في الوقت الذي أحيا فيه سكان فلسطين المحتلة عام 1948م الذكرى الـ65 لمجزرة كفر قاسم التي ارتكبها الكيان الصهيوني عام 1956م، بالأعلام السوداء وشعارات “لن ننسى لن نغفر.. لن نصالح لن نسامح”، استمر نكران الاحتلال مسؤوليته عنها.
حاول 4 من أعضاء “الكنيست” من القائمة المشتركة (عرب ويهود) تقديم مشروع قانون للاعتراف بارتكاب “إسرائيل” المجزرة وتدريسها ضمن المناهج الدراسية “الإسرائيلية”، لكن “الكنيست” رفض، في 29 أكتوبر الجاري، بأغلبية 93 عضواً.
لم يصوّت لمصلحة القرار سوى 12 عضواً، بينهم نواب حزب القائمة الموحدة في الائتلاف الحكومي، وتغيّب الباقون عن الجلسة، بينما عارضته أحزاب الليكود والصهيونية الدينية واليهود الحريديم (المتشددون دينياً).
جدال حاد بين الصهاينة حول أهمية الاعتراف بالمجزرة
جدال حاد
وتحت عنوان “لن ننسى لن نغفر.. لن نصالح لن نسامح”، أحيت “كفر قاسم” والفعاليات السياسية في أراضي الـ 48 الذكرى الخامسة والستين للمجزرة التي نفذها الكيان الصهيوني تحت غطاء دخان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م بهدف استكمال التطهير والتهجير.
ولأول مرة يثار جدال حاد بين الصهاينة حول أهمية الاعتراف بالمجزرة التي قام بها جنود الاحتلال وقتلوا 49 فلسطينياً خلالها، يوم 29 أكتوبر 1956م.
المؤيدون لاعتراف الاحتلال بجرائمه يرون أن اتفاقات التطبيع فرصة لتحسين العلاقات مع فلسطينيي الداخل لاستيعابهم عبر تقديم قوانين بمطالبهم ومنه الاعتراف بالمجزرة، واتهموا الحكومات الصهيونية بالتستر على المجزرة.
ويرى المعارضون من التيار الديني الصهيوني المتطرف أن الاعتراف بمجزرة واحدة معناه الاعتراف بعشرات المجازر الصهيونية الأخرى ضد فلسطينيي 48، ويفتح الباب لمقاضاة “إسرائيل” دولياً، ويجعل شرعيتها محل شك كدولة تدعي السيادة على أرض قتلت أصحابها ونهبتها.
يقولون: إن مذبحة كفر قاسم عام 1956م كانت جزءًا من خطة أكبر بكثير لاستخدام ضباب حرب 1956م (والعدوان الثلاثي: “الإسرائيلي” الفرنسي البريطاني ضد مصر) لطرد عشرات الآلاف من سكان فلسطين فيما عرف بـ”عملية هفرفيريت”.
وحاول رئيس الكيان الصهيوني يتسحاق هرتسوغ تبريد الأزمة بزيارته مكان الاحتفال بالذكرى وقال: أحني رأسي أمام الضحايا 49، وأمام أبناء عائلاتهم وأمام جميع أهل كفر قاسم، وأطلب العفو باسمي وباسم دولة “إسرائيل”، لكن الأهالي قالوا له: “لن نسامح”.
يشار إلى أن هذه المرة الأولى التي يشارك فيها رئيس الكيان في فعاليات إحياء الذكرى.
وسبق لرئيس الكيان الصهيوني رؤوفين رفلين السابق أن قال خلال زيارته لكفر قاسم عام 2014: إنه يأسف لـ”القتل البشع”، وأعرب شيمون بيريز عام 2007 عن أسفه على ما حصل لكنه تحاشى الاعتذار، وقبلهما بادر وزير التعليم الصهيوني يوسي سريد (ميرتس) للتعبير عن اعتذار رسمي عن دور “إسرائيل” في المذبحة وأدخلها ضمن منهاج التعليم.
“هاآرتس”: لا شك في أن ما جرى في كفر قاسم جريمة بشعة
جريمة بشعة
انتقد جاكي خوري، الصحفي بصحيفة “هاآرتس”، رفض الكنيست الاعتراف بمجزرة كفر قاسم قائلاً: إنه أثبت أن الكنيست وحكومة رئيس الوزراء بينيت لم ينضج لاتخاذ قرارات شجاعة.
وأضاف: إن الحكومات “الإسرائيلية” مستعدة لمناقشة أي شيء يخص العرب مثل زيادة حصة العمال من الضفة، أو إدخال بضائع إلى غزة أو خطة اقتصادية للمواطنين الفلسطينيين في “إسرائيل”، لكن أي اقتراح له طابع قومي يُداس عليه بالأقدام، بغض النظر عما إذا كان رئيس الحكومة هو ديفيد بن غوريون، أو بنيامين نتنياهو، أو نفتالي بينيت.
صحيفة “هاآرتس” كتبت في افتتاحية لها، يوم 27 أكتوبر الجاري: يجب أن نعترف ونعتذر ونعلّم مجزرة كفر قاسم، وقالت: إن هناك فرصة لإصلاح الظلم التاريخي والاعتراف رسمياً بمسؤولية الدولة عن هذه الجريمة، والاعتذار بصورة علنية ومن القلب أمام عائلات الضحايا، ودمج رواية المذبحة في المناهج التعليمية.
وأضافت: بخلاف البصمات الدموية الأُخرى في تاريخ الصهيونية، التي لا تزال حتى الآن تشكل أرضاً خصبة للجدالات الأيديولوجية بين اليسار واليمين، ليس هناك أي جدل في أن ما جرى في كفر قاسم هو جريمة بشعة، وأن تعامُل الجهاز القضائي مع منفّذيها كان مخزياً.
وتابعت أن 8 من المسؤولين “الإسرائيليين” العسكريين ممن شاركوا في الجريمة أدينوا وسُجنوا، لكن عقوبتهم خُفّفت لاحقاً، وأصبحوا أحراراً وبعضهم حصل على وظائف مرموقة برعاية الدولة.
قائد المنطقة “يشكا سدمي” الذي قتل النساء والأطفال بدم بارد جرت تبرئته من تهمة القتل، وأدانته المحكمة بـ “تجاوز الصلاحيات”، وكانت عقوبته سخيفة، هي دفع غرامة شيكل “إسرائيلي” واحد وتأنيبه!
يُذكر أن قوات حرس الحدود الصهيونية هي التي نفّذت مجزرة كفر قاسم، يوم 29 أكتوبر 1956م، ضد سكان البلدة وراح ضحيتها 49 شهيداً، منهم 9 نساء و17 طفلاً وفتى دون سنّ الثامنة عشرة، ومنذ ذلك الحين تحاول الحكومات الصهيونية التستر على المجزرة وعدم تحمّل المسؤولية عنها.
وبعد المذبحة، أُجريت “صُلحة” في القرية، وقدمت سلطة الاحتلال تعويضات إلى عائلات القتلى، بحسب توصيات اللجنة التي عيّنها رئيس الحكومة ديفيد بن غوريون، لكن أهل القرية يرفضون هذه الصُّلحة ويقولون: إنها كانت “صُلحة مفروضة”، هدفها إخفاء القضية.
وخلال الأعوام التي مرت منذ ذلك الحين، استخدم بعض الرؤساء والوزراء الذين زاروا القرية في تصريحاتهم تعابير، مثل “صُلحة” و”اعتذار”، وحتى كلمة “عار”، لدى وصفهم ما جرى في القرية.
لكن الكنيست رفض على مر السنوات اقتراحات قانون طالبت بإعطاء طابع مؤسساتي للاعتراف “الإسرائيلي” بالمسؤولية عن المجزرة.