اعلم – وفقك الله تعالى- أن البشت، أو العباءة، أو البردة، ثوبٌ يعتزّ به العربُ والمسلمون، منذ القدم، وزاد الاعتزاز به حين أهدى الرسول- صلى الله عليه وسلم- بردته إلى كعب بن زهير حين جاءه متخفياً ومعتذراً ومعلناً إسلامه ومادحاً له بقصيدته(البردة) الشهيرة: “بانتْ سعادُ فقلبي اليومَ متبولُ…”..
البشت الصيفي يُصنع من قماش خاص، بعضه ياباني وبعضه الآخر بريطاني، وبعضه الثالث نجفي (نسبة إلى مدينة النجف العراقية)، والأخير غزلٌ وصناعةٌ يدويةٌ بالكامل من الألف إلى الياء.
أما “البشت” الشتوي، فيصنع من وبر الجمل والصوف، ومنه وبر مخلوط بالصوف أو القطن، وهناك البشت الربيعي وهو صوف إنجليزي خفيف يُطلق عليه صوف (مارينا) ويأتي من اليابان وبريطانيا”. ولكن الأغلى والأفضل هو النجفي. وقماشه خفيف وتتخلل نسيجه عروق الذهب، وثمنه يتفاوت من مستوى إلى آخر، وأغلاه ما يرتديه الملوك والأمراء والكبراء، ومنه البشت الذي ألبسه أمير قطر تميم بن حمد آل ثان للاعب الأرجنتيني “ليون ميسي”- قائد منتخب بلاده قبل أن يسلمه كأس العالم الذي فاز به في مونديال قطر 2022، فكان للبشت حديث وهدير وصليل.. وكان للشيخ ميسي- اللقب الذي أطلقته عليه الصحافة بعد ارتداء البشت- شهرة ودويّ وتأثير..
قوس قزح
واعلم- حفظك الله من كل سوء- أن الرينبو أو قوس قزح، شعار أو علم لمن نستعيذ بالله منهم ومن شرهم وفسادهم، أعني أهل الشذوذ، ومخالفة الفطرة من اللوطيين أو السحاقيات الذين يدلّلهم الغرب الصليبي الاستعماري العنصري باسم المثليّين، ويدافع عنهم ويجعل لهم حقوقاً تفوق حقوق المضطهدين والمقهورين الذين يرزحون تحت قسوة احتلاله واستعماره وفتنه ومؤامراته ونهبه للثروات والموارد، وقتله للأحرار والأبرياء على مدار الساعة كما يفعل في فلسطين وسوريا والعراق على سبيل المثال!
والشذوذ أو اللواط والسحاق- أعزك الله- خلة فاحشة تتنافى مع الفطرة السليمة والأخلاق الحميدة والسلوك الإنساني السليم، وكان في عمق التاريخ سببا في الغضب الإلهي على من يقارفونه ويمارسونه، لدرجة تدمير بلدتهم وجعل عاليها سافلها، وحفلت آيات القرآن الكريم بالحديث عن هؤلاء الشواذ ومصيرهم المؤلم، ومنها قوله تعالى:
“وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ*أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّـهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ”. (العنكبوت، 28-29).
“فلَمّا جاءَ أَمرُنا جَعَلنا عالِيَها سافِلَها وَأَمطَرنا عَلَيها حِجارَةً مِن سِجّيلٍ مَنضودٍ”. (هود، 82).
فرض الشذوذ
هذا ما يقوله القرآن الكريم، ولكن الغرب الصليبي الاستعماري يريد أن يفرض علينا الشذوذ، والقبول به، والتطبيع معه، مثل أشباء أخرى كثيرة يريد لنا أن نتعامل معها دون اعتراض أو احتجاج، وهو ما أراد تنفيذه- ولم يتمكن- في مونديال كرة القدم الذي أقيم في قطر 2022م.
المفارقة بين البشت والرينبو اتضحت جيدا عقب انتهاء المونديال في 17 ديسمبر 2022م، حيث أخذت الآلة الإعلامية الغربية، وذيولها في بلاد الإسلام تهاجم المونديال ومن أقاموه، فضلا عن العرب والإسلام، وامتد الهجوم، واتخذ أشكالا مباشرة وأخرى غير مباشرة، ظهرت من خلاله العنصرية فاقعة وبشعة. كان مفهوما أن تغار بعض الدول من حصول قطر (الصحراوية الصغيرة كما يسمونها!) على امتياز إقامة اللقاء الدولي، ولم يكن مفهوما أن تشنّ الدول الغربية وذيلها في فلسطين المحتلة، وخدام الغرب واليهود في أمتنا، حملات ضارية على قطر من خلال (البشت)، وما يرمز إليه.
أعلن الاتحاد الأوربي عن عزل نائبة رئيس البرلمان الأوروبي اليونانية إيفا كايلي، بتهمة تلقي رشاوى من قطر، وتهديد الأخيرة لأوروبا بقطع الغاز عنها. وبالمثل لم تتوقف الحملة ضد الإيطالي جياني إنفانتينو- رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) لأنه دافع عن قطر.
هجاء البشت
وحظي البشت بكثير من الهجاء الإعلامي الذي عكس العنصرية الغربية وكراهية الإسلام، فقالت التليجراف البريطانية في عنوان معدل وهي تصف ارتداء ميسي للبشت:
“العمل الغريب الذي أفسد أعظم لحظة في تاريخ كأس العالم.. شرير تماما!” كما وصفته قناة فوكس سبورتس: بالمخزي!”، وكتب دان ووكر، مقدم برامج كرة القدم التليفزيوني، في تغريدة تم حذفها “أراهن أن مبابي مسرور لتمكنه من إبعاد الحجاب الشبكي الغريب بزخرفة ذهبية”- يقصد البشت! وأشار إلى أن خسارة نهائي كأس العالم كان سيكون أفضل.
وكان مراسل ESPN المخضرم مارك أوجدن واضحا في عنصريته وعجرفته حين قال: “كل الصور أفسدها شخص يرتدي عباءة تجعله يبدو وكأنه على وشك الحصول على قصة شعر”.
وشبهت بعض وسائل الإعلام الألمانية، Welt، اللاعبين المغاربة بالإرهابيين من تنظيم داعش، وهم يحتفلون بالفوز برفع أيديهم إلى السماء. وحين خسر الفريق المغربي أمام فرنسا في نصف النهائي، نشرت قناة ESPN صورة للاعبين المغاربة وهم يسجدون، شكرا الله وتحية المسلمين حول العالم. لكن التعليق كتب: “اللاعبون والموظفون المغاربة يحيون جماهيرهم.. وسخرت قناة تلفزيونية دنماركية من اللاعبين المغاربة وهم يحتفلون مع أمهاتهم في صورة أسرية إنسانية رائعة، وشبهتهم بـعائلة القرود!
التعصب الثقافي
لماذا كل ذلك وغيره؟ هل كان الغربيون ساخطين أن بلدا عربيا صغيرا نجح في إقامة المونديال بصورة غير مسبوقة في العالم؟ أو إنه التعصب الثقافي الذي جعل الفريق الألماني يغلق فمه عند عزف السلام الوطني قبل مباراياته؟ أو جعل وزيرة الداخلية والرياضة الألمانية تتحايل بطريقة رخيصة لتظهر شارة المثليين(اللوطيين) على ذراعها؟
الأكثر ألما في الموضوع أن يأتي بعض أبناء جلدتنا ليهاجموا المونديال والإسلام والدولة المضيفة، لأنها لم تسمح برفع شعار اللوطيين، ثم يتهمونها بقتل العمال في أثناء تجهيزات المباني الخاصة بالمونديال..
لقد استضافت القناة الفرنسية الناطقة بالعربية (فرنسا 24) مساء 22 ديسمبر 2022م، مجموعة من المتحدثين العرب ليناقشوا ما جرى في المونديال تحت عنوان غريب: (مونديال قطر: نبذ وتمييز بذريعة الاحترام؟)، وقدمت البرنامج (في فلك الممنوع) مذيعة لبنانية متعصبة ومعادية للإسلام، وتستضيف عادة خصوم الدين الحنيف، في سياق فرض الثقافة الغربية الوثنية على أمتنا المهيضة والجريحة.
الوثنية العنصرية
في هذه الحلقة كان الدكتور على الهيل الأستاذ بجامعة قطر موفقا في الدفاع عن قيم الأمة وتنظيم المونديال، ومدافعا عن الاتهامات الكاذبة التي وجهها بعض المتحدثين العرب الموالين للغرب وثقافته الوثنية العنصرية.
الدكتور الهيل- لا أعرفه شخصيا- شفا نفسي، وهو يتجاوز انحياز المذيعة المتعصبة ومقاطعتها المستمرة له، ويردّ بمنطق وإقناع، ويواجه بقوة ذلك الشخص الذي وصف قطر بأنها مجرمة، والآخر الذي تحدث عن حوادث تعلقت بموت بعض العمال في قطر، والآخر الذي دعا إلى مقاطعة قطر لأنها في زعمه تفرض شروطا على المجتمع الدولي، وتمنع المثليين (اللوطيين) من التعبير عن أنفسهم، وتفرض حظرا على تداول الخمور والكحول في مناطق المباريات ومحيطها!
الصحف الموجهة
وإذا كانت الحكومات الغربية توظف أدواتها بمهارة في ظل القمع العربي لكل صوت يؤمن بشمولية الإسلام، فإن بعض النخب ممن يحترفون الكتابة والتعبير، وتفتح لهم منابر التعبير بأريحية غريبة، أشد ضراوة في التشهير بالإسلام والمسلمين، وما بالك بشخص طفا على صفحات الصحف الموجّهة في السنوات الأخيرة، ليكون هدفه الأول والأخير هجاء الإسلام والمسلمين، والدعوة إلى ما يسمى الدولة المدنية التي تفصل بين الدين والدنيا، وتعتمد الاستبداد والقمع طريقا ومنهجا؟
وفي إطار التدليس والتضليل، أشاد المذكور بالصورة الأخاذة والساطعة والمبهرة للمونديال، إلا إنه رأى أن تحويل (كذا؟) هذه الاحتفالية الرياضية العالمية إلى صراع طائفي وديني، وسباق تفوّق دين على أديان خلق الله، ومصارعة بين الأصولية الدينية والعلمانية، ومبارزة مذهبية ومقارعة حضارية، كان خطأ فادحاً وكارثة الكوارث، ثم يزعم أنه ربما كان هذا المظهر الديني(؟) قد فرض فرضا من تيار الإسلام السياسي، ويتمادى البائس في هجائه فيزعم أن هذا التيار قد تعوّد الكذب والخداع واختلاق القصص والروايات والاختراعات والاكتشافات المفبركة، فقد زعموا أن الآلاف قد زحفوا إلى دين الله أفواجاً، وأن الألوف تقف في طوابير تُلقَّن فيها الشهادة على يد مشايخهم…….
وكلاء الغرب
وإني أسأل المذكور الذي يمنح نفسه خيالاً واسعاً، من أين استقيت هذا الكلام؟ لنفرض أن شخصاً ما كتب على وسائل التواصل الاجتماعي مثل هذا الخيال، فهل ينسحب الأمر على الوقائع التي تدور على الأرض؟ أم إن التشهير بالمسلمين هو غاية وكلاء الغرب في بلادنا العربية المسلمة؟
المذكور يشيطن المسلمين ويضعهم في خانة البلاهة والجنون حين يتحدث عن استقبال الرئيس الفرنسي ماكرون بنداءات الفتوحات والتهليلات والتكبيرات والدعوات التي هزت المدرجات، ولم تتحرك المعجزة من مرقدها لنصرة فريق الساجدين.. ومضت المباراة في صالح فرنسا ليصل فريقها إلى الدور النهائي… ترى ما سر هذه البغضاء، وذلك التلفيق؟ ألأن نفراً من المشجعين أرادوا أن يردوا على الرئيس الصليبي الذي أهان رسولهم الكريم صلى الله عليه وسلم يوم أيد البذاءة والسفالة والانحطاط التي طفحت بها الصحف الفرنسية ضده، وزعم أنها حرية رأي، في حين قام على الفور بترحيل رسام موريتاني لم يعجبه رسمه؟ لقد كان المشجعون يُسمعون الرئيس المتعصب الصلاة والتسليم على النبي محمد، ويؤكدون له أنهم لا ينسون موقف رئيس الدولة التي انطلقت منها الحروب الصليبية قبل عشرة قرون تقريبا..
العرق والدموع
نعلم – وكل مسلم يعلم أن النصر والفوز والقوة، لا تتحقق إلا بالعرق والدموع وليس بالمعجزات كما يزعم كاتب الأيام النحسات الذي يجهل أن أول دولة مدنية أقيمت على وجه الأرض هي التي أقامها الإسلام في المدينة المنورة، وأن ما ينادي به وأمثاله من دولة مدنية لا يعدو أن يكون نداء من أجل دولة تسلطية مستبدة قمعية تعتمد على النبوت أو الدبابة، بدليل أنها لا تسمح للإسلام بالوجود أو المشاركة بل تستأصله وتحرم الإنسانية من قيمه العظيمة في التعاطف والرحمة والسلام والأمل!
لم تكن أنشطة المونديال مواجهة طائفية أو مذهبية أو دينية، ولكنها كانت فرصة لإعلام الناس في كل مكان أن العرب والمسلمين من خلال دولة يسمونها (صحراوية صغيرة!)، قادرة على التنظيم والمشاركة والعمل الفائق الذي احتكرته دول الاستعمار والعنصرية!
والأهم من ذلك أن الدولة التي نظمت المونديال احترمت نفسها أولا، وحافظت على قيمها وتقاليدها وقوانينها، ولأول مرة تعلن “الجارديان” أن المشجعين الإنجليز يعودون إلى بلادهم دون أن يعتقل منهم أحد بسبب المشاجرات التي كانوا يفتعلونها وهم سكارى، فقد منعت قطر شرب الخمور، وأمّنت النساء من التحرش والأذى.
لقد انتصر البشت رمزا لهوية العرب المسلمين، وعبر عن كرمهم وحسن ضيافتهم للزائرين الذين فتحت لهم بيوت القطريين ومضيفاتهم، وتعرفوا عن قرب على حقيقة المسلمين، بعد أن قدمت لهم السينما والدراما والتعليم الغربي صورا نمطية عن المسلم الجاهل الذي لاهمّ له غير مطاردة النساء، ومعاقرة الكسل والتخلف والخيبات والهزائم!
رمز الكرم
لقد تقبل الشيخ ميسي البشت، وأشاد به الاتحاد الأرجنتيني، وامتلأ سوق واقف بالدوحة بمن يريدون شراءه، وتحدث عنه المنصفون رمزا للكرم والسمو. وهو استحقاق كريم للشيخ ميسي إن لم يكن من أجل فوز فريقه، فمن أجل عمل الخير، وإنفاقه الملايين على المستشفيات والمرضى، بدءا من بلاده وبرشلونة وكتالونيا، حتى كينيا وهاييتي وأفغانستان.
أما المدافعون عن الرينبو والثقافة العنصرية، فقد خسروا في موقعة المونديال خسارة كبيرة، لأنهم كشفوا أنفسهم حين انحازوا للفحش، وأهملوا الدفاع عن المظلومين، وضحايا الوحشية العنصرية والاستبداد.