- ما أفضل الصيام في التطوع؟ وهل هو صيام نبي الله داود؟ وهل يجوز للمسلم أن يفطر إذا دعاه غيره للفطر؟
– أفضل الصيام وأحبه إلى الله تعالى صيام نبي الله داود عليه السلام، وهو ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو، عندما وجد عنده قوة الرغبة في الخيرات، والحرص على الزيادة من الصالحات، روى البخاري عنه أنه قال: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أقول: والله لأصومن النهار، ولأقومن الليل، ما عشت! فقلت له: قد قلته بأبي أنت وأمي، قال: “فإنك لا تستطيع ذلك، فصم وأفطر، وقم ونم، وصم في الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر”، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: “فصُم يوماً، وأفطر يومين”، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: “فصم يوماً وأفطر يوماً، فذلك صيام داود عليه السلام، وهو أفضل الصيام”، فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا أفضل من ذلك”، وفي رواية: “لا صوم فوق صوم داود عليه السلام، شطر الدهر” (رواه البخاري في كتاب الصوم من طرق كثيرة ورواه مسلم وغيره).
ويتحسب لمن شرع في صيام التطوع ألا يخرج منه بلا عذر، وأن يكمله، ولا يبطله، فإن خرج منه بلا عذر، فقد كرهه جماعة من العلماء، وقال بعضهم: هو خلاف الأولى، فأما إن خرج منه بعذر فليس فيه أدنى كراهة، والعذر مثل أن يكون ضيفاً، أو مضيفاً ويشق على مضيفه أو ضيفه ألا يأكل معه، فيستحب أن يفطر لإكرامه، وفي الصحيح: “وإن لزورك (أي زوارك) عليك حقاً”، “ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه” (متفق عليهما)، بخلاف ما إذا كان المضيف أو الضيف لا يشق عليه أن يصوم، فالأولى أن يستمر على صومه.
ومهما يكن من العذر أو عدمه، فإن المتطوع أمير نفسه، فليس عليه حرج إن هو خرج مما نواه من نفل، لم يلزمه به، ولا ألزم به هو نفسه بالنذر.
روت عائشة قالت: دخل النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: “هل عندكم شيء؟”، قلنا: لا، قال: “فإني إذن صائم”، ثم أتانا يوماً آخر، فقلنا: يا رسول الله، أهدي لنا حيس! فقال “أرنيه، فلقد أصبحت صائماً، فأكل” (رواه مسلم)، وفي رواية: فأكل، ثم قال: “قد كنت أصبحت صائماً” (رواه مسلم)، وعن أبي سعيد قال: صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً، فلما وُضع، قال رجل: أنا صائم، فقال صلى الله عليه وسلم: “دعاك أخوك وتكلف لك، أفطر، فصم مكانه إن شئت” (رواه البيهقي بإسناد قال الحافظ عنه: حسن)، وفي حديث أبي جحيفة في قصة سلمان وأبي الدرداء، فجاء أبو الدرداء، فصنع له طعاماً، فقال: كل فإني صائم، فقال: ما أنا بآكل حتى تأكل، فأكل.. الحديث (رواه البخاري والترمذي وصححه)، ولما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، أقر سلمان على موقفه ونصحه، وقال: “صدق سلمان”، ولكن يستحب قضاء التطوع الذي لم يتمه، أخذاً بعموم قوله تعالى: (وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) (محمد: 33)، وخروجاً من خلاف العلماء، فقد ذهب أبو حنيفة ومالك إلى وجوب القضاء.
وهذا الحكم مطرد في كل تطوع من صلاة أو صدقة إلا الحج والعمرة، فإنهما يلزمان بالشروع فيهما بالإجماع.
العدد (2016)، ص57 – 30 رمضان 1433ه – 31/8/2012م