يزعم أعداء الإسلام أن ديننا حرم المرأة من الحق في العمل، متناسين أن الإسلام دين الحق جاء وسطياً، فلم يمنع عملها، ولكنه وضع ضوابط لذلك، وهي في الأصل تستهدف حمايتها، كان ذلك قبل مئات السنين من الاختراع العلماني المنتشر حالياً باسم «البيئة الآمنة» لعمل النساء، فهذه البيئة هي الضوابط الشرعية التي تحدث عنها الإسلام.
«المجتمع» طرحت القضية على د. زينب الأشوح، أستاذة الاقتصاد، رئيسة قسم الاقتصاد سابقاً بكلية التجارة بنات جامعة الأزهر بالقاهرة، وهي الحاصلة على درجة الدكتوراة في الاقتصاد من جامعة ويلز البريطانية عام 1990م، عن موضوع «أثر الحالة الاقتصادية والاجتماعية للأمهات على الحالة الغذائية للأطفال دون سن الدراسة في مصر».
المساواة المطلقة بين النساء والرجال مدمرة للأسر والمجتمعات
بداية، ما تعليقكم على الجدل المتواصل بشأن المساواة بين النساء والرجال؟
– هذه كلمة كلما سمعتها أو قرأتها يصيبني الضيق والغضب، أنا شخصياً قمت بأبحاث كثيرة عن عمل النساء وتأثيره على حياة الأسرة والمجتمع، وأغضب من ترديد الناس الحديث عن المساواة المطلقة بين المرأة والرجل، وهذه فكرة بالنسبة لي مرفوضة تماماً؛ لأسباب كثيرة، وبشكل إيماني وعقائدي خلق الله سبحانه وتعالى الرجل سيدنا آدم ثم خلق المرأة سيدتنا حواء من هذا الرجل، فكيف يكون هناك مساواة بين الأصل والفرع الذي خرج منه، ولو كان الله، جل في علاه، يريدنا متساوين في كل شيء كنا وجدنا خلق حواء كما خلق آدم، لكن هناك حكمة إلهية في أن يخلق الله آدم ثم خلق منه حواء، وبالتالي المساواة المطلقة بين المرأة والرجل أمر مرفوض بالنسبة لي ليس كأزهرية فقط، وإنما أيضاً كمطلعة ومتدبرة في الكون، فالله سبحانه وتعالى خلق من كل شيء زوجين اثنين، وكذلك الإنسان خلق الذكر والأنثى، ولكل منهما طبيعة خاصة.
رسالتكم كانت عن تأثير عمل النساء على حياة الأطفال، ما نتائجها؟
– رسالتي للدكتوراة التي حصلت عليها من جامعة ويلز البريطانية كانت منصبة حول أثر الحالة الاجتماعية والاقتصادية للأمهات على الحالة الغذائية للأطفال من أول سن الولادة إلى سن ما قبل الدراسة؛ أي في عمر 6 سنوات تقريباً.
ولديَّ تجربة مثيرة بأن عدت من بريطانيا إلى القاهرة وقمت بإعداد دراسة ميدانية بنفسي، واخترت عينات عشوائية من بعض الأحياء في القاهرة، وكنت حريصة على أن تمثل الأحياء الفقيرة والغنية والعشوائيات في الدراسة، وحرصت في إعداد الدراسة أيضاً على أن تمثل عينات من خارج القاهرة، فاخترت قرية في وجه بحري وأخرى في وجه قبلي، وكان هدفي قياس وعي المرأة في هذه الأحياء والقرى، وهل فعلاً كلما زادت حالة الأم التعليمية تحسن حالة أطفالها، وكانت النتائج مثيرة جداً، حيث اتضح لي بعد التحليل القياسي الدقيق لنتائج البحث أن أفضل حالة غذائية للأطفال كانت للأمهات متوسطي التعليم.
ثم حاولت تفسير هذه النتيجة، فعدت إلى الدراسات الاجتماعية ووجدتها تتحدث عن معايير معينة، ومنها أن الطفل حتى تكون حالته الغذائية جيدة خاصة في مراحله الأولى، لا بد أن يكون هناك وقت كاف لرعايته؛ سواء كانت هذه الرعاية بالنسبة للتغذية أو انتظام الوجبات.
أفضل حالة غذائية للأطفال كانت للأمهات متوسطي التعليم
وبالنسبة للرضاعة الطبيعية أو التغذية مع الرضاعة ثم التغذية بعد ذلك، وجدت في الدراسات الطبية أن الطفل الأكثر صحة هو الذي يحصل على رضاعة طبيعية، فهنا المرأة العاملة ليس لديها وقت للرضاعة الطبيعية، فتلجأ إلى الرضاعة الصناعية، وهنا بداية الخطر؛ وبالتالي عمل المرأة في وقت رضاعة الطفل فشل في أهم استثمار في حياتها، حيث يكون له تأثير على الأجيال الجديدة التي من المفترض أن تبني المستقبل، وبالتالي التأثير طال المجتمع كله وليس الأسرة فقط.
ما خطورة تعالي نبرة المنافسة بين المرأة والرجل؟
– أعتقد أن المنافسة بين المرأة والرجل غير طبيعية، وأيضاً غير مقبولة، حيث يكون تأثيرها كبيراً على الأسرة، بل وتكون دائماً أحد أسباب تدميرها، ولي بحث منشور عن التنافسية المهنية بين المرأة والرجل، وفيه طُرح سؤال حاولت الإجابة عنه: هل التنافس بين النساء والرجال له تأثير؟ وتوصلت إلى أنه بالفعل هناك تأثير سلبي كبير.
ورغم أن هذا البحث كان منذ نحو 20 عاماً، فإنه الآن ومع التطور الحادث أصبح تأثير هذا التنافس ليس سلبياً فقط، وإنما أصبح تأثيراً مدمراً على الأسرة.
فالرجل في الحقيقة هو الملزم شرعاً بكل شيء في علاقته بالمرأة؛ سواء أثناء الزواج فيدفع المهر ويجهز بيت الزوجية وملزم برعايتها والإنفاق عليها، وحتى أثناء الطلاق يكون ملزماً أيضاً بدفع نفقة المتعة وغيرها من الالتزامات، ثم بعد الطلاق في حالة وجود أطفال يكون ملزماً بالإنفاق عليهم حتى يصلوا إلى سن العمل للذكور، وللبنت حتى تتزوج.
وهذا في الحقيقة يعني أن المطالبين بالمنافسة غير الطبيعية بين المرأة والرجل لديهم «شيزوفرنيا مجتمعية»؛ أي اضطراب عقلي نتيجة مرض الفصام، ففي الوقت الذي نطالب الرجل بالمطالب التي كلفه الشرع بها وخلقه من أجلها، وهي ليست مطالب ظالمة، فالله سبحانه وتعالى قال: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء)، لكن لا بد أن نكمل الآية: (بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)، ثم نكمل الآية الكريمة: (وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) (النساء: 34)، وهذه الآية تكشف أسباب التفضيل وهو حق الرعاية والإنفاق، وكيف يستطيع الرجل الإنفاق إن كانت هناك منافسة غير طبيعية مع النساء.
لكن هناك نسبة كبيرة من النساء الآن معيلات، فما الحل؟
– بالفعل هذا حقيقي، وللتوضيح أنا لست ضد عمل المرأة، وإنما ضد منافسة الرجل، وأنصح دائماً طالباتي بضرورة أن يكون لديهن مهنة، ليس للمساواة مع الرجل ولكن حتى لا تنتج ذرية ضعافاً، فدور المرأة تكاملي وليس تنافسياً مع الرجل، ولا بد أن يكون الأولوية لعمل الرجل، وأن تكون هناك مجالات لعمل المرأة لا تنافس الرجل فيها، لكني الآن أرى فخراً بنساء يعملن كسائقات على شاحنات أو قطارات وفي ورش الميكانيكا، فهذا تشجيع في غير محله يدمر الأسر.
عمل المرأة تكاملي وليس تنافسياً مع الرجل
هناك من يرفعون شعار «تمكين المرأة»، بتقديرك ما المقصود من ذلك؟
– الأمم المتحدة عندما وضعت أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، كان بها الهدف الخامس المتعلق بالمساواة المطلقة بين الرجل والمرأة، وتمكين النساء، وأنا كنت أشرف على رسالة دكتوراة مؤخراً تناولت هذا الهدف تحديداً، ووجدنا أن الإسلام يتيح تمكين عمل المرأة ولكن بضوابط، خاصة أن المرأة في المجتمع ستكون بحاجة إلى طبيبة نساء وولادة، وبالتالي نحتاج أن تعمل نساء في الطب، ومعلمة تعلم الأطفال في المدارس، بالإضافة إلى ما ذكرناه عن العمل من المنزل في مهن كثيرة أتاحها الآن التقدم التكنولوجي الكبير.
الضوابط التي أقصدها هنا هي التي حددها الشرع بألا يكون هناك اختلاط محرم، وألا يكون هناك صداقة بين المرأة والرجل تحت أي مسمى زملاء أو أصدقاء أو غيرها.
وهناك إعلانات توظيف تحط من قيمة المرأة، فعندما نجد إعلاناً مكتوب عليه «مطلوب للعمل بائعة حسنة المظهر»، فهنا حولنا المرأة إلى جارية، وهناك شكاوى من النساء بأنه يتم حرمانهن من العمل في وظائف لأنهن محجبات، ويطلبون منهن خلع الحجاب كشرط للتوظيف.