عشرون عاما مضت على احتلال الأمريكان لأفغانستان، دكت فيها البلاد وآذت العباد، نهبت من خيراتها الكثير، وبذلت من أجل ذلك المال الوفير، فرقت الشعب الأفغاني أشتاتا، وجندت من العملاء آلافا، لكن ذلك لم يفتّ في عضد المجاهدين، الذين ثبتوا على طريق المؤمنين السابقين؛ فبقيت على الزناد أيديهم، ورنت إلى السماء عيونهم، اعتصموا بحبل الله المتين، وتمسكوا بمنهجه القويم؛ فكان النصر حليفهم والتمكين، وإن في ذلك لدروسا وعبرا للمتفكرين، نذكر ثلاثة منها بعون الله -ناصر المستضعفين وقاهر الطغاة المستبدين- فيما يأتي:
أولا- حتمية انتصار الإيمان على الطغيان:
إن الله تعالى لا يرضى الظلم ولا يحب الظالمين، واقتضت حكمته أن ينصر عباده المستضعفين المظلومين إذا أدوا ما عليهم من واجبات، وتمسكوا بصراط الله المستقيم، واجتنبوا الظلم والبغي والعدوان، قال تعالى: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص: 5-6]، وقال: {إنّ اللهَ يدافعُ عنِ الذينِ آمنوا إنّ اللهَ لا يحبّ كلّ خوّانٍ كفورٍ * أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّه عَلَى نَصْرهمْ لَقَدِير} [الحج: 38].
إن القوة المؤثرة الوحيدة في هذا الوجود، والمهيمنة على كل قوة، هي قوة الله تعالى، وإن قوته لن تكون إلا مع المؤمنين، ولو كانوا مجردين من مظاهر القوة الخارجية في الدنيا، فمن كانت قوة الله معه فلا خوف عليه، ومن كانت عليه فلا أمن له، وإن حاز من أسباب القوة الدنيوية ما حاز، وقد أرانا الله تعالى في انتصار طالبان على الأمريكان في أفغانستان هذه الحقيقة بكل وضوح.
ثانيا- الحرية تنتزع انتزاعا:
إن الحقوق لا يمنحها الظلمة والمستبدون لمستحقيها، ولكنها تنُتزع منهم انتزاعا، ولن يضيع حق وراءه مطالب، وثبت عبر التاريخ أنه لن يؤبه لمَطالب صاحب الحق إن لم يتسلح بأسباب القوة، ويتمسك بحقه ويورثه جيلا بعد جيل؛ فالعالم لا يحترم إلا الأقوياء، والتمسك بالحق قوة، ولقد استمر جهاد الأفغان من عهد الأجداد إلى الأحفاد، وواجه جميع المحتلين من إنجليز وسوفييت وأمريكان، ومن حلفائهم في الداخل والخارج، فما لانت لهم قناة، وتمسكوا بجهادهم وحقوقهم حتى أظهرهم الله على عدوهم، قال تعالى: {قاتلوهم يعذبْهم الله بأيديكم ويخزهم وينصرْكم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين} [سورة البقرة: 14].
ثالثا- بقاء الأنظمة الفاسدة العميلة مرهون بدعم المحتل:
دأب الاحتلال عبر التاريخ على تعيين حكومات للبلاد المحتلة، إما مباشرة من المحتلين أو عبر عملائهم من سكان البلاد الأصليين، وإن بقاء هذه الأنظمة العميلة مرهون ببقاء المحتل؛ فدحر الاحتلال دحر لكل أذنابه وأنظمته، وهذا ما حدث تماما في أفغانستان.
واليوم كثير من الدول محتلة بالوكالة، إذ يعمد المحتل لدعم أنظمة فاسدة يقودها بعض المنتفعين من أبناء البلد ترتهن لقرارات المحتلين، والسبيل لإزاحة هذه الأنظمة الفاسدة هو بإدراك الشعوب بأنها أنظمة ليست وطنية، وإن تزيت بأثواب الوطن، وأنها لا تخدم سوى أجندة أسيادها -المحتلين الحقيقين- ومصالحها الضيقة على حساب مصالح البلاد والعباد، فينبغي حينها أن تعامل معاملة المحتلين المستبدين.
نفع الله المسلمين في كل مكان بهذه الدروس المجربة، والعبر المستخلصة، والله من وراء القصد.