يقول الخبير في الشؤون «الإسرائيلية» محمد سيف الدولة: إن اللغة المستخدمة في طلب بايدن الموجه للكونجرس لتوفير اعتمادات مالية ضخمة لعملية غزو «إسرائيل» لغزة بالغة الخطورة وتمرير للتهجير القسري لأهل غزة إلى خارجها ولعموم الشعب الفلسطيني إلى خارج أراضيه.
وأوضح أن هذه اللغة والأصوات داخل البيت الأبيض المنحازة بالكامل لـ«إسرائيل» التي تقف من خلف حديث التهجير واللجوء العابرين للحدود، لا تمانع في التورط في جريمة انتهاك السيادة المصرية، وجريمة تصفية القضية الفلسطينية، على حسابنا، بصيغة تهجير قسري لأهل غزة إلى سيناء.
ويمكن في هذا الصدد رصد 3 خطط تم تسريبها عبر المخابرات الصهيونية وجهات غربية لخطط تهجير أهالي غزة إلى خارجها، وخاصة مصر، على النحو التالي:
خطة مستشار نتنياهو
هذه هي أهم وأخطر الخطط الصهيونية لتهجير أهالي غزة، والغريب أنها لا تقترح فقط نقلهم لسيناء كما قيل، وإنما تسكينهم للأبد في العاصمة المصرية نفسها القاهرة!
الخطة نشرها معهد «ميشجاف» أو «ميسغاف» لشؤون الأمن القومي والإستراتيجية الصهيوني، في 4 صفحات عبر الموقع العبري، في 17 أكتوبر الجاري، وهو مركز يديره مائير بن شبات، مستشار رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو للأمن القومي، وكان الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي، كما أنه أحد مهندسي اتفاقيات «أبراهام» للتطبيع مع 4 دول عربية، هي: الإمارات والبحرين والمغرب والسودان.
أهمية هذا المركز أيضاً أنه يعد أحد أهم المراجع والمصادر التي يستند إليها جهاز المخابرات الخارجية الصهيوني (الموساد) وباقي الأجهزة الأمنية الصهيونية، بحسب موقع «التلفزيون الإسرائيلي» (i24news).
الخطة المثيرة للجدل تتحدث عن تهجير أهالي غزة، لا إلى سيناء، وإنما للقاهرة العاصمة، وتحديداً حي 6 أكتوبر غرب القاهرة، وحي العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية، الذي يدخل في نطاق القاهرة، التي تبعد 10 كم عن العاصمة الإدارية الجديدة.
ويقول محللون: إن الصهاينة اختاروا هاتين المدينتين لأنهما توثقان لانتصار مصر على «إسرائيل»، في حرب 6 أكتوبر 1973م، لتسكين الفلسطينيين فيهما؛ وهما «6 أكتوبر»، و«10 رمضان»، لتحويل الانتصار باسمهما إلى نكبة أخرى.
هذه الخطة الصهيونية عبارة عن «ورقة موقف» باسم «خطة التوطين والتأهيل النهائي في مصر لجميع سكان غزة والجوانب الاقتصادية لها»، وكتبها أمير ويتمان، وهو الذراع اليمنى لنتنياهو، وأقدم عضو في حزب «الليكود» الحاكم في الكيان الصهيوني.
ملخص الخطة التي نشرها المعهد تقوم على تهجير ما بين 1.4 إلى 2.2 مليون من سكان غزة إلى مصر، وانتهاز فرصة الحرب الحالية على غزة لتنفيذها، على أن يقدم الكيان ودول أخرى قرابة 8 مليارات دولار أو أكثر لمصر لتنقذ بها اقتصادها المنهار.
الخطة تبدو ساذجة، لكنها ترتكز على معلومات تقول: إن إحصائية مصرية صدرت عام 2017م كشفت أنه يوجد في مصر حوالي 10 ملايين وحدة سكنية فارغة، نصفها مبني والنصف الآخر قيد الإنشاء تكفي لإيواء حوالي 6 ملايين شخص، ومن هناك تقترح نقل الفلسطينيين في غزة (2.2 مليون) لها، وترى أن أسعارها تناسب الفلسطينيين.
وتؤكد أن التكلفة الإجمالية للمخطط الصهيوني حوالي 8 مليارات دولار، وهو ما يعادل قرابة 1.5% أو 2% فقط من الناتج المحلي الإجمالي للكيان، ويمكن تمويله بسهولة من قبلها، حتى دون أي مساعدة دولية، وهو مبلغ زهيد بالمقارنة باقتصاده.
ويقول المعهد الصهيوني: إن هذا الضخ المالي لمصر مقابل قبولها تهجير أهالي غزة سوف يشكل حافزاً قوياً وفائدة فورية للاقتصاد المصري؛ ما يعني أنه سيدفعه لقبول الخطة، معتبراً أن هذا حل مبتكر ورخيص ومستدام!
وتواجه الحكومة المصرية ضغوطًا شديدة من صندوق النقد الدولي لتطبيق إصلاحات اقتصادية صارمة، كما أنها مطالبة بسداد قيمة فوائد وأسقاط ديون في عام 2024 تقدر بـ29 مليار دولار، وكانت 19 ملياراً عام 2023م.
وتشير الخطة الصهيونية لتهجير سكان غزة إلى أن هناك بُعداً اقتصادياً آخر خبيثاً لها؛ هو سعي الصهاينة للاستيلاء على غاز غزة الذي يعرقلون استخراجه بحجة عدم استغلال «حماس» لعوائده في المقاومة، لكنهم يريدونه لأنفسهم.
الخطة الثانية
الخطة الصهيونية الثانية لتهجير أهالي غزة كشفت عنها صحيفة «كلكاليست» العبرية، في 24 أكتوبر الجاري، وتتحدث عن خطة لتهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء المصرية مع نهاية الحرب التي يشنها الاحتلال على القطاع.
حسب الصحيفة العبرية، فإن وزيرة الاستخبارات غيلا غامليئل تقود هذا التوجه، واكتُشف ذلك في وثيقة رسمية وصلت إلى الصحيفة، وهي وثيقة تدور حولها النقاشات بين الوزارات سرّاً.
ولم يكن متوقعاً أن تصل هذه الخطة إلى أيدي الجمهور، لكنها وصلت إلى حركة تُدعى «مقر الاستيطان- قطاع غزة»، تبذل جهوداً من أجل عودة الاستيطان في القطاع، كما تقول الصحيفة.
وتبحث الوثيقة خيارات ما بعد الحرب على غزة، ومن ضمنها إقامة مدينة خيام في سيناء، ودعم المهجَّرين بالمساعدات الإنسانية، ثم إقامة مدن لإسكانهم في شمال سيناء، وإقامة منطقة حصينة على امتداد الحدود لمنع المهجرين من العودة إلى غزة.
تهجير لدول أخرى
هناك سيناريو تهجير آخر تحدثت عنه صحف غربية، وتكاد تتطابق تفاصيلها مع خطط التهجير السابقة.
فقد دعا ألف دوبس، النائب اليهودي في حزب العمال البريطاني إلى وضع خطة لإعادة توطين الفلسطينيين الذين لديهم روابط عائلية ببريطانيا ودول غربية، ضمن الخطة الصهيونية، بحسب صحيفة «الغارديان».
أوجز دوبس تفاصيل المخطط الذي تصوره للفلسطينيين من غزة، بأنه سيتم تصميمه على غرار المبادرات التي قدمتها بريطانيا للأوكرانيين والأفغان، بحيث يتم تهجير قسم من الفلسطينيين من غزة خاصة هؤلاء الذين لديهم عائلات أو روابط بدول أجنبية.
وقال: ستكون هناك بالطبع ضغوط سياسية على الفلسطينيين في غزة حتى لا يغادروا (يقصد من الفلسطينيين ودول عربية)، لكنْ سيكون هناك تهجير لبعضهم في النهاية بدعاوى حاجة لمساعدة طبية!
وقال دوبس، الذي يدعم حملات الكراهية ضد الإسلام (الإسلاموفوبيا): إنه يتعين على بريطانيا الشروع في خطة لإعادة التوطين بالتنسيق مع الدول الأوروبية الأخرى والهيئات الدولية مثل الأمم المتحدة، مضيفاً أن مبادرته ستمهد الطريق أمام مصر للسماح للفلسطينيين بمغادرة غزة عبر معبر رفح، وتشجيع مصر طالما أنها لا تريد أن يذهب الفلسطينيون لسيناء.
وتعود جذور خطط تهجير الفلسطينيين من غزة إلى الفترة التي تلت نكبة عام 1948م، ففي ذلك الوقت، رأى القادة الصهاينة أن وجود الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية يشكل تهديداً لطابع الدولة اليهودية.
وقد قدمت أطراف صهيونية سياسية وأمنية وعسكرية مشاريع لرؤساء مصر المختلفين، تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة وإعادة تشكيل الوجود السكاني في المنطقة.
وكانت هذه الجهود تستند إلى الاعتقاد بأن استمرار وجود الفلسطينيين في غزة يشكل تهديداً للأمن القومي الصهيوني، ومع ذلك، لم تُنفَّذ هذه المشاريع حتى الآن.
حينها قال ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني: إن العرب (الفلسطينيين) يجب ألا يظلوا هنا، وسأبذل قصارى جهدي لجعل العرب في دولة عربية.
ووفقاً لتقرير منظمة «هيومن رايتس ووتش»، بعد احتلال «إسرائيل» قطاع غزة في عام 1967م، شجَّعت سلطات الاحتلال الهجرة القسرية للفلسطينيين بإجبار المسافرين من غزة على ترك بطاقات الهوية وتوقيع وثائق تفيد بأنهم مغادرون بمحض إرادتهم، وأن عودتهم مشروطة بالحصول على تصريح من السلطة العسكرية.
ونتيجة لهذه السياسة، أُلغي اعتراف «إسرائيل» بوجود نحو 140 ألف فلسطيني، بما في ذلك 42 ألفاً من سكان غزة، بحجة تجاوزهم فترة الإقامة المسموح بها في الخارج، ولا يزال الكثير منهم عالقين في الخارج دون وثائق تُثبت هويتهم.
في عام 1968م نفسه، ناقشت لجنة في الكونغرس الأمريكي خطة لتهجير طوعي لنقل 200 ألف فلسطيني من غزة إلى دول أخرى مثل ألمانيا الغربية والأرجنتين وباراغواي ونيوزلندا والبرازيل وأستراليا وكندا والولايات المتحدة، ولكن هذه الخطة فشلت بسبب رفض كثير من الدول استضافة الفلسطينيين على أراضيها.
في عام 1970م، حاول أرئيل شارون، الذي كان قائداً في الجيش «الإسرائيلي» وأصبح لاحقاً رئيساً للوزراء، تفريغ قطاع غزة من سكانه، ونقل مئات العائلات الفلسطينية في حافلات عسكرية وألقاهم في مناطق مثل سيناء التي كانت تحت الاحتلال.
وتضمنت خطة منح تصاريح للفلسطينيين الذين يرغبون في المغادرة من غزة للدراسة والعمل في مصر وتقديم حوافز مالية لتشجيعهم على ذلك.
كان الهدف من هذه الخطة إحداث تغيير في التوزيع السكاني في غزة بهدف القضاء على المقاومة وتخفيف الاكتظاظ السكاني، حيث كان عدد السكان في ذلك الوقت يبلغ 400 ألف نسمة.
في عام 2000م، قدم اللواء في الاحتياط غيورا أيلاند، الذي كان يرأس مجلس الأمن القومي الصهيوني، مشروعاً يُعرف باسم «البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين»، نُشر هذا المشروع في مركز «بيغن – السادات للدراسات الإستراتيجية».
وفقاً للمشروع، ستقدم مصر تنازلاً عن 720 كيلومتراً مربعاً من أراضي سيناء لصالح الدولة الفلسطينية المقترحة، وفي المقابل، يتنازل الفلسطينيون عن نفس المساحة المقترحة في سيناء من مساحة الضفة الغربية وتضمينها السيادة «الإسرائيلية».
أما مصر فتحصل على تبادل للأراضي مع الاحتلال في جنوب غرب النقب (منطقة وادي فيران) بنفس المساحة، مع منحها امتيازات اقتصادية وأمنية ودعماً دولياً.
وضمن مشروع «صفقة القرن»، الذي أطلقه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب في عام 2020م تحت عنوان «السلام على طريق الازدهار»، كان مطروحاً تنازل مصر عن أراضٍ في سيناء لإقامة مطارات ومصانع ومراكز تجارية ومشاريع زراعية وصناعية تسهم في توفير فرص عمل لمئات آلاف الأشخاص، وتأسيس دولة فلسطينية في تلك المنطقة.