على الرغم من انطلاق قطار التطبيع مع الكيان الصهيوني من القاهرة، قبل نحو 5 عقود، تحديداً في العام 1979م، ومروراً بالعاصمة الأردنية في عام 1994م، ولحاق عدد من الدول العربية بركابه خلال السنوات الأخيرة، وجنوح دول أخرى للقفز في إحدى عرباته، فإن الرفض الشعبي العربي لإقامة علاقات مع «تل أبيب» ما زال يمثل مكابح هذا القطار، لا سيما بعد اندلاع عملية «طوفان الأقصى»، في 7 أكتوبر 2023م، وما تبعها من شن «إسرائيل» حرباً مدمرة على قطاع غزة.
أحدث الدلالات على أن هذه المكابح ما زالت تعمل بشكل جيد برزت الشهر الماضي، حيث أظهر استطلاع أجراه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن 96% من السعوديين يعتقدون أنه يجب على الدول العربية قطع جميع العلاقات مع «إسرائيل» احتجاجاً على الحرب في غزة.
وقبل اندلاع حرب غزة الأخيرة التي أسفرت عن استشهاد أكثر من 26 ألف فلسطيني وإصابة نحو 65 ألفاً آخرين، سعت الولايات المتحدة لإبرام أحدث صفقة كبيرة للتطبيع بالشرق الأوسط، تتمثل في عقد اتفاقية تعترف بموجبها السعودية بـ«إسرائيل».
ولا تعترف السعودية بـ«إسرائيل»، ولم تنضم لمعاهدة «أبراهام» التي أقامت بموجبها الإمارات والبحرين علاقات دبلوماسية مع «إسرائيل» عام 2020م بوساطة الولايات المتحدة.
رفض شعبي
بعد مرور عامين، على معاهدة التطبيع بين أبوظبي والمنامة و«تل أبيب»، تكشفت أرقام تكشف مدى الرفض الشعبي في الإمارات والبحرين، لاتفاقيات التطبيع التي وقعتها حكومتا البلدين مع كيان الاحتلال.
ونقل تقرير نشرته «أسوشيتد برس» عن وزارة السياحة «الإسرائيلية»، أنه على مدى عامين منذ الاتفاقين، لم يرقَ تدفق السياح من الخليج إلى المستوى المنشود على الرغم من تدفق أكثر من نصف مليون «إسرائيلي» إلى أبو ظبي ودبي، إذ لم تستقبل «إسرائيل» سوى 1600 مواطن إماراتي فقط.
وبحسب التقرير، فإن وزارة السياحة لم تحدد عدد السياح من البحرين الذين زاروا الكيان الصهيوني نظرًا لكونه ضئيلًا للغاية.
ومؤخراً، أظهرت دراسة أجرتها وزارة الشؤون الإستراتيجية «الإسرائيلية» لمضمون المنشورات في وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي، عن اتفاقيات التطبيع الموقعة مؤخراً التي شملت أيضاً المغرب والسودان، خيبة أمل كبيرة للآمال «الإسرائيلية» في هذا المجال.
ووفقاً لموقع «تايمز أوف إسرائيل» الذي نشر نتائج الدراسة، فإن موقف 81% من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي العرب كان سلبياً تجاه اتفاقات التطبيع، و8% لديهم آراء سلبية جداً، وفقط 5% رأوها إيجابية، أي أن 89% من المنشورات العربية كانت سلبية تجاه التطبيع.
واعتبرت 45% من التعليقات المنشورة في العالم العربي، اتفاق التطبيع «الإسرائيلي» العربي بأنه «خيانة»، كما بيّنت الدراسة أن المدافعين عن التطبيع، وهم الأقلية، ركّزوا على مزايا الصفقات الأمنية والاقتصادية مع «إسرائيل»، وهو موضوع تسوق له آلة الإعلام الرسمية لتسويغ التطبيع، وإلباسه لباس المصلحة الوطنية!
وفي الإطار ذاته، نشر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ضمن برنامج قياس الرأي العام، نتائج مشابهة للدراسة «الإسرائيلية» فيما يتعلق بتقبل العرب اعتراف بلدانهم بـ«إسرائيل»، حيث بينت نتائجه رفض 88% من المستطلعة آراؤهم أن تعترف بلدانهم بـ«إسرائيل»، مقابل 6% من المستجيبين أفادوا بأنهم يقبلون هذا.
وتصدّرت الجزائر أعلى نسبة رفض للاعتراف بـ«إسرائيل» بنسبة 99%، تلاها لبنان بنسبة 94%، ثم تونس والأردن بنسبة 93%، وفي الخليج رفض قرابة 90% من المستطلعة آراؤهم في قطر والكويت اعتراف بلدانهم بـ«إسرائيل»، كما أن 65% من السعوديين عبروا عن رفضهم ذلك، مقابل 6% وافقوا على ذلك، رفض 79% من السودانيين الاعتراف بـ«إسرائيل»، مقابل 13% وافقوا على هذا.
وتفيد دراسة بحثية صادرة عن مركز «شاف» للدراسات المستقبلية، بأن عملية «طوفان الأقصى» أعادت التشكيك في مسار ومستقبل التطبيع العربي «الإسرائيلي»، كما جعلت مستقبل الاتفاقات الإبراهيمية مجهولاً بعد أن فرضت القضية الفلسطينية نفسها على الجميع.
محاولات فاشلة
وقبل أيام، جدد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان تأكيد بلاده أن التطبيع مع «إسرائيل» «لن يتحقق إلا من خلال حل القضية الفلسطينية».
وتطالب الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني الدول العربية والإسلامية بصفة خاصة بإعادة النظر في مسلسل التطبيع مع العدو «الإسرائيلي».
وبحسب الكاتب الفلسطيني إبراهيم حمامي، فإن «إسرائيل» ظلت على مدى 5 عقود، وتحديداً منذ زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات لها عام 1977م ومن ثم توقيع اتفاقية «كامب ديفيد» بعد ذلك بعامين، تسعى للتطبيع الشعبي العربي لكنها لم تحصل عليه.
وأكد حمامي أن كلّ محاولات «إسرائيل» الثقافية والاقتصادية والسياسية لاختراق الشعب المصري باءت بالفشل، وتكرر الأمر ذاته مع الشعب الأردني الذي وقعت السلطات فيه اتفاقية سلام مع «إسرائيل» قبل نحو 30 عاماً.
وفي الأردن ومصر، على الرغم من أن التطبيع مشرّع قانونياً وفق اتفاقيتي «وادي عربة» و«كامب ديفيد»، فإنه مجرّم وفق قرارات النقابات المهنية.
بحسب حمامي، فإن «إسرائيل» أدركت أن التطبيع مع الشعوب العربية مستحيل، معتبراً أن ما جرى في كأس العالم الذي استضافته قطر من رفض عربي للوجود الإعلامي «الإسرائيلي» خير دليل على موقف الشعوب العربية قاطبة الرافض للوجود «الإسرائيلي» على التراب الفلسطيني.
وعن تأثير حرب غزة على مسألة التطبيع، رجح المحلل السياسي محمد رجائي بركات أن يكون للحرب تأثير كبير على مسار التطبيع بين الدول العربية و«إسرائيل»، خاصة أن غالبية شعوبها غير راضية على تلك الاتفاقات، خاصة مع السعودية، سيما أن منظمة التعاون الإسلامي التي تترأسها الرياض حالياً، جددت إدانتها للعدوان العسكري «الإسرائيلي».
وتوقع بركات أن تبلغ تداعيات الحرب المستمرة حد انسحاب بعض الدول من اتفاقات التطبيع، أو تجميدها.