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية لم تتحقق، وبالتالي ما أنجزه «الربيع الأفريقي» هو صفر كبير! على حد قولها.
الفرصة الأساسية أمام القارة اليوم تصنيع مواردها الأولية وألا تُباع بأسعار بخسة
صراعات دولية.. وتحديات أفريقية:
تواجه القارة الأفريقية مجموعة من التحديات السياسية في بداية العام الجديد (2021م)، خاصة أن كثيراً من مناطق القارة تشهد وجوداً دولياً مكثفاً، واضعة الدول الأفريقية أمام تحدي التدخلات الخارجية، والصراعات على أراضيها.
وفي هذا السياق، يقول د. أبو بكر إبراهيم، لـ»المجتمع»: إن أفريقيا لم تعد تولي وجهها قِبل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة فحسب، فثمة لاعبون دوليون اليوم في المشهد الأفريقي، خاصة الصين وروسيا وكوريا الجنوبية، ولعل اللافت أن عام 2020م لم يشهد الكثير من الشراكات في العلاقات الأوروبية الأفريقية، خلافاً للعلاقات الخليجية والتركية، التي شهدت تعزيزاً واضحاً على المستويين الدبلوماسي والاستثماري، ولعل هذا ينبه النخب الأفريقية إلى أهمية تحرير المصالح المشتركة مع الآخرين؛ لتجنب الانزلاق في خلافات الشركاء.
وأضاف أن القارة لا يمكنها أن تنخرط مع دول خارجية في شراكات بناءة؛ ما لم تتوقف تلك الدول الخارجية عن التدخل في الشؤون الأفريقية.
مسألة الاندماج الوطني من أهم التحديات المؤثرة على عملية بناء مؤسسة الدولة
وفي هذا الصدد، يرى حكيم نجم الدين أن أبرز التحديات السياسية وجود مسؤولين سياسيين يربطون بقاءهم في السلطة ونفوذهم الإقليمي بمساعدات من قوى أجنبية؛ كفرنسا والصين والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وهم بهذا ضعفاء في استغلال الآليات الأفريقية المتاحة لهم لتلبية حاجات مواطنيهم، وأضاف نجم الدين أن أكبر التحديات في دول حوض النيل والقرن الأفريقي هو صراع النفوذ بين دول الخليج وتركيا في المنطقة، وأزمة «سد النهضة» التي ما زالت جارية؛ رغم أنه يمكن حلها باستغلال المنصات الأفريقية كالاتحاد الأفريقي والتكتلات الإقليمية لتقريب وجهات النظر ومعالجة النقاط الشائكة، كما تفاقمت الأزمة الدبلوماسية مؤخراً بين الصومال وكينيا.
وفيما يخص الداخل الأفريقي، أكد نجم الدين أنه برغم الإنجازات على المستوى السياسي، فإن هناك تحديات سياسية أمام بعض الدول الأفريقية، خاصة بإنفاذ الحد الدستوري للرئاسة، وإنهاء ثقافة تمديد الفترة الرئاسية التي دائماً ما تخلق عدم الاستقرار وفقدان الثقة في الحكومة من قِبل المواطنين، كما هي الحال في غينيا وساحل العاج.
القارة لا يمكن أن تنخرط مع دول خارجية بشراكات بناءة ما لم تتوقف عن التدخل بالشؤون الأفريقية
التجمعات الاقتصادية.. وتحديات البقاء:
تم إقامة تجمعات متعددة في شتى أنحاء القارة، تهدف إلى تنظيم التعاون بين دول القارة السمراء، ودعم التوجه نحو التكامل، ومن بين هذه التجمعات مجموعة شرق أفريقيا (EAC)، التي تأسست عام 1999م، وتضم 6 دول في شرق أفريقيا، هي: تنزانيا، وكينيا، وأوغندا، وبوروندي، ورواندا، ثم انضمت جنوب السودان بعد انفصالها عن السودان، واتخذت دول شرق أفريقيا مجموعة من الأهداف، منها: تعزيز التعاون على أساس العلاقات التاريخية والتفاهم المشترك بين الدول الأعضاء، والتأكيد على أن قطاعات النقل والاتصالات والتجارة والصناعة والهجرة والأمن هي من أولويات التعاون بين دول المجموعة.
وتواجه “مجموعة شرق أفريقيا” تحديات تهدد قدرتها على تحقيق أهدافها، في هذا الصدد، يقول د. ريتشارد موبندا، أستاذ العلوم السياسية بجامعة دار السلام بتنزانيا، لـ “المجتمع”: إن مجموعة شرق أفريقيا لديها القدرة على أن تصبح كتلة حيوية في أفريقيا؛ بسبب إمكاناتها في الموارد الطبيعية وعائد السكان، كما أن لديها العديد من الفرص للاستثمار، والعديد من الإمكانات غير المُستغلة مثل النفط والغاز والأراضي وبعض المعادن الإستراتيجية.
وأضاف موبندا أن التكامل الاقتصادي يواجه بعض التحديات، منها:
أولاً: عدم الاستفادة من السوق الضخمة التي تمتلكها؛ من خلال التخصص في صنع المنتجات الصناعية التي تتميز بها الدولة العضو، حتى تتمكن من توفير السلع للمنطقة بأكملها.
ثانياً: تعاني الكتلة الإقليمية من انعدام الثقة منذ أزمة عام 1977م، التي أدت إلى انهيار مجموعة شرق أفريقيا الأصلية، ويبدو عدم الثقة هذا واضحاً في عصر “كوفيد 19”، حيث فشلت البلدان في وضع إستراتيجية إقليمية للتخفيف من الآثار الاجتماعية والاقتصادية لفيروس “كورونا”.
وأخيراً، فإن الكتلة لا تزال تضعف بسبب الولاء المنقسم، حيث إن أعضاء “مجموعة شرق أفريقيا” (EAC) هم أيضاً أعضاء في “مجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية” (SADC)، وأعضاء في “الكوميسا”، ومن الصعب على الدول أن تخطط في ترتيبين مختلفين، لذلك سيكون الخيار الأفضل هو دمج “EAC” و”SADC” و”الكوميسا”.
أيضاً من ضمن التجمعات الأفريقية المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس)، التي تم تأسيسها عام 1975م، وتضم حالياً: بنين، بوركينا فاسو، الرأس الأخضر، غامبيا، غانا، غينيا، غينيا بيساو، ساحل العاج، ليبيريا، مالي، النيجر، نيجيريا، السنغال، سيراليون وتوجو، ولم يتوقف دور “الإيكواس” على التكامل الاقتصادي، والتنوع العرقي والثقافي، بل تعزز نجاحها في مبادرات سياسية متعددة، شملت عمليات حفظ الأمن والسلام في بعض الدول الأعضاء في أوقات الصراع السياسي والاضطرابات، وكان الحلم الأكبر لهذه المنظمة هو إطلاق عُملة موحدة، تتحرر بها تدريجياً من سيطرة فرنسا، وهو ما حدث في يونيو 2019م، عندما أعلنت “إيكواس”، في بيان، أنها وافقت على اسم “إيكو” للعملة الموحدة المراد استخدامها للدول الأعضاء في الكتلة.
وتعليقاً على هذا الأمر، يقول الباحث النيجيري حكيم نجم الدين عن مجموعة “الأكواس”: كانت هناك خطة مرسومة لتحقيق تكتل اقتصادي وإطلاق عُملة قوية، لكنها لم ترَ النور بعد، لوجود رؤساء يفضّلون العمل مع مستعمريهم السابقين أكثر من استعدادهم للعمل مع إخوانهم وأقرانهم الأفارقة، وإذا كان الهدف الأساسي من عملة “إيكو” الغرب أفريقية هو الاستقلال الاقتصادي، فكيف لرئيس دولة داخل التكتل أن يوقع اتفاقية مع فرنسا لإدخال التكتل الجديد تحت هيمنة أوروبية، دون مشاورة مسبقة مع زملائه في التكتل، أو دون المبالاة بعواقب الاتفاقية على مستقبل الاقتصاد في نيجيريا؟
النزاعات الحدودية يتم توظيفها من قبل تجار السلاح على نحو يزيد من تدهور الأوضاع الأمنية
أفريقيا.. ومؤشر الإرهاب العالمي:
صدر في نوفمبر 2020م النسخة الثامنة من تقرير «مؤشر الإرهاب العالمي» الذي يُصدره «معهد الاقتصاد والسلام»، وكانت الدول الأفريقية التي ركَّز عليها التقرير هي البلدان الـ18 التي حدَّدها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وصُنفت الدول إلى 3 مجموعات، هي: دول البؤرة (ليبيا والصومال ونيجيريا ومالي)، دول الانتشار (بوركينا فاسو والكاميرون وتشاد وإثيوبيا وكينيا وموريتانيا والنيجر وتونس)، والدول المعرَّضة للخطر (جمهورية أفريقيا الوسطى والسنغال وتنزانيا وأوغندا والمغرب والسودان)، كما ذكر التقرير حجم الخسائر الاقتصادية نتيجة الإرهاب بين المناطق المختلفة، وقُدِّرت الخسائر الاقتصادية للإرهاب في أفريقيا على مدى العقد الماضي بنحو 171.7 مليار دولار.
وعن مؤشر الإرهاب لعام 2020م، يقول نجم الدين لـ»المجتمع»: إنه لا يحبّذ التقرير الصادر لدواعٍ كثيرة؛ منها طريقة تصنيفه للدول الأفريقية، وبعض المصطلحات أو التعريفات المستند إليها، ومع ذلك يُلاحَظ أنّ التقرير أكد تحسّن دول أفريقية فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، وتراجع نسبة الهجمات الإرهابية، وانخفاض الآثار الاقتصادية الناتجة عنها، ومن بينها نيجيريا، بينما تشهد دول أخرى ارتفاع الأنشطة الإرهابية مثل بوركينا فاسو، ومالي، وموزمبيق.
أيضاً تعاني الدول الأفريقية من انتشار للنزاعات الحدودية والحروب الأهلية التي تفضي لخسائر بشرية واقتصادية، في هذا الصدد يؤكد د. أبو بكر إبراهيم أن النزاعات الحدودية يتم توظيفها من قبل تجار الحرب والسلاح على نحو يزيد من تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية، بحيث يوظف مثلاً في خلق رأي عام يتقبل حكم العسكر بوصفهم الأقدر على حماية السِّلم، أو تُوظف لتمرير اختراقات في آلية صناعة القرار السيادي؛ عندما تتواطأ بعض القيادات السياسية مع مصالح دول خارجية نظير منافع شخصية، والمؤكد أن تلك النزاعات عالية التكلفة إنسانياً وسياسياً، وأنها تزيد دول القارة فقراً وتخلفاً وتهجيراً.
قد يكون النزوح الداخلي مشكلة دائمة لأن بعض الجهات الفاعلة لديها مصلحة في استمرارها
وتضيف د. أماني الطويل، لـ»المجتمع»، أن البيئة الأفريقية تعرضت لاستعمار أسفر عن تقسيمات حدودية تم هندستها على أساس أن يكون في كل بلد انقسامات عرقية، وليس تكامل عرقي أو ديني أو ثقافي، فتم تقسيم قبائل وقوميات لتتشارك فيها الدول، وبالتالي لم يكن الاندماج الوطني متاحاً، مضيفة أن هذا الانقسام بكل أنواعه ساهم في ضعف مؤسسة الدولة في أفريقيا؛ لذلك تعتبر مسألة الاندماج الوطني من أهم التحديات الأساسية المؤثرة على عملية بناء مؤسسة الدولة، حيث يؤثر على قدراتها وفعاليتها في إدارة المشكلات الداخلية.
وتتسبب هذه الحروب والنزاعات بمشكلات جذرية للقارة الأفريقية، من ضمنها مشكلة النزوح والهجرة، حيث يؤكد د. ريتشارد موبندا أن النزوح الداخلي والهجرة ستظل من قضايا الساعة في أفريقيا، وقد لا يتم حلهما في المستقبل القريب لأسباب عديدة؛ أولاً: لا تزال الاضطرابات الداخلية تمثل مشكلة في بعض البلدان، مثل بوروندي والصومال وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ثانياً: تتطلب الإدارة السليمة للمهاجرين وخاصة اللاجئين التزاماً وتعاوناً من البلد المضيف، وبلد المنشأ، والمجتمع الدولي.
وأضاف موبندا أن البعض قد يرى أن الحل الأكثر ديمومة هو منح الجنسية لبعض اللاجئين، فمثلاً تعهدت تنزانيا بمنح الجنسية لبعض اللاجئين البورونديين والصوماليين والكونغو الديمقراطية، لكن هذا الالتزام لم يحظَ بالدعم المناسب من المجتمع الدولي لتمويل عملية الاندماج! وهناك الكثير من الجهات الفاعلة غير ملتزمة بإيجاد حل دائم للنزوح الداخلي ومشكلة اللاجئين لأنهم يستفيدون منها، وعليه قد يكون النزوح الداخلي وعواقبه مشكلة دائمة؛ لأن بعض الجهات الفاعلة الرئيسة لديها مصلحة في استمرارها.
الفرص الواعدة في العام الجديد:
رغم كل التحديات التي تواجهها أفريقيا، فإن المتخصصين والمحللين أكدوا وجود فرص يانعة أمام القارة، وفي ظل المتغيرات العالمية، فإن استغلال هذه الفرص من خلال القادة الأفارقة يمكن أن يشكل تغييرات حاسمة في مستقبل التنمية الأفريقية.
وعن الفرص أمام أفريقيا في العام الجديد، قال حكيم نجم الدين، لـ»المجتمع»: إن قادة أفريقيا عليهم استغلال ثروة شبابها؛ لأنها قارة شابة من حيث عدد السكان، ويجب عليهم التوجه نحو التصنيع بالاستثمار في التعليم والتكنولوجيا؛ لتعزيز الاستفادة من الموارد الطبيعية والمواد الخام لصالح تنمية أوسع، وتقليل نسب البطالة بين المواطنين، وأضاف أن أفريقيا ليست بحاجة إلى المنح والمساعدات الخارجية بقدر حاجتها إلى قيادة جيدة وحكومة رشيدة، مع ضرورة ربط التحديات القائمة بالمشاريع المنفذة والأعمال الجارية على أرض الواقع، وعلى قادة أفريقيا أن ينفّذوا ما تعهّدوا به.
بينما يعتقد د. أبوبكر إبراهيم أن القيادة السياسية وصناع القرار في أفريقيا عليهم الاستثمار في تكوين مراكز لدراسة تجارب الاستثمارات التنموية مع شركاء من خارج القارة، سواء في مجال تطوير البنية التحتية، أو استخراج المعادن أو غيرها، وتقييم المخرجات وانعكاساتها والآثار التنموية الملموسة، وتعزيز الشفافية في كل ما يعود بالنفع والاستقرار على دول القارة وشعوبها.
وفي هذا الصدد، صرحت د. أماني الطويل، لـ «المجتمع»، أن الفرصة الأساسية أمام القارة الأفريقية اليوم هو تصنيع مواردها الأولية، وألا تُباع تلك الموارد بأسعار بخسة، فلا يُعقل أن يكون موطن الشوكولاتة هو سويسرا بينما زراعته في أفريقيا! ونقيس على ذلك كل شيء، خاصة أن إمكانية أفريقيا الزراعية كبيرة، وتستطيع أن تبني عليها في قطاع الصناعات الغذائية على الأقل، لذلك التصنيع في أفريقيا هو الفرصة الذهبية للقارة، وليس اقتصاد الخدمات والتجارة؛ الذي نلحظه قطاعاً صاعداً بفعل الاستثمارات الأجنبية وتوجهات الأجندات الغربية في أفريقيا.
وأضافت الطويل أن دور الشركات العابرة للجنسيات في أفريقيا يجب الاهتمام به بحثياً؛ لأن دور هذه الشركات في رشوة النخب الحاكمة للحصول على الموارد الطبيعية للقارة بعوائد غير عادلة يعيق قدرات القارة على المستوى التصنيعي، وهي مسألة أساسية في الحالة الراهنة التي تعانيها مؤسسة الدولة في أفريقيا؛ من حيث عدم الفاعلية، وعدم القدرة على إدارة الملفات الداخلية خاصة فيما يتعلق بالنزاعات المسلحة.
وختاماً، لا تزال القارة السمراء تحمل كل جديد، وتُخبئ تحت أنهارها وصحاريها وغاباتها المفاجآت، وهناك عيون أفريقية يملؤها أمل الاستقرار، تشدو بغد أفضل ونهضة قريبة في العام الجديد.. فهل يستجيب القدر؟
_____________________________________________________
(*) صحفية مهتمة بالشأن الأفريقي