يعيش المغاربة هذه الأيام على واقع ارتفاع جديد للأسعار في جل السلع والبضائع لكن بالأخص في المحروقات والمواد الأساسية التي ترتبط بالمعيش اليومي للمواطنين.
وينخرط عدد من المواطنين في حملات على مواقع التواصل الاجتماعي سعيا منهم إلى لفت انتباه الحكومة إلى معاناتهم مع هذه الزيادات غير المسبوقة، فيما عرفت بعض المدن احتجاجات متفرقة.
ومع اقتراب رمضان الذي يزيد فيه إنفاق الأسر المرتبط بعادات وكرم المغاربة، وفي ظل الحديث عن الزيادة في معدل التضخم إلى مستويات قياسية هذه السنة كما جاء على لسان والي بنك المغرب (البنك المركزي) ، يسود شعور بعدم الاطمئنان فيما يحذر مراقبون من احتقان اجتماعي وشيك في ظل صمت مريب للحكومة، وعدم قيامها بإجراءات حقيقية تخفف من وطأة الزيادة في الأسعار وفي غلاء المعيشة.
موجات
بدأت موجة ارتفاع الأسعار كما يلاحظ في حديث لـ”المجتمع” الخبير المغربي في قوانين حماية المستهلك وديع مديح منذ أبريل من السنة الماضية خاصة في مادتي زيت المائدة والقمح، لتتبعها جل المواد الأساسية والسلع الأخرى قبل أن تستقر لتعود الموجة مع اقتراب الانتخابات التشريعية الأخيرة في سبتمبر المنصرم، وتتفاقم مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية.
ويفسر الخبير الاقتصادي المغربي مهدي لحلو أن هذا الغلاء غير محدد بتواريخ معينة بحد ذاتها، بل هو من مخلفات الأزمة الصحية لفيروس كورونا والتي عاشها الاقتصادي العالمي منذ ما يزيد عن سنتين، وأثرت في مجال توريد السلع.
ويضيف لـ”المجتمع” أن ارتفاع الأسعار مرتبط بارتفاع تكاليف الشحن من الخارج، لكنه تأثر أيضا بالجفاف وتأخر هطول الأمطار في البلاد، مبرزا في الوقت ذاته إلى وجود لوبيات تتحكم في الزيادة في أسعار المحروقات، والتي عرفت لحدود الآن زيادة بأكثر من 30 في المائة مقارنة مع سنة 2020.
تضخم وتوقعات
يوضح أستاذ الاقتصادي مهدي لحلو أن حرب روسيا على كورونا أثرت بشكل مباشر على الاقتصاد العالمي فيما يخص المحروقات والمواد الأساسية، متوقعا ن أن يتضاعف ثمن الغاز ثلاث مرات على المدى القريب، كما أن هذه الحرب ستزيد من أسعار القمح التي تحتكر أوكرانيا سوقه العالمي بحوالي 30 في المائة، وهو ما يؤثر على الاقتصاد الوطني المغربي، يزيد من ذلك ما تعيشه المملكة من سنة جفاف، واضطرار الحكومة بداية من شهر مايو إلى استيراد المزيد من هذه المادة الحيوية.
ويؤكد المتحدث ذاته أن الحكومة المغربية مطالبة باتخاذ الاحتياطات اللازمة من الآن من أجل تفادي هذه الوضعية التي ستكون شديدة الوقع على الاقتصاد الوطني.
من جانب آخر ينتظر أن يؤثر معدل التضخم في المغرب على القدرة الشرائية للأسر ويرفع تكاليف الإنتاج لدى المقاولات، ويمس المدخرين. ويتوقع البنك المركزي المغربي أن يقفز هذا المعدل خلال السنة الجارية إلى 4.7 في المائة، وهو رقم غير مسبوق لم تعرفه المملكة مند عقود، في ظل ترقب انخفاض حاد في النمو.
وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن التضخم وفق مؤشر الأسعار عند الاستهلاك يسجل حاليا أعلى مستوى له بنسبة ناهزت 3,6 في المائة على أساس سنوي، وتعود هذه الزيادة بشكل رئيسي إلى ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية بنسبة 5,5 في المائة والمنتجات غير الغذائية بنسبة 2,5 في المائة.
ويبرز وديع مديح وهو أيضا رئيس الجامعة المغربية لحماية المستهلك، أن هذا المعدل سيكون له تأثير على الادخار، ولكن أيضا على التقاعد والأجور ارتباطا بالأزمة الحالية التي يعيشها المغرب.
تدخل حكومي
أمام ارتفاع الأسعار، تقدم الحكومة مساعدات مالية إلى مهنيي النقل خصصت لحوالي 180 ألف عربة بمتوسط 2000 درهم (حوالي 200 دولار)، فين حين لم تقم بأي إجراء آخر لعموم المواطنين.
ويبرر الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس إنه لا يرى من المنطق أن يتم دعم مواطن يريد السفر بسيارته إلى مدينة أخرى، وأن الدعم المقدم لمهنيي النقل هو دعم غير مباشر للمواطنين الذين يستعملون وسائل النقل العمومية، وهو ما أثار موجة استياء بين المواطنين بل والمهنيين أنفسهم.
ويؤكد المسؤول الحكومي أن الحكومة تقوم بمجهود للحفاظ على القدرة الشرائية بالإضافة إلى الحماية الاجتماعية وتوفير فرص الشغل بشكل سريع ومباشر، مفيدا أن صندوق المقاصة لوحده يكلف الدولة 17 مليار درهم.
فيما يصف وديع مديح الإجراءات الحكومية بالترقيعية، مبرزا أن هذه المساعدات المالية لا تكفي مهنيي النقل حتى لمدة بضعة أيام لتسديد الفارق في ثمن المحروقات والذي وصل إلى مستويات قياسية وأثر بشكل مباشر في أسعار باقي المواد.
ويضيف انه بالرغم من التنصيص على مبدأ حرية الأسعار، إلا أنه يمكن اللجوء حسب القانون إلى تسقيف أسعار المحروقات لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة، وذلك للتخفيف من أثر ارتفاعها على جيوب المواطنين.
قفة ثقيلة
مع اقتراب شهر رمضان تسجل الحكومة زيادة في الطلب على مختلف المنتجات الغذائية، وتؤكد الرفع من التعبئة الحكومية بشكل مهم من خلال الرفع من مستوى المراقبة لوضعية تموين أسواق المملكة بالمنتجات الغذائية، بالإضافة إلى تعزيز المراقبة على مستوى التسويق ومراقبة الجودة، وتعقب ومعاقبة أي مخالفات أو سلوك انتهازي.
وتعمل الحكومة على تموين الأسواق الوطنية بشكل جيد فيما يتعلق بالمنتجات الغذائية التي تعرف استهلاكا قويا، لا سيما الدقيق، والطماطم، والتمر، والقطاني، واللوز، والبرتقال، والزيت، والحليب، والزبدة، والعسل، واللحوم، والبيض والسمك.
وتظهر المراقبة اليومية للأسواق، منذ شهر، حسب الحكومة، أنه يتم تموين الأسواق بشكل جيد عموما. ومع ذلك، ستظل المصالح المختصة في يقظة مستمرة فيما يخص أسعار بعض المنتجات، خاصة في ظل نقص التساقطات المطرية التي سجلت إلى حدود شهر فبراير الماضي، بالإضافة إلى الاضطرابات الحاصلة في السوق الدولية.
ويتوقع أن تنوء الأسر المغربية بحمل آخر خلال هذا الشهر الكريم، ليس بسبب السلوك الاستهلاكي التضامني فقط حسب وديع مديح، ولكن أيضا بارتفاع مواد أساسية في المطبخ المغربي خاصة الطماطم التي تعتبر سيدة المطبخ المغربي في رمضان وتعرف ارتفاعا في الأسعار غير مسبوق.
وحسب بحث الظرفية عند الأسر وهو إحصاء رسمي، لن تستطيع 84.7 في المائة من الأسر المغربية الادخار في شهر في الإثني عشر شهرا المقبلة.
سلم اجتماعي
منذ بداية موجة ارتفاع الأسعار، بدأت احتجاجات هنا وهناك، لكن المراقبين يحذرون من تفاقم الوضع، مما يهدد السلم الاجتماعي في المغرب، وعلى الحكومة أن تتحرك للتخفيف عن المواطنين خاصة الطبقات الهشة والمتوسطة، والتي تضررت كثيرا، كما يبرز ذلك الخبير الاقتصادي مهدي لحلو.
كما يحذر وديع مديح من أن يؤدي ارتفاع الأسعار وعدم تدخل الحكومة إلى خنق المواطنين، فيما ينبه الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية (معارض) نبيل بن عبد الله إلى عدم الاستخفاف بأوضاع الناس، لأن أصل كل الاضطرابات التي عرفها المغرب من قبل، كان هو ارتفاع الأسعار وخاصة ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وتدق النقابات في المغرب ناقوس خطر ارتفاع الأسعار، إذ يشير الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب إلى أن موجة غلاء للأسعار مست أسعار المحروقات وأثرت على جل المنتجات، المواد والخدمات الأساسية، مما انعكس سلبا على القدرة الشرائية للمواطنين وأحدث موجات متصاعدة من الغضب والاحتقان الاجتماعي في ظل جمود حكومي غير مفهوم ومبررات غير مقنعة، خاصة مع ضعف سن إجراءات حمائية أو برامج استعجالية مواكبة وداعمة للفئات الاجتماعية المتضررة. وتطالب النقابة بحماية القدرة الشرائية للمواطنين عبر الرفع من الأجور، وحماية الأسواق الوطنية من تقلبات الأسعار الدولية.