أعلنت جميع الأحزاب الإسلاميّة خوض الانتخابات بعد تجارب نظيراتها في تونس والمغرب وتركيا
من معوّقات الوحدة بين هذه الأحزاب الإشكالية المتعلقة بالزعامة وطبيعة البيئة السياسيّة والنظام الانتخابي
سعياً منها إلى تحقيق التعاون الذي حثّ عليه الإسلام خاصة في مواجهة التكتلات التي تواجه الحركات والأحزاب الإسلامية في المنطقة، وعلى مرمى حجر من الانتخابات التشريعية في الجزائر، تشهد الساحة السياسية تصاعداً في وتيرة المساعي التي يبذلها عدد من قيادات الأحزاب الإسلامية، من أجل التكتل وتشكيل تحالفات قادرة على الدخول بقوائم انتخابية موحدة.
ويأمل الساعون إلى هذه التكتلات أن ينجح هذا الخيار الإستراتيجي في منافسة أحزاب السلطة واكتساح البرلمان، خصوصاً بعد أن أعلنت جميع هذه الأحزاب عزمها على خوض غمار السباق الانتخابي وعدم تبني خيار المقاطعة الذي دأبت عليه في العديد من الاستحقاقات الانتخابية السابقة، وهو طموح يغذيه النجاح الذي حققته تجارب الأحزاب الإسلامية في الجارتين تونس والمغرب، وفي تركيا أيضاً، حيث يتوق إسلاميو الجزائر لتكرار نفس التجربة في بلادهم وإيجاد موطئ قدم لهم في السلطة.
ولئن كان الكثير من المعوقات الموضوعية والتاريخية والنفسية قد واجهت مشروع الوحدة بين الأحزاب الإسلامية النشطة في الساحة الجزائرية، وأهمها الإشكالية المتعلقة بالزعامة والقيادة وطبيعة البيئة السياسية العامة، والموانع التي يفرضها النظام الانتخابي عليها، إلا أن بوادر تجاوز هذه المعوقات بدأت تظهر مؤخراً، من خلال تشكيل قطبين كبيرين؛ أحدهما جاء نتاج آلية الاندماج، والثاني اختار نهج التحالف، فقد أعلنت حركة النهضة بقيادة أمينها العام محمد ذويبي، وجبهة العدالة والتنمية التي يتزعمها الشيخ عبدالله جاب الله، عن تأسيس تحالف إستراتيجي انضمت إليه في وقت لاحق حركة البناء الوطني بقيادة أحمد الدان؛ حيث أكد الإعلان التأسيسي للتحالف المسمى «التحالف الإستراتيجي الاندماجي التوافقي» أن الهدف من هذا الأخير هو الدفاع عن قيم الأمة الإسلامية وثوابتها، وإقامة دولة مدنية يكون فيها الشعب مصدراً للسلطة، كما يتبنى التحالف أسلوب التغيير السلمي، ونبذ العنف كوسيلة للوصول والبقاء في السلطة، مع اعتماد منهج الوسطية والاعتدال والبعد عن كل غلو أو تطرف، وكذا ترسيخ التعددية السياسية والإعلامية، وحرية التعبير، والحق في تكافؤ الفرص وتحرير المبادرة.
كما أكد مؤسسو هذا التحالف أن الدعوة مفتوحة لجميع الأحزاب الإسلامية التي ترغب في الانضمام إليه، على اعتبار أن القواسم المشتركة واحدة، والأولويات الوطنية واحدة أيضاً، كدلالة واضحة على نية هذه الأحزاب في تكريس الحريات السياسية، وإعطاء نموذج عن الحكم الراشد الذي تدعو إليه في خطاباتها وأدبياتها الفكرية، وعلى وجود رغبة حقيقية أيضاً لتشكيل قوة سياسية إسلامية بالبلاد، بإمكانها توسيع وعائها الانتخابي، وكسر التقليد القديم السائد في الساحة، الذي يتميز بالهيمنة الشاملة لحزبي جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي على مختلف المجالس واللجان ومراكز القرار، في حين يعتقد آخرون أن انصهار الأحزاب الإسلامية في بوتقة واحدة، من شأنه أن يؤدي آلياً إلى تجاوز الاختلاف حول الزعامة، ووضع حد لهدر الطاقات في الصف الإسلامي، ببروز قيادة واحدة أو شخصية تحظى بالإجماع، وتقديمها كمرشح في الاستحقاقات الرئاسية المقبلة، التي لا ينوي إسلاميو الجزائر تضييعها.
وهذا الرأي الأخير، يتوجس منه عبدالرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم، وهو أكبر حزب إسلامي في الجزائر، حيث يرى أن اجتماع كل الإسلاميين في حزب واحد، سيبعث الخوف في نفوس منافسيهم وخصومهم في الداخل والخارج؛ مما يعطي المبررات للتحالف ضدهم داخلياً وخارجياً ويقطع الطريق عليهم، لذلك فإنه (مقري) ينظر ببرودة لدعوة التحالف الناشئ بين النهضة، وحركة العدالة والتنمية، ويعتبرها مجرد تحالف بين إخوة كانوا في حزب واحد فرجعوا إلى بعضهم بعضاً، لكنه في نفس الوقت، يبارك هذه الوحدة ويعتقد أنه من الأفضل أن يكون التحالف ثلاثياً أو رباعياً، في إشارة منه إلى عدم انضمام حركته إلى التحالف، على اعتبار أن لها رؤية خاصة حول الوحدة والإستراتيجية التي يجب أن تنتهجها الأحزاب الإسلامية في الانتخابات المقبلة، والقائمة على ضرورة بروز حزبين إسلاميين قويين فقط، منهجهما الوسطية والاعتدال، وأن هذا التشكيل من مصلحة الحركة الإسلامية ومصلحة الأوطان الموجودة فيها.
اندماج وليس تحالفاً
ولعل هذا الطرح، جعل مقري يعقد تحالفاً مع جبهة التغيير التي يقودها عبدالمجيد مناصرة، وهو ما يعتبره الكثيرون اندماجاً لا أكثر، على اعتبار أن جبهة التغيير ولدت من رحم «حمس»، وتشكّلت نواتها الصلبة من المنشقين عن حركة مجتمع السلم، وهو ما أكده رئيس جبهة التغيير من خلال قوله: إن الوحدة مع حركة مجتمع السلم وحدة اندماجية، وليست تحالفاً انتخابياً أو لجوءاً اضطرارياً، ستجسد قانونياً في إطار حركة مجتمع السلم؛ لأن القانون الجزائري مع الأسف استحضر الانقسامات، ولم يستحضر الاندماجات، ومرحلتنا هي مرحلة الوحدة والتجميع وصناعة القوة والوعي والفكر الإستراتيجي.
وزيادة على ذلك، أكد مناصرة أن جبهة التغيير ستحلّ لأن حركة مجتمع السلم هي الإطار، أما بالنسبة للزعامة والقيادة التي لطالما عمّقت الخلافات بين الأحزاب الإسلامية في الجزائر، فيبدو أن حركة مجتمع السلم، وجبهة التغيير تجاوزتا الخلافات في هذا الموضوع، الذي تسبب في فشل محاولة سابقة للوحدة بينهما عام 2009م، من خلال اعتماد مبدأ التداول الذي أكده مقري خلال ندوة صحفية عقدها مع حليفه الجديد في 15 يناير 2017م، قال فيها: ستكون الرئاسة بالتداول في الأشهر القادمة، وعند الاندماج سيختار المناضلون المؤسسات والأشخاص الذين يقودونهم ديمقراطياً، لكن هناك شرطين؛ الأول: وجود رغبة واضحة من طرف الإخوة في تقديم شخص ما، والثاني: أن يقبل المسعى.
وبرغم هذه المبادرات التي لا يمكن الحكم على قوتها إلا من خلال ما ستقدمه من نتائج خلال الاستحقاقات القادمة أو السنوات المقبلة من عمرها، فإن الأمر لن يكون بالسهولة التي يتصورها الحالمون برؤية الأحزاب الإسلامية تتوحد وتتجاوز خلافاتها، فأمامها منافسة قوية من أحزاب السلطة التي سيطرت على المشهد لأكثر من عقدين، واستفادت من المزايا التي استحوذت عليها بوصولها لأعلى هرم السلطة، زيادة على التحدي الذي يفرضه الواقع السياسي والنظام الانتخابي في الجزائر، الذي يقلّص هامش المشاركة السياسية، وصعوبة كسب قاعدة شعبية كبيرة أو وعاء انتخابي محترم، على اعتبار وجود توجس من الأحزاب الإسلامية التي لم تكن في مستوى تطلعات الشعب خلال العقدين الماضيين، ونأيها عن واقع الناس وتطلعاتهم، بالظهور الظرفي فقط خلال المرحلة التي تسبق أي انتخابات تنظمها السلطة.
حزب العدالة والسلم
وبإطلالة بسيطة على مواقع التواصل الاجتماعي أو عمليات الاستطلاع التي تجريها بعض وسائل الإعلام المحلية، يظهر أن شريحة كبيرة لا تؤمن بأن هذه الأحزاب ستقدم جديداً، خصوصاً لدى فئة الشباب، يقول مثلاً شخص يسمّي نفسه «الصح أفا» في تعليق له على سؤال إحدى الصحف الكبيرة حول إسهام هذه الوحدة في استعادة التيار الإسلامي لبريقه ووهجه في الجزائر: «لا يوجد حزب أو أحزاب إسلامية في الجزائر، كلام للاستهلاك فقط، فبعد التسعينيات انكشف المستور وانتهى الأمر، فقد كان حزب واحد معارض، أما اليوم فأغلبية الشعب لا تثق في أي حزب، كل شيء كذب وخداع ونفاق».