عرف المغرب خلال عام 2014م أحداثاً كثيرة، منها ما كانت له انعكاسات إيجابية ومنها ما كانت انعكاساته سلبية؛ بل وأحياناً كارثية.
عرف المغرب خلال عام 2014م أحداثاً كثيرة، منها ما كانت له انعكاسات إيجابية ومنها ما كانت انعكاساته سلبية؛ بل وأحياناً كارثية.
علاقات المغرب المتوترة مع جيرانه:
فعلى المستوى الخارجي عاشَ المغرب بعض التوتر في علاقاته بجيرانه طوال السنة، وهو ما جعله يعيش أزمات مع جيرانه وأهم حلفائه، الجزائر وإسبانيا وفرنسا، هذا الامتحان لم يصب الدبلوماسية المغربية بأي إخفاق، رغم اضطرارها إلى الخروج أكثر من مرة للتوضيح والردّ.
أبرز تلك الحالات تمثلت في إعلان صحيفة “إلموندو” الإسبانية أن عناصر من الحرس المدني الإسباني، تعمّدوا إيقاف الملك محمد السادس وهو على متن زورق سريع في مياه سبتة المحتلة، يوم 7 أغسطس 2014م، وهو الحادث الذي أغضب الملك الذي اتصل بنظيره الإسبانِي الملك “فيليبي السادس” الذي عبر عن استيائه من الحادث، قبل أن يحضر قائد الحرس المدني للمنطقة؛ المقدم “أندريز لوبيز”، للاعتذار أمام العاهل المغربي، كما عبر وزير الخارجية الإسباني عن اعتذاره هو الآخر.
ثم شهدت العلاقات المغربية الفرنسية، التي ظلت دائماً توصف بالإستراتيجية والتاريخية بدورها أزمةً غير مسبوقة مطلع العام 2014م، حين استدعت السلطات الأمنية الفرنسية مديرَ إدارة مراقبة التراب الوطني، المعروفة اختصاراً بـDST، عبد اللطيف الحموشي وهو في مقر إقامة سفير المغرب بفرنسا عند زيارته لباريس، على خلفية اتهامات له بوقائع ترتبط بالتعذيب.
هذا السلوك من القضاء الفرنسي، الذي وصف بالصلف، أوصل العلاقات بين الرباط وباريس إلى درجة التأزم مما دفع المغرب إلى تعليق اتفاقيات التعاون القضائي مع فرنسا، هذا الجفاء الذي طبع العلاقات بين المغرب وفرنسا؛ والذي كان دائماً يطبع العلاقات بين البلدين كلما وصل الاشتراكيون إلى الحكم في باريس، ولكنه بلغ هذه المرة حداً غير مسبوق؛ تجلى كذلك في التعامل السيئ مع وزير خارجية المغرب عندما توقف في مطار باريس في طريقه إلى الرباط؛ حيث تعرض لتفتيش جسدي بطريقة مهينة.
ويبدو أن التوتر بين البلدين مازال قائماً؛ يتجلى ذلك من خلال إحجام الملك محمد السادس عن قضاء عطلته السنوية التي اعتاد أن يقضيها في مثل هذا التاريخ بفرنسا، وفضل أن يقضيها في كل من الإمارات العربية المتحدة وتركيا.
أما الجارة الجزائر فدشنت العام 2014م بطرد العشرات من اللاجئين السوريين، أغلبهم نساء وأطفال، من ترابها وألقت بهم وراء الحدود المغربية، كما أطلق أحد جنودها النار من قلب التراب الجزائري على مواطن مغربي في الجانب المغربي من الحدود بين البلدين.
هذا النوع من التصعيد معناه عدم الرغبة في أي صلح وأن العلاقات بين الجارين سوف تستمر في تصدعها.
توتر علاقات المغرب مع جيرانه وحلفائه قابله امتداد للمملكة المغربية داخل عمقها الأفريقي وتعزيز موقعها على مدى كل دول غرب أفريقيا تقريباً، لدرجة أصبح معها المغرب يعتبر جسراً لا يمكن تجاوزه بين الدول الكبرى وأفريقيا الغربية، وربما هذا التموقع الإستراتيجي للمغرب في أفريقيا هو سبب توتر علاقاته مع جيرانه وحلفائه.
الجيش المغربي في الشوارع:
لم يسبق للمغاربة، أن شاهدوا قواتهم المسلحة في الشوارع، فهذا المنظر كانوا يشاهدونه فقط عبر شاشات التلفاز في ساحات وميادين دول أخرى، ولا تحتفظ ذاكرة أجيال القرن الماضي إلا بحالتين لنزول الجيش إلى الشوارع؛ كان ذلك عقب محاولتي الانقلاب ضد الملك الراحل الحسن الثاني في عام 1971 و1972م؛ إلا أن استشعار هجمات محتملة من طرف حركات مسلحة، دفع الملك إلى إصدار قرار سيادي يتعلق بإنزال دوريات للجيش في حملة سميت بـ”حذر”؛ بل إن الجيش المغربي أخرج أسلحته الثقيلة من مدافع وصواريخ مضادة للطائرات، وضعت في أهم المدن المغربية على أهبة الاستعداد؛ وذلك بعد أن تم تسريب خبر مفاده أن بعض الجماعات المسلحة قد تكون استولت على طائرات حربية من ثكنات ليبية، وكون المغرب من بين الأهداف المحتملة للهجوم بتلك الطائرات.
كوارث طبيعية:
عاش المغاربة، ابتداءً من 27 نوفمبر الماضي وعلى مدى ثلاثة أسابيع، أياماً سوداء على وقع الأمطار الطوفانية التي أغرقت مدناً بالجنوب المغربي، وأودت بحياة أكثر من 50 شخصاً، جرفتهم سيول الأودية أمام عدسات الكاميرات الهاوية، وآخرين قضوا ردماً جراء انهيار المنازل، فيما تمّ إنقاذ الآلاف ممن كانوا محاصرين ومهددين بخطر الموت.
ورغم أن السلطات المغربية لم تعلن حداداً رسميّاً ولا تنكيساً للأعلام الوطنية؛ فإن الكارثة أبانت عن روح التضامن الذي يطبع المغاربة، فقد انخرط عدد منهم في عمليات الإجلاء والإنقاذ، وتحرك عدد آخر لجمع التبرعات لإعانة المنكوبين.
أول “إضراب عام” في العهد الجديد:
ظل المغاربة قبل التاسع والعشرين من أكتوبر 2014م، يمسكون بأيدهم على قلوبهم وهم يترقّبون الأجواء التي سيمر فيها “الإضراب العام” الوطني، الذي دعت إليه ثلاث مركزيات نقابية مجتمعة: (الاتحاد المغربي للشغل، والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والفدرالية الديمقراطية للشغل)؛ فالإضراب العام مقترن في الذاكرة الجماعية للمغاربة بالتخريب والتدمير من طرف المتظاهرين وبالعنف من طرف السلطات.
إلا أن الإضراب مرّ يومها بسلام، وتنفّس الجميع الصعداء بمرور ذلك اليوم دون أي صدام يذكر، وهم يستحضرون تجربة إضرابي 1981 و1994م، الذين شهدا أحداثاً داميّة وموجة من الاعتقالات.
إصلاح منظومة العدالة:
لن يضطر وزير العدل إلى الاستقالة؛ فالسيد مصطفى الرميد كان قد صرح عند توليه وزارة العدل والحريات في حكومة العدالة والتنمية أنه إذا فشل في إصلاح منظومة القضاء في المغرب، فإنه سوف يستقيل من منصبه؛ وقد نجح الوزير في استكمال مشروعه الإصلاحي الذي يهدف إلى جعل القضاء سلطة مستقلة وليس قطاعاً إدارياً تابعاً للحكومة.
أهم ما اشتملت عليه مسودة المشروع الجديد إسناد تسمية القضاة في المهام الموكلة لهم إلى مكتب المحكمة وجمعيتها العامة، بعد أن كان من اختصاص وزارة العدل، وتوسيع دور الجمعية ليمتد لمجالات التكوين المستمر والتواصل، وتحديد حاجيات المحكمة المادية والبشرية، ومعلوم أنها جمعية منتخبة من القضاة أنفسهم، كما أكدت المسودة على مبادئ احترام حقوق الدفاع، وضمانات المحاكمة العادلة، وإصدار الأحكام في أجل معقول، مع تيسير الوصول إلى المعلومة القانونية والقضائية لكافة المتقاضين، والتواصل معهم بلغة يفهمونها، وتبقى اللغة العربية هي لغة التقاضي والمرافعات، مع مراعاة المقتضيات الدستورية المتعلقة بتفعيل ترسيم اللغة الأمازيغية، مع اقتراح توسيع مجال الصلح والوساطة بتمكين القاضي من عرضها في حل النزاع على الأطراف، وتنص مسودة المشروع كذلك على اعتماد الإدارة الإلكترونية، تماشياً مع برنامج المحكمة الرقمية، الذي تشتغل عليه وزارة العدل والحريات حالياً.
صندوق التكافل الاجتماعي:
تمكنت الحكومة المغربية أخيراً من الإفراج على صندوق التكافل الاجتماعي بعد سنتين من الانتظار، وكانت قد تمت المصادقة عليه في قانون المالية للسنة 2012م، وهو صندوق مستحدث كان بن كيران قد وعد به منذ تعيينه على رأس الحكومة في نوفمبر 2011م، ويسعى إلى تقديم العون إلى الأرامل والمطلقات لتمكينهن من دخل قد يسد حاجتهن ويساعدهن على العناية والتكفل بأبنائهن؛ وخصوصاً يغنيهن عن الحاجة.
ووافقت وزارة المالية على اعتماد 160 مليون درهم كمجموع الموارد المالية التي ستخصص لهذا للصندوق؛ مصدرها مداخيل الرسوم القضائية.
الهجرة السرية.. المغرب يتحول من محطة عبور إلى دولة الإقامة:
شهدت الشهور الأولى من العام 2014م تنظيم العملية الاستثنائية لتسوية أوضاع المهاجرين بالمغرب، في سياق تفعيل السياسة الجديدة في مجال الهجرة، حيث شرعت السلطات الوصية في منح بطاقات الإقامة لآلاف المهاجرين غير النظاميّين، القادمين خصوصاً من دول أفريقيا جنوب الصحراء وآسيا ومن دول أخرى.
المغرب انتقل بذلك من بلد عبور نحو القارة الأوروبية، إلى بلد إقامة للآلاف من المهاجرين من جنسيات مختلفة، إذ يتراوح عددهم ما بين 25 و30 ألف مهاجر، في حين يرى البعض أن تحمل البلد لهذا الكم الهائل من المهاجرين، والمرشح للارتفاع، بما يعنيه من مسؤولية اجتماعية واقتصادية باهظة الثّمن، يحتاج إلى تشجيع ودعم من الطرف الأوروبي، لكون المغرب يساهم بهذه الخطوة في استقرار المنطقة المتوسطية ويوقف نزيف استغلال هؤلاء المهاجرين من طرف مافيا الاتجار في البشر والأسلحة والمخدرات والإرهاب.
فقدان نوابغ البلد.. عام الحزب في المغرب:
ربما لن ينسى المغاربة الوفاة التراجيدية والغَامضة، لقياديّين سياسيين بارزين، هما أحمد الزايدي؛ القيادي والبرلماني عن حزب الاتحاد الاشتراكي، وعبدالله باها؛ وزير الدولة ورفيق رئيس الحكومة عبدالإله بن كيران، حيث جمعتهما السياسة في قاعات البرلمان، ثم الموت “الغامض” عند قنطرة وادي الشراط قرب بوزنيقة بين الرباط والدار البيضاء، حيث قضى الزايدي غرقاً داخل سيارته تحت القنطرة فيما صدم القطارُ عبدالله باها وهو على سكتها، مع العلم أن هذا المكان نفسه شهد في بداية ستينيات القرن الماضي محاولة اغتيال زعيم المعارضة آنذاك المهدي بن بركة عندما تم دهس سيارته الصغيرة بواسطة شاحنة؛ مما تسبب في انقلابها تحت نفس القنطرة.
أحزان المغاربة تعمقت كذلك بوفاة المُفكر الكبير وعالم المستقبليات المغربي د. المهدي المنجرة (81 عاماً)؛ الذي كان يعتبر من نوابغ العالم وليس فقط المغرب.
الإصلاحات الكبرى وتراجع أسعار النفط:
شرعت حكومة عبدالإله بن كيران في التصدي للإصلاحات الكبرى؛ وخصوصاً منها الملف الشائك والملتهب؛ المتعلق بإصلاح صندوق المقاصة الذي تدعم من خلاله الدولة أثمان المواد الاستهلاكية الأساسية؛ وعلى الأخص منها المواد البترولية التي يستوردها المغرب بالكامل وترهق ميزانيته، وقد رفعت الحكومة بالفعل الدعم عن المواد الطاقية، وفي سياق التخوف من أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع مهول في أسعار المحروقات؛ مما ستكون له تداعيات وخيمة على أسعار المواد الاستهلاكية؛ إذا بأسعار النفط تعرف انخفاضاً كبيراً في الأسواق العالمية بالتزامن مع هذا القرار، صحيح أن الدول المصدرة للنفط تضررت لكن هذا التراجع الكبير في أسعار النفط اعتبر بمثابة بشرى بالنسبة للدول المستوردة للطاقة؛ كالمغرب الذي سيكون من أكبر المستفيدين من تراجع أسعار النفط حسب ما كشف عنه تقرير لوكالة “أولير هرمس” الفرنسية المتخصصة في التأمينات والاستشارات الاقتصادية.
ففي حال استمرت أسعار النفط في التراجع سيتمكن المغرب من تحسين مؤشراته الاقتصادية من خلال تقليص عجز الميزان التجاري بحوالي 1% خلال السنة المقبلة، حسب توقعات المؤسسة الفرنسية وسيرفع من مداخيل الدولة بنسبة 1% أيضاً، كما أن نسبة عجز الميزانية التي كانت دائماً تؤرق الحكومة المغربية سيقترب من 4% بعد أن وصلت هذه النسبة إلى 7% عام 2011م.
وواصلت المؤسسة الفرنسية رسمها لصورة متفائلة حول ما يمكن أن يجنيه المغرب من مكاسب جراء انخفاض أسعار النفط؛ حيث أكدت أن تراجع كلفة فاتورة الطاقة سيشجع الدولة على الاستثمار؛ وهو الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى خلق فرص جديدة، لتفضي في النهاية إلى الرفع من الطلب الداخلي والرفع من نسبة النمو، وإحداث مناصب شغل جديدة، كما أكدت المؤسسة الفرنسية أن الشركات المغربية لن تواجه مشكلات كبيرة في السيولة أو الحصول على القروض، لدرجة أن المغرب تم وضعه إلى جانب فرنسا في نفس المجموعة التي سيتراجع فيها عدد الشركات التي ستسجل خسائر مادية خلال السنة المقبلة.
أما على صعيد المؤشرات الاقتصادية التي تمس المواطن مباشرة، فقد أكد التقرير أن المغرب لن يعرف ارتفاعاً في الأسعار خلال السنة المقبلة، مضيفاً بأن نسبة تضخم الأسعار لن تتجه هي الأخرى نحو الارتفاع.
وبخصوص المحروقات التي لن تستفيد من دعم الدولة مع بداية هذه السنة 2015م، فستبقى أسعارها خاضعة لمنطق السوق، “لكن بما أن التوجه العالمي يفيد بأن أسعار النفط ستتراجع خلال السنة فلا يمكن أن تعرف أسعار المحروقات في المغرب ارتفاعاً كبيراً”، ويشار إلى أن الحكومة قد أكدت أنه في حال ارتفعت أسعار النفط إلى مستوى غير متوقع فإنها ستقوم بالعودة إلى دعم هذه المحروقات من جديد.
يضاف إلى هذا كون الأمطار الغزيرة التي شهدها المغرب في نهاية فصل الخريف الأخير؛ رغم تسببها في فيضانات أدت إلى خسائر فادحة في البنية التحتية وفي الأرواح؛ كانت لها من جهة أخرى نتائج إيجابية؛ بحيث عرفت حقينة السدود الكثيرة التي يتوافر عليها المغرب امتلاء بلغت نسبته 100% في أغلبها مما يبشر باكتفاء المغرب من حاجته إلى المياه لأكثر من أربع سنوات قادمة؛ وهو ما دفع الحكومة إلى تأجيل مشروع تحلية مياه البحر لسد الحاجة من المياه للسقي؛ والاتجاه إلى صرف الميزانية المخصصة له في مجالات نمو واستثمارات أخرى.