في ختام سلسلة مقالات “الأسرة المسلمة في ضوء الكتاب والسُّنة” يحذَّر د. جاسم المهلهل الياسين من الحرب المعلنة على الأسرة المسلمة من قِبَل أعدائها، ويوضح الأسباب التي تؤدي إلى إشاعة الفاحشة في المجتمع، مؤكداً أن فرضية الحجاب بالنسبة للمرأة المسلمة أصبحت من المعلوم من الدين بالضرورة.
5- قذف المحصنات.. الذين يرمون المحصنات إنما يعملون على زعزعة ثقة الجماعة المؤمنة بالخير والعفة والنظافة والطهارة، وعلى إزالة التحرج من ارتكاب الفاحشة، وذلك عن طريق الإيحاء بأن الفاحشة شائعة فيها.. بذلك تشيع الفاحشة في النفوس، لتشيع بعد ذلك في الواقع من أجل هذا وصف القرآن الكريم الذين يرمون المحصنات بأنهم يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وتوعدهم بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (النور: 19).
غض البصر
6- غض البصر: قال الله تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ) (النور: 31:30)، إن الإسلام حين يضع الإجراءات الوقائية في طريق تطهير المشاعر واتقاء الفتنة العابرة يأخذ على الفتنة الطريق کيلا تنطلق من عقالها، بدافع النظر لمواطن الفتنة المثيرة وبدافع الحركة المعبرة، الداعية إلى الغواية، وغض البصر نموذج من تقليل فرص الاستثارة والغواية والفتنة من الجانبين، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن الله تبارك وتعالى: “إن النظر سهم من سهام إبليس مسموم، من ترکه مخافتي أبدلته إيمانا يجد حلاوته في قلبه، (أخرجه الطبراني بسنده)، إن غض البصر في هذا صريح سداً للذريعة، ودرءاً للفساد لأن النظر يحمل خطرا كبيراً، وحفظ الفرج هو الثمرة الطبيعية لغض البصر، وكما قال الإمام الغزالي: “إن من لم يقدر على غض بصره لم يقدر على حفظ فرجه”.
كل الحوادث مبداها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر
کم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وتر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها في أعين الغيد موقوف على الخطر
7- الحجاب.. لماذا؟ لن أتحدث عن وجوب الحجاب على المرأة فهو معلوم من الدين بالضرورة، ولكن ما هي عواقب التبرج وعدم الالتزام بالحجاب الشرعي من عواقب التبرج الوخيمة أن تتسابق المتبرجات في مجال الزينة المحرمة لأجل لفت الأنظار إليهن، مما يتلف الأخلاق والأموال ويجعل المرأة كالسلعة المهينة الحقيرة المعروضة لكل من شاء أن ينظر إليها.. ومنها فساد أخلاق الرجال خاصة الشباب المراهقين، ودفعهم إلى الفواحش المحرمة بأنواعها وأشكالها، ومنها تحطيم الروابط الأسرية، وانعدام الثقة بين أفرادها، وتفشي الطلاق، والمتاجرة بالمرأة كوسيلة دعاية أو ترفيه في مجالات التجارة وغيرها، ومنها الإساءة إلى المرأة نفسها، والإعلان عن سوء نيتها، وخبث طويتها، مما يعرضها لأذية الأشرار والسفهاء، ومنها تسهيل معصية الزنا بالعين، قال صلى الله عليه وسلم: “العينان زناهما النظر” وتعسير طاعة غض البصر التي أمرنا بها إرضاء لله تعالى.. ومنها انتشار الأمراض، قال صلى الله عليه وسلم: “لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا”، ومنها استحقاق نزول العقوبات العامة التي هي قطعا أخطر عاقبة من القنابل الذرية والهزات الأرضية، قال تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) (الإسراء: 16)، وقوله صلى الله عليه وسلم: “إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعذاب”، (صحيح الجامع)، ونختم هذه المقالة بسؤال: ماذا يريدون من الأسرة؟
مهاجمة الإسلام عن طريق الأسرة
قال الله تعالى: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) (البقرة: 217)، فهذا جلادستون، رئيس وزراء إنجلترا، وقف في أواخر القرن الماضي في مجلس العموم وقد أمسك بيمينه القرآن المجيد وصاح في الأعضاء قائلاً: “لن تستقيم حالة الشرق ما لم يرفع الحجاب عن وجه المرأة، ويغطى به القرآن، أخذ أعداء الإسلام يبحثون عن الباب الذي يدفعون منه المدنية الغربية إلى المجتمع الإسلامي، فوجدوا أن أحسن باب يطرق باب الأسرة المسلمة، فالمجتمع يتكون من أُسُرات، فإذا تحللت الأسرة، تحلل المجتمع كله، وإذا زالت عن الأسرة مميزاتها التي ذكرناها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، زالت عن المجتمع المسلم جميع مميزاته الإسلامية!
وفتح الكثيرون أبوابهم للمدنية الغربية، فدخلت بيوتهم تعبث بأعراضهم وكراماتهم وعقائدهم ومستقبلهم، لقد فتحوا أبوابهم للسفور والاختلاط والنزوات والشهوات، وضحوا في سبيل هذه المدنية الزائفة بالعفة والشرف والأخلاق، وهل يمكن اعتبار أمة التهمتها الشهوات والنزوات أن تحفل بدينها واستقلالها؟ وهل إذا فقد الرجال غيرتهم على أعراضهم. طبقاً لقانون المدنية الغربية الفاجرة. تثور فيهم حمية الغيرة على أوطانهم ودينهم.
لقد ميز الإسلام الأسرة المسلمة بميزات خاصة، تباين بها غيرها من الأسر، لذا اهتم المبشرون وأعداء الإسلام بالقضاء على جميع مميزات الأسرة المسلمة، بل القضاء على نظام الأسرة ذاته، وكثيرا ما أشاعوا في مؤامراتهم أو مؤتمراتهم إلى وجوب الاهتمام بحركات تحرير المرأة، وإثارة المناقشات حول الطلاق وتعدد الزوجات، حتى يشككوا المسلمين في كمال النظام الإسلامي.
إن التشكيك في كمال نظام الأسرة في الإسلام، هي النغمة المرذولة التي يرددها أعداء الإسلام وأنصارهم من المنافقين، لقد قال القسيس “زويمر” ينبغي للمبشرين أن لا يقنطوا إذا رأوا نتيجة تبشرهم للمسلمين ضعيفة، إذ من المحقق أن المسلمين قد نما في قلوبهم الميل الشديد إلى علوم الأوروبيين وتحرير المرأة»، وماذا أصبحت المرأة في المجتمع أصبحن نساء سافرات لحضور حفلات الرقص، نساء يجدن فن الماكياج وتلطيخ الوجوه والأظافر.. نساء يقمن حفلات ويشربن الدخان والخمور.. نساء خرجن عن الإسلام.. نساء أعلنَّ الحرب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.. الحرب على شريعته وقانونه الحرب على أوامره ونواهيه.. حرباً لابد أن ندفع ثمنها غالباً في الدنيا قبل الآخرة، ولن أقول بعد هذا شيئاً.. ولكن انظروا إلى البيوت اليوم كيف أحوالها.. وإلى أين المصير؟!
(فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) (البقرة: 279).