ثمة شعور عند كثير من المواطنين في دولة الكويت بعدم ثقتهم بدرجة نضوج مستوى الحس الأمني والتنبه بعمق التحديات والأخطار عند المؤسسات المسؤولة في الدولة وأنه يشوبها الضحالة والتفكير الآني، وأنها مترددة في امتلاك الدافعية لاتخاذ القرارات المناسبة لمواجهة عمق التحدي الأمني على المواطنين، وما تشكله الأزمات المحيطة في الكويت من خطر داهم عليهم.
وقبل الدخول إلى هذا المشهد وتحليله، فإن الاعتبار بالتاريخ مهم؛ إذ إن فقدان الحس الأمني كان من أهم أسباب سقوط دولة الأندلس وإماراتها بيد الصليبيين واتحاد إسبانيا النصرانية وأراغون وقشتالة وحسمها في معركة غرناطة التي قاد المسلمين فيها عبدالله بني الأحمر في عام 897هـ/1492م، حيث تلهى الناس والأمراء في تلك الحقبة بالاستملاك والعمارة والترف من جهة، والتخندق والتحزب لإحراز التفوق الاحترابي فيما بين الإمارات والزعامات السياسية والدينية، وسمي هذا بعصر الطوائف.
في الكويت الانتباه والحس بالخطر دائماً يكون مؤقتاً، وما يتخذ من إجراءات شبيه بالعلاج المؤقت الذي يريح المريض ولكن تبقى العلة موجودة، وربما يستفحل المرض دون شعور المريض إلى أن تنهار مقاومته ويلقى حتفه.
مجسات الأمن الوطني في الكويت تكاد تكون معدومة؛ نظراً لطغيان الخلاف والتفرق السياسي والاجتماعي، ونظراً لارتفاع روح المنافسة الاستهلاكية التي تنمي الفرد الجشع وحالة الراحة المزيفة، في حين أن الخطر الداهم محيط وأن مفاهيم وقيم الأمن الوطني مفقودة على المستوى الفردي والمستوى المؤسسي، فكيف إذا ضعفت في الأجهزة المسؤولة عن الأمن الوطني في الدولة؟
فعلى المستوى السياسي:
تكاد أولويات الحكومة والمعارضة هي تحقيق كسب النقاط والمغالبة على قضايا خلافية تكاد تعصف بالاستقرار، وقد استغل هذا الخلاف من أطراف الظلام وعسكرة الطوائف لتمرير أدوات الإرهاب، بل إن من نتيجة مصفوفة التحالفات السياسية والاجتماعية واستعانة طرف على الآخر، أن وضعت أولويات الأمن الوطني تالياً بعد تحقيق المكاسب والمصالح، وتشكل لدينا لوبيات في الدولة تغطي وتحمي بعلم – أو بدون علم – الحالة المتوثبة للضعف والإرهاب وتقوم بتسطيح هذه القضية.
وعلى المستوى الاجتماعي:
فإنه منذ تحرير الكويت عام 1991م من الاحتلال الصدامي، فإن الصراع الاجتماعي نتيجة الخلاف السياسي تمدد وانتقل من مجرد صراع على المواقع المدنية والمصالح السياسية والاقتصادية إلى صراع طبقي ثم طائفي ثم ولائي، بل وللأسف تطور إلى تصنيف ديمجرافي وفق خط الهجرات الأولى لدولة الكويت، وهذا للأسف تراكم لما يقارب ربع قرن ليتحول إلى كتل ديمجرافية متشاحنة تمثل خطراً على النسيج الوطني بما يدفع للاحتراب والخصام والشقاق والخلاف.
وكان من نتائجه نفوذ العمليات الإرهابية، وتوجت بعمل إرهابي في «مسجد الصادق»، وأخيراً خلية العبدلي الموسوم بها حزب الله، كما اصطف المجتمع ديمجرافياً في بعض القضايا الإقليمية والخارجية، مما زاد من اضمحلال الحس الأمني والوطني عند الشعب الكويتي.
أما على المستوى القيمي:
فإن تراجع قيم المواطنة والاهتمام بكينونة الوطن ومصالحه وممتلكاته بات واضحاً لكل مراقب وراصد لحركة المجتمع وتفاعل الناس مع تلك القيم.
فانتشار الفساد في غالبية المؤسسات وخصوصاً بعضها له علاقة بأمن المواطنين، حيث يتم شراء المواطنة وتسهيل امتلاك الهوية المدنية وتهريب المواد والسلاح والتلاعب بقوائم المغادرين والممنوعين من السفر من أجل حفنة من المال، وكذلك انتشار المحسوبية وتقليد الوظائف للضعفاء، وبحسب الولاء القبلي أو العائلي أو الطائفي أو المصلحي بما يخل بالموقع المهم في الدولة وحساسية بعض المواقع.
إن فقدان قيم الالتزام والانضباط وأداء الواجب وتوافر الذمة والإخلاص في العمل والانتباه للخطر والتدقيق في الوظائف الحساسة؛ كل ذلك أدى إلى تجسير حالة المجتمع الكويتي نحو الغيبوبة الوطنية وتدثيره بسطحية الخطر الأمني وتعايشه مع نفوذ الإرهاب المغطى بالتعايش السياسي.
أما على المستوى المؤسسي:
فإنه من الملاحظ تماماً أن التخبط سيد الموقف، فلا خطة وطنية واضحة المعالم تجاه الأخطار الأمنية على الوطن تشترك فيها قطاعات الدولة جميعاً، بل إن المؤسسة المعنية وهو جهاز الأمن الوطني الذي صدر مرسوم تأسيسه (رقم 32) عام ١٩٩٧ يكاد ينسى دوره ويستثني من قائمة المؤسسات المعنية والمسؤولة عن التخطيط والتوجيه وإدارة السياسيات الأمنية للوطن.
فهذا الجهاز حسب اختصاصه في (المادة 2): «يعمل المجلس على ضمان سلامة وأمن الوطن ووضع السياسات الإستراتيجية والبرامج والخطط لتعميق هذا الغرض والإشراف على توفير المعلومات والبيانات وإعداد الدراسات والبحوث اللازمة في هذا الشأن بالتنسيق مع الجهات المعنية».
فلا وضع أو أعلن خطة واضحة المعالم تعالج من خلال الأجهزة الأمنية المعنية (سوى ما تم باجتهاد بعض المؤسسات بذاتها) دون تنسيق مع كل قطاعات الدولة في إرساء حالة من التفاهم والتعاون بين الدولة والمجتمع والمؤسسات المهمة.
فلا سياسات أمنية وطنية في قطاعات التربية والإعلام والأوقاف والشؤون الدينية والداخلية وقطاعات الخدمات المهمة كالكهرباء والماء والجمارك والمنافذ والبلدية وغيرها.. فهذه القطاعات تجتهد بشكل عشوائي وآني وأوقات الحدث.
حيث إن كل هذه الأجهزة مشغولة بالحالة اللحظية لدورها الخدمي أو معلولة بسبب ترهلها القيادي أو مخترقة من أدوات النفوذ والفساد، بل وأجزاء مهمة من هذه المؤسسات منشغلة بأولويات الخصومة السياسية والتدافع الاجتماعي والتسابق على المصالح والنفوذ.
إن مشكلات الخلل في التركيبة السكانية وسرعة نمو الانتساب للمواطنة واكتساب الجنسية الكويتية بالوسائل غير المشروعة وخلل حالة الزواج بالأجنبي وعدم الاهتمام بالشباب وانتشار المخدرات وعولمة الجريمة وتخزين السلاح وحالة الصراع الاجتماعي وتمدد نفوذ قوى غير واضحة مندسة خلف قوى متنفذة سياسياً ومالياً كل ذلك هي مشكلات جاذبة للأخطار الأمنية على الوطن.
إن وضع نظرية أمنية وإستراتيجية أصبحت ضرورة وطنية ومسؤولية تاريخية على الدولة في مثل هذه المرحلة الحساسة التي تواجه الكويت ولا يعفي المجتمع من تلك المسؤولية.