يطرح كتاب «الطريق إلى الربانية.. منهجاً وسلوكاً»، بعض التساؤلات على النفس، منها: لماذا لا يدفعنا الإيمان إلى العمل الصالح؟ لماذا ندخل على الصلاة فتتزاحم علينا خواطر الدنيا، نفتتح القراءة في المصحف فتهرب منا القلوب في أودية الحياة؟ لماذا كان الصحابة والسلف يطابق فعلهم قولهم، أما نحن فنتكلم ونتمنى ونحلم، ولكن لا نستطيع التنفيذ؟
يجيب مؤلف الكتاب د. مجدي الهلالي بالقول: إن هناك حلقة مفقودة بين العقل والقلب، تحول دون أن تصل إلى مرحلة القدرة على فعل ما يحب ربنا ويرضى.
من أين نبدأ؟ وكيف نسير؟ هكذا يواصل المؤلف طرح تساؤلاته، مقدماً عدة فصول تدور حول الربانية، وموقعنا منها، ومدى حاجتنا إليها، والطرق الموصلة إليها، والعقبات التي قد تعترض السائر في طريقها.
ويستعرض الفصل الأول معنى الربانية لغة وشرعاً، يقول ابن الأثير: «الرباني هو المنسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون للمبالغة»، ويقول القرطبي في تفسيره: «الرباني منسوب إلى الرب، وهو الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره، وهو العالم بدين الله الذي يعمل بعمله».
هذا من الناحية اللغوية، أما من الناحية الشرعية، فالرباني كما يقول أبو حامد الغزالي، هو القريب من الله، وأكثر الناس ربانية هم أقربهم من الله عز وجل.
يقول الهلالي: إن القلب محل العبودية، ففيه تجتمع المشاعر من حب وكره، وخوف ورجاء، وفرح وحزن، ورغبة ورهبة، فقد جعله الله ملكاً على الجسم، ومن جنود هذا القلب، العقل وهو محل العلم والتفكير، فبه تُدرك العواقب وتُلجم العواطف، مشيراً إلى ما ذكره ابن القيم عن تقسيم القلوب إلى ثلاثة أقسام؛ قلب حي موصول بالله، وقلب ميت لا حياة فيه، وقلب ثالث به حياة وبه علة.
وتحت عنوان «هل نحن ربانيون؟»، يتناول الفصل الثاني من الكتاب صفات القلب الحي، وهي انشراح الصدر، وجل القلب عند ذكر الله، وخشوع القلب، وسرعة التأثر بالموعظة، وتذوق حلاوة الإيمان، والشعور بالقرب من الله، ودوام الفرار إلى الله، وانكسار القلب أمام القادر المقتدر، وهي من أعلى درجات الخشوع، وعلى قدر الكسر يكون الجبر، ولا جبر لانكسار العبد أعظم من القرب والإجابة.
ويسلط الفصل الثالث من الكتاب، الصادر عام 2003م، الضوء على حاجتنا إلى الربانية، مؤكداً أن الربانية الوسيلة الوحيدة لتحصيل السعادة بمعناها الحقيقي، والدخول في معية الله وحمايته، وتأمين مستقبل الأبناء، وقد ذكرنا الله في كتابه بكفية تأمين مستقبل الأولاد في الدنيا والآخرة، فقال عز وجل: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) (النساء: 9).
يكمل الهلالي مستعرضاً ثمار الربانية، من الانسجام مع الفطرة الإنسانية، وتحصيل العلم والتمكين لدين الله والقرب من الخالق، والفوز بالجنة، لكن وفق درجات متفاوتة بحسب تفاوت قلوبهم في الدنيا من الوصول الى الله.
وفي الفصل الرابع، المعنون بـ«دليل الربانية»، يبدأ الهلالي في تقديم مفتاح الطريق للقارئ، وهو الإرادة والرغبة والحاجة إلى وجود القلب الحي فهذا هو المفتاح الذي من فقده ضل الطريق، وعلاج الفتور وضعف الهمة، مستشهداً بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: قال: «من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة» (أخرجه الترمذي).
ويشرح المؤلف الملامح العامة للطريق نحو الربانية، مذكراً بدور القرآن الكريم، وجوانب الهداية فيه، فمن سمات الذكر الحكيم أنه يحيي القلب، وينير البصيرة، وهو دواء للقلب، ويسعد صاحبه، ويزيد الإيمان ويوضح الرؤية، ويبشر وينذر، وهو أهم مصدر للعلم، لذلك يجب الاسترشاد به كدليل للهداية، وذلك بالقراءة الواعية وحضور الذهن وتدبر الآيات والمداومة على القراءة وترديد الآيات التي تؤثر في القلب والتجاوب معها بالخشوع والعمل.
ومن طرق الوصول إلى الربانية الصلاة والذكر، والتفكر في آيات الله وصفاته، والتدبر في آيات الله الكونية، والتمعن في الرسائل التي تصل إلى القلب، مثل رسائل المرض والموت والبرق والمطر والمنع وغير ذلك، فهناك رسائل تثبيت، ورسائل تبشير، ورسائل إنذار وتخويف، فالسعيد من أحسن قراءة تلك الرسائل وفهم المقصود من ورائها.
ويدعو الكتاب إلى الأخذ بطرق أخرى للوصول إلى الربانية، وهي طرق تتعلق بالتعامل مع الناس والإحسان إليهم، ومن صور ذلك بر الوالدين، والإحسان إلى الزوجة والأبناء، وصلة الرحم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، والجهاد في سبيل الله، والإحسان الى الجار، والسعي على الأرامل والمساكين، وقضاء حوائج المسلمين، والإصلاح بين الناس، والتعاون على البر والتقوى، وعيادة المريض، وإطعام الطعام، وإعانة الضعيف، وإماطة الأذى عن الطريق، والسماحة في البيع والشراء وحسن القضاء.
أما الفصل السادس والأخير، وهو بعنوان «عقبات في طريق الربانية»، فهو يركز على دور جهاد النفس على القيام بالطاعة، وجهاد النفس على لزوم الصدق والإخلاص، والحيطة من النفاق والفتن، وتذكر نعم الله، وعدم القنوط أو اليأس، والإسرار بالعمل، ودوام محاسبة النفس، والابتعاد عن مواضح المدح، والعمل على تزكية النفس، ودوام الإنفاق في سبيل الله، وكثرة الرباط بالمسجد، ومصاحبة الصالحين، وغير ذلك من الطاعات والفضائل، تلك هي ملامح الطريق إلى الربانية.