كالعادة يكتب الدكتور حسين الرواشدة بقلم الصديق الناصح الصدوق، الذي لا تمنعه المجاملة من الوصول إلى ما يريد مباشرة، سواء شهادة الحق الإيجابية لك، أو نقد تصرفك ومنهجك دون تردد، ومن فضل الله علينا في هذا البلد، وجود عدد من الأقلام الشابة الواعية الصريحة الجريئة التي تنتهج هذا الأسلوب.
في مقالةٍ له بعنوان: مشروع سياسي وطني جامع، هل نحن جاهزون في جريدة الدستور الغراء، وفي ظني أنه يعلّق على حراك مجتمعي أو على حوارات شهدها ربما في مواقع مختلفة، ونتيجة هَمّ يشغله ويشغل فكره، وفكر كل مواطن أردني جاد، بل كل عربي أينما وجد يحمل همّ أمته بوعي ومسؤولية.
أوافق الكاتب الكريم على الحاجة الماسة الضرورية لقيام مشروع وطني سياسي جديد ليكون بمستوى مشروع دولة ديمقراطية مدنية، يشترك في السعي للوصول للمشروع نخب شعبية وأفراد يؤمنون بضرورية وقناعة رسمية، بقيام هذا الجسم حيث يشكل مصلحة وطنية عليا، وضمانة لحماية بلدنا من الأخطار المحدقة به وطريقاً لتقدمه ورقيه ورفاهية شعبه.
نعم إنها الفريضة الوطنية السياسية الغائبة والمفقودة بهذا الشمول، من الساحة السياسية الأردنية بل والعربية حتى الآن، وإن كانت موجودة ففي عالم الأماني أو الشعارات هنا وهناك.
إنَّ أردنيين كثيرين يتوقون إلى رؤية هذه الصورة واقعاً على الأرض، ليشهدوا قبل مغادرتهم هذه الدنيا وأنا منهم وبقناعة تامة، انطلاق مشروع بهذه الشمولية والوضوح والتكامل، وبهذا الحجم يتجاوز عقد التاريخ والتجارب الماضية، ويتجاهل المربع الذي حبس فيه البعض أنفسهم طويلاً من مختلف الاتجاهات والمذاهب السياسية.
لا أقلل من عظم مهمة الباحثين عن هذا المشروع وحجم المعيقات، ولكن قيامه ممكن لأسباب عديدة منها:
1 – أنه ضرورة وطنية ملجئة وليس خياراً من الخيارات والبدائل.
2 – أن أخطاراً كبيرة تهدد الوطن بل ربما تجاوزت مرحلة التهديد، ولا يمكن مواجهتها إلاَّ بوعي جديد وعمل مميز مخترق للتجارب السابقة.
3 – لأن كثيرين ومن مختلف المشارب والاتجاهات وصلوا لقناعات ذاتية تعلموها بأنفسهم من خلال العرق والألم والمعاناة وربما الدم، بأن أي اتجاه أو حزب أو مجموعة متفردة بذاتها ليس بمقدورها أنْ تنتج مشروعاً نافعاً ذا قيمة على الإطلاق، وبدؤوا يعبرون عن هذا صراحة وبخاصة من الإسلاميين.
4 – نشوء أجيال جديدة متفتحة، سليمةٍ من عقد الماضي ومعاناته وصراعاته الصفرية السابقة، وإطلاعها على ثقافات الشعوب الديمقراطية وما توصلت إليه بعد معاناة على مدى سنوات طويلة.
5 – صحيح أن هناك تجارب ومحاولات لم يكتب لها النجاح قام بها إسلاميون قبل ما يزيد على عشرين عاماً كما في حزب جبهة العمل الإسلامي – لكن عدم نجاحها عائد إلى قصور في الفهم والتطبيق – الذي يمكن أن يستدرك – وليس إلى خطأ في الفكرة أو حتى في المنهج، ويسجل للحزب سبقه في مجرد التفكير والمحاولة، مما يوجب الإفادة مما سبق والبناء على إيجابياته وسلوك منهج جديد يتجنّب سلبيات الماضي.
نعم إنّ الغائب الرئيس والعنصر الفاعل والأهم هو توافر الثقة المتبادلة بين الذين يؤمنون بهذا المشروع ويفكرون بإطلاقه على المستويين الشعبي والرسمي، لكن هذه الثقة يمكن أن تبنى بالتدريج وعدم الاستعجال ورسم سياسات علمية مدروسة، والاتفاق على أهداف إستراتيجية واضحة للعلن، وعمل مشترك منذ الخطوات الأولى، واستثني من المشروع المتعجّلون والمترددون وأصحاب الأجندات الخاصة والأفهام الضيقة، وأصحاب النَّفَس السياسي القصير.
تنجح الفكرة أي فكرة إذا قوي الإيمان بها وظهر الاستعداد لحملها والتضحية في سبيلها، والإخلاص لإنجاحها، وتأكدت حاجة المجتمع لها.
وأتمنى أن تتعالى الأصوات الوطنية الجادة لتجيب نداءات الضرورة والواجب وتقول هاأنذا على استعداد أنْ أعطي لوطني وشعبي ولا أخذ إلا آخرهم…
أشكر الكاتب الكريم على طرحه المتقدم، وعلى جرأته وعدم يأسه رغم الظروف المحيطة والتجارب السابقة.