الزواج في الإسلام له شأن عظيم، وصفه الله عز وجل في كتابه بالميثاق الغليظ، وبالآيات الكبرى، فقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم: 21).
وجعل الله عز وجل الزواج النواة الأولى في تكوين الأسرة المسلمة، ومن ثم المجتمع والدولة المسلمة التي تحقق مراد الله تعالى في تطبيق شريعته ورفع لواء التوحيد فيها؛ ولذلك أولته الشريعة أهمية خاصة، فوضعت له شروطاً وأحكاماً وتبعات ومسؤوليات تقع على عاتق كل طرف لتستقيم تلك المؤسسة العظيمة.
وقد انتشرت في السنوات الأخيرة فكرة الزواج العرفي بصورته الحالية التي تنافي تماماً صورة الزواج في الإسلام وصحته والغرض منه وغايته، ولتوضيح ماهية الزواج وصورته الشرعية والحرمات التي تنتهك، كان هذا الكتاب الذي قام بتأليفه جمال بن محمد بن محمود، وراجعه الشيخ علي أحمد عبدالعال الطهطاوي(1)، وتم نشره بدار الكتاب العلمية ببيروت/ لبنان عام 1424هـ/ 2004م.
وتم تقديم الكتاب في 4 أبواب، كل باب يتكون من عدة فصول، سوف نتناولها إجمالاً:
الباب الأول: مفهوم الزواج في الإسلام:
يبدأ الكاتب بحثه بتعريف الزواج لغة واصطلاحاً، فيعرف الزواج لغة بأنه: الازدواج والاقتران والارتباط، وفي معجم متن اللغة: زوجته امرأة، جعلتها زوجة له، أما اصطلاحاً: هو والنكاح مترادفان، والمقصود بكل منهما عقد يفيد ملك المتعة قصداً(2).
يقول الشوكاني: والنكاح في الشرع عقد بين الزوجين يحل به الوطء، وهو في حقيقة العقد مجاز في الوطء وهو الصحيح لقوله تعالى: (فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) (النساء: 25)، والوطء لا يجوز إلا بالإذن، وقال أبو حنيفة: هو حقيقة الوطء مجاز في العقد لقوله صلى الله عليه وسلم: «تناكحوا تكاثروا»(3).
والزواج سُنة من سنن الله تعالى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «النكاح من سُنتي، فمن لم يعمل بسُنتي فليس مني، وتزوجوا فإني مكاثر بكم» (رواه ابن ماجه في كتاب النكاح).
وقد جعل الله عز وجل للزواج حكمة وحتى تتم، أمر الطرفين أن يحسنا اختيار الآخر، ومن هذه الحكم:
– عمران الكون وازدهاره وتكثير النسل الإسلامي: أمر القرآن الكريم بالزواج: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ) (النور: 32)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن مسعود: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» (أخرجه البخاري).
– إعفاف النفس والتقرب إلى الله تعالى: عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما تركت بعدي على أمتي فتنة أضر على الرجال من النساء» (أخرجه البخاري)، واتقاءً لتلك الفتنة شرع الله عز وجل النكاح.
– إنشاء الجيل المسلم: وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما ورد عن أبي هريرة قال: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» (أخرجه مسلم).
– استمرار ذرية الإنسان.
– تفريغ القلب عن تدبير المنزل، وتهيئة أسباب العيش فيتفرغ للعلم والعمل.
– مجاهدة النفس ورياضتها بالرعاية والولاية، والقيام بحق الأهل والصبر على أخلاقهن واحتمال الأذى والسعي في إصلاحهن، والاجتهاد في كسب الحلال لأجلهن، والقيام بتربية الأولاد، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دينار تنفقه في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أفضلها الذي أنفقته على أهلك» (أخرجه مسلم).
الباب الثاني: الأنكحة التي هدمها الإسلام:
– نكاح الخدن: وهو اتخاذ الخليلات من النساء والبغايا، وقد قال الله تعالى: (وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ) (النساء: 25).
– نكاح البدل: وهو أن يقول الرجل للرجل: انزل عن امرأتك، وأنزل لك عن امرأتي وأزيدك. (رواه الدارقطني عن أبي هريرة).
– نكاح الشغار: وهو أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الرجل الآخر ابنته، وليس بينهما صداق.
– نكاح الاستبضاع: كما ورد عن عائشة رضي الله عنها: «كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها: أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها حتى يتبين حملها، فإذا تبين أصابها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد».
– نكاح البغايا: وهو أن يجتمع الرهط على المرأة فيدخلون كلهم يصيبها، فإذا حملت ووضعت ومر عليه ليال أرسلت إليهم فلم يستطيع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، فتقول لهم: قد عرفتم ما كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان، فيلحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع منه الرجل.
– نكاح المتعة: وهو النكاح المؤقت، ويسمى الزواج المؤقت والزواج المتقطع.
وللزوجين صفات يجب أن تؤهلهما لقبول أحدهما بالآخر:
أولاً: صفات الزوجة:
– أن تكون صاحبة دين وذات خلق، لورود النصوص تؤكد على صلاح الدين.
– أن تكون ولوداً، فالشريعة الإسلامية قد حببت طلب الذرية الصالحة ورغبت في تكثير نسل المسلمين.
– الودود: أي تكون مقبلة على زوجها وتحيطه بالعناية والحب والمودة.
– أن تكون بكراً، فهي أكثر ملاطفة لزوجها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه على هذا الأمر.
– الجمال؛ وهو نسبي، ولذلك حرص النبي صلى الله عليه وسلم على نظرة ما قبل الزواج ليرى القبول من أساسه.
– الحسب؛ أي كرامة العنصر من حرائر النساء حميدة الطباع.
– السلامة من العيب، فلا تكون منفرة.
ثانياً: الزوج:
وأما عن صفات الزوج الذي ينصح بقبوله، فهي نفس صفات المرأة التي تتزوج من أجلها، لكن الاحتياط في حقها أكبر، وعلى ولي الأمر أن يحرص على البحث والتأكد من صلاح الزوج، وكما أن المرأة تنكح للدين فكذلك الرجل، وقد ورد عن أبي حاتم المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»، قالوا: يا رسول الله، إن كان فيه، قال: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه» ثلاث مرات. (أخرجه الترمذي باب النكاح).
وتجري على الزواج الأحكام التكليفية الخمسة بدءاً من درجة الواجب، والمستحب، والحرام، والمكروه، والمباح حسب حالة كل مسلم ومسلمة.
الباب الثالث: أركان عقد الزواج وشروطه:
الأركان التي لا يصح الزواج إلا بها:
– الصيغة؛ وهي الإيجاب والقبول.
– الولي.
– المهر.
الشروط التي يقوم ويصح بها عقد الزواج:
– ألا تكون المرأة محرمة على الرجل تحريماً فيه شبهة أو خلاف بين الفقهاء.
– الشهادة على الزواج، وهو أقل عدد للإشهار، وللشهود شروط، هي: العقل، البلوغ، سماع كلام المتعاقدين مع فهم أن المقصود به عقد الزواج، الحرية، الإسلام، والذكورة، وذهب الأحناف لجواز وجود رجل وامرأتين.
– إعلان الزواج وإشهاره والضرب عليه بالدف ترغيباً للشباب في الزواج، ثم توثيق العقد لحفظ الحقوق الزوجية في هذا العصر.
الباب الرابع: الزواج العرفي السري:
هو عقد يفيد وجود استمتاع لكل العاقدين بالآخر، ولكنه على وجه غير مشروع، وهو الوضع الحالي المعروف بين الشباب في الجامعات وبعض الرجال الذين يريدون التهرب من تبعات ومسؤولية الزواج بالتخفف من المهر والنفقة الواجبة ووجود الولي، وهو بذلك نوع من الزنى وأقرب إليه، ومن أهم أسباب الزواج العرفي بصورته الحالية: غلاء المهور وعجز الشباب عن نفقاته، كذلك القيود القانونية والمجتمعية على مسألة تعدد الزوجات، والنظرة السلبية للمجتمع للزواج الثاني.
المفاسد الناجمة على ظاهرة الزواج العرفي في الجامعات
– اختلاط الأنساب وضياع الأطفال، فلا عقد يحفظ حقوقهم، ولا دليل تعترف به المحكمة حين اللجوء إليها.
– ضياع الحقوق المالية للزوجة.
– انتفاء الهدف الذي من أجله شرع الله عز وجل الزواج من استقرار نفسي ومجتمعي وبناء أسرة طبيعية.
لقد صار لزاماً على المجتمع بدءاً من الأسرة وانتهاءً بالأنظمة الحاكمة ومروراً بالعلماء والفقهاء، أن يبحثوا عن حل لتلك الظاهرة التي كانت ضحيتها الآلاف من بناتنا وأبنائنا، وأن يتفق الجميع على صيغة للتساهل في المهور وتيسير نفقات الزواج، والاعتراف بحاجة المجتمع لفتح الباب لتعدد الزوجات بشكل شرعي لتحل مشكلة الملايين من الفتيات فوق الثلاثين دون زواج، كذلك حاجة بعض الرجال للتعدد بشكل يليق بالمسلم بعيداً عن دائرة الانحراف.
_______________________
(1) رئيس جمعية أهل القرآن والسُّنة.
(2) نيل الأوطار للشوكاني (6/ 121).
(3) المرجع السابق.