يسعى أعداء الأمة في الداخل والخارج إلى استهداف النساء باعتبارهن الجانب الأضعف، أو هكذا يعتقدون، يروجون الأكاذيب بشأن تعامل الإسلام معهن، ويؤلفون القصص والحكايات عن ظلمهن واضطهادهن، ويعملون على نشر أفكارهم الغربية والغريبة عن مجتمعاتنا باعتبارها النموذج الذي يجب أن يطبق ويسير عليها الجميع.
وتشير السيرة النبوية إلى أدوار كثيرة مارستها النساء في صدر الإسلام، فكن ناشرت للدين والعلم، وفيما روي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، مبيناً فضل السيدة عائشة رضي الله عنها، في تعليم الصحابة يقول: «ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط، فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً»، ولم تكن أم المؤمنين فقيهة فحسب، بل كانت عالمة بالشعر والتاريخ والطب.
بل يشير الإمام الذهبي، أحد كبار المحدثين، إلى أنه «لم يؤثر عن امرأة أنها كذبت في حديث»، بينما هناك بعض الرجال كذبوا على رسول الله في رواية الحديث.
وكانت النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاركن في الغزوات ويداوين المرضى.
الدور المفقود للنساء
يتحدث عدد كبير من المستغربين عن أدوار متعددة للنساء يجب أن يعملن فيها، ليس من بينها الدور الأهم والطبيعي للنساء في تربية النشء وبناء الأسرة وبالتالي بناء مجتمع قوي.
ووصل الأمر بالمنظمات الدولية ومن على هواهم في المجتمعات الإسلامية إلى تبني مصطلحات ومسميات تشير إلى ظلم واقع على النساء اللاتي يعملن في بيوتهن على تربية أطفالهن ورعاية أزواجهن، ومنها مصطلح «العاملات دون أجر» الذي توسعت النسويات في استخدامه خلال السنوات القليلة الماضية، ليس في إشارة إلى عمل النساء في المصانع أو الشركات دون الحصول على أجر، وإنما قصدوا أولئك اللاتي تفرغن لرعاية منازلهن وتربية أبنائهن، معتبرين أن هؤلاء النسوة يتعرضن لنوع من العبودية المقننة.
وتشير منظمة العمل الدولية إلى أن «العمل غير المأجور في رعاية الأطفال يجعل المرأة تنفق عدداً من الساعات يزيد بنحو خمس مرات عما ينفقه الرجل في أعمال الرعاية غير المأجورة».
وترى أستاذ علم الاجتماع في جامعة بنها د. هالة منصور، في حديثها لـ«المجتمع»، أن المرأة في العصر الحديث باتت محملة بأعباء كثيرة، مؤكدة أن النساء نزلن إلى سوق العمل بالإضافة إلى دورهن الأساسي في المنازل؛ وبالتالي أصبحت النساء محملة بأعباء كبيرة جداً.
بينما تشير إنجي سعيد، الخبيرة الأسرية، لـ«المجتمع»: إلى أن أحد أسباب المشكلات التي يعاني منها المجتمع الآن تتلخص في أن الجميع يريد أن يتحدث باسم النساء، بينما هن لا يتحدثن عن مشكلاتهن.
وأضافت أن دور المرأة في تربية الأطفال والحفاظ على استقرار الأسرة هو في الأصل أهم عمل في المجتمع، فلن نرى طبيباً ناجحاً أو مهندساً مبدعاً أو ضابطاً ملتزماً إلا لو كانت لديه أُم أحسنت تربيته، وزوجة هيَّأت له الظروف في المنزل لذلك.
تطور بشأن أدوار النساء
وتشير أرقام المنظمة إلى أن معدل مشاركة المرأة العربية في القوى العاملة يبلغ 18.4%، معتبرة أنه الأدنى في العالم مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يبلغ 48%، بينما تبلغ نسبة بطالة المرأة العربية 15.6%، وهي 3 أضعاف المعدل العالمي، وتشير المنظمة إلى أن تواجد النساء العربيات في المناصب الإدارية متدنٍّ في المنطقة، إذ إن 11% فقط منهن يشغلن مناصب إدارية مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يبلغ 27.1%.
ورغم ما تبدو عليه هذه النسب من عدم إنصاف النساء في سوق العمل، تشير د. هالة منصور إلى ما تعتبره تطوراً كبيراً على مستوى تمكين النساء، مؤكدة أن المنظومة الثقافية والاجتماعية تطورت خلال الـ50 عاماً الماضية، وأصبح للنساء دور كبير خارج المنزل، وبعدما كان الرجل هو المعني وحده بكل ما هو خارج البيت أصبح للنساء دور معه أيضاً.
هذا الرأي يتفق معه أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس حسن الخولي، الذي أكد لـ«المجتمع» أن العالم العربي الآن يعطي للمرأة حقوقها، ويفتح لها ميادين عمل أوسع وحريات أكثر من السابق، مشيراً إلى المملكة العربية السعودية وباقي دول الخليج التي شهدت تحولاً كبيراً في حياة النساء.
وأضاف أن المرأة في العصر الحالي لا تختلف عن الرجل، فكلاهما يعمل في كل ميادين العمل، وتطورت النظرة التي كانت منتشرة في السابق بأن النساء يعملن مجالات محددة كالتعليم أو الصحة، ولكن مع تقدم التكنولوجيا تغير كل ذلك.
بينما تشير الخبيرة الأسرية إنجي سعيد إلى أن الأزمة هي أن هناك من يريد أن يمارس كل طرف دور الآخر، وهو ما يحدث المشكلات، لافتة إلى أن القرآن الكريم كان حاسماً في ذلك، ففي سورة «النساء» قال تعالى: (وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (النساء: 32).
وأكدت أن هذه الآية واضحة، وتحدد دور كل فرد في المجتمع، فيجب ألا تسعى المرأة للحصول على دور الرجل، والعكس صحيح.
دور النساء في مواجهة الظروف الاقتصادية
ويتفق الخبراء، الذين تحدثوا إلى «المجتمع»، على أن جزءاً أساسياً من نزول النساء إلى العمل بالإضافة إلى تطور المجتمعات وأفكارها هو الظروف الاقتصادية التي تعاني منها معظم المجتمعات العربية الآن، حيث تؤكد الخبيرة الأسرية إنجي سعيد أنها عايشت مشكلات كثيرة، والشاهد أن أغلب هذه المشكلات تكون بسبب الأزمات المادية للرجل التي تنعكس بشكل مباشر على الأسرة، لافتة إلى أن نساء كثيرات أكدن لها أنهن ينزلن إلى العمل للمساعدة في المعيشة، وأنه لولا الظروف الاقتصادية الصعبة ما اتخذن هذه الخطوة.
وتشير د. هالة منصور إلى أن الرجل الآن بدأ يعتمد على المرأة في حمل أعباء خارج المنزل، نظراً للظروف الاقتصادية، بينما يؤكد د. حسن الخولي أن أدوار المرأة اختلفت في العصر الحديث نتيجة للمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدها العالم العربي، لافتاً إلى أنه رغم أن العالم يتحدث عن دور المرأة حالياً، كانت هناك امرأة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه اسمها «الشفاء»، ولاها عمر الحسبة على السوق، حيث تراقب الباعة وتمنع الغش والتزوير، وتأمر وتنهى عن كل محرم في البيع والشراء، وتحدد عقاب المخالفين للشرع.