ها نحن نكمل حديثنا حول إتقان العمل والإخلاص فيه.
نحن المسلمين قدوتنا في الإخلاص والإتقان؛ عملاً وقولاً وحركة وسكوناً، رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام الذين استقوا الدين والأخلاق والعمل بإتقانه من حبيبهم عليه الصلاة والسلام، والعمل في ديننا الحنيف وسيلة للرزق الحلال، والعمل يجب أن يكون في الحلال ليكون الرزق أيضاً حلالاً كما أمرنا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، والدين قد زكَّى العمل باليد، وأنه من أفضل الحلال الذي يسترزقه الفرد أو العبد لله المسلم، وتأمرنا الدعوة أو الدين إلى عدم التواكل والكسل، ويأمرنا بالانطلاق حركة وتنقلاً لطلب العمل والرزق، ولا بد من استشعار المسلم مراقبة الله تعالى فيما أحل وما حرم في هذا المجال العملي أو ذاك، وفي ذلك يؤجر المسلم إضافة إلى رزقه أجراً عظيماً من الله تعالى، ما دام المسلم يؤدي عمله بإخلاص لله سبحانه، وهذا الأجر في العمل لا يأتي بسبب الإنجاز فقط أو انتفاع الإنسان منه فقط، بل حتى الطير والحيوان كما بيَّن ذلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: “ما من مسلم يغرس غرساً، أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة”، ولا شك أن الإتقان والإخلاص في العمل متلازمان كما هو معلوم في العمل، ولا يقبله الله تعالى إلا أن يخلص العبد العمل له وينقيه من الرياء والغش والسمعة بقصد السمعة.
إتقان العمل فرض، وعمل المسلم عبادة، ولكن الأصل أن تصح فيه النية، والإنسان مكلَّف بعبادة الله تعالى، وهذه العبادة لا بد أن يؤديها المسلم بإتقان وإخلاص، والإنسان المسلم السوي الكيّس الفطن لا يكفيه عبادة الله وترك العمل، بل لا بد أن يعمل بنشاط وهمة كبيرة لينال أجره الدنيوي الذي يقابل عمله، وهناك الأجر الكبير من الله الأكبر جل جلاله.
لقد اهتم الدين بالعمل باليد والمهمة التي يبذل المسلم فيها الجهد من أجل العيش (لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ) (يس: 35)، والآية شاملة هنا في عمل الإنسان بيده زراعة، وسقاية، واهتماماً، وإتقاناً، وحصاداً، وتجارة ما بعد حصاده، والإسلام دين عظيم، اعتبر العمل في مصاف الجهاد، ينال فيه المسلم المتقن المخلص ما يناله المجاهد في ساحات المعارك والقتال، وهناك قصة الشاب الذي أثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث رأى الصحابة شاباً قوياً يسرع إلى عمله فقالوا: لو كان هذا في سبيل الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تقولوا هذا فإنه إن كان خرج يسعى على ولده فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان”، لقد أشار القرآن في كثير من الآيات مبيناً مواضع العمل والصناعات التي من الممكن أن يعمل فيها الإنسان وينتج ويؤجر عليها في الدنيا والآخرة إذا أخلص وأتقن عمله، قال تعالى مبيناً ميدان العمل في الحديد وصناعته: (وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) (الحديد: 25)، وقال تعالى: (وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً) (الأعراف: 74).
فالعمل كرامة للإنسان وأجر من الله في الدنيا والآخرة، بشرط ألا يكون هذا العمل فيما حرمته الشريعة؛ مثل أكل الربا وصناعة المحرمات كالخمور والمسْكرات، وزراعة ما هو أخطر من ذلك كالمخدرات والحشيش، ومثل غسيل الأموال والرشى، والرسول صلى الله عليه وسلم حينما يأمرنا بإتقان العمل، يعني به أي عمل كبر أم صغر، فالإتقان في الوضوء والحج، والتحري لمستحق الزكاة والصدقة، وإتقان الصلاة، “صلوا كما رأيتموني أصلي”، إتقان الصوم بحفظ النية فهماً بشرع الصيام، ومن ثم الجوارح، وإتقان القول، وسماع القول الحسن واتباع أحسنه.
________________
إعلامي كويتي.