يُلحظ لدى بعض المسلمين اليوم ضعف الانتماء والولاء الصادق للإسلام والأمة المسلمة، وقد يكون وراء ذلك أسباب، ربما نفسية، أو تاريخية، أو ثقافية، وعلى أية حال من ضَعُفَ لديه هذا الولاء والانتماء قلَّ عمله، وتقلصت إنتاجيته، وربما كان معول هدم، وليس معول بناء في المجتمع.
إن الشريعــة الإسلامية بتوجيهاتها السامية اعتنت اعتناء كبيراً بتحقيق وتنميـة الولاء والانتمـاء للإسلام والأمة المسلمـة، فقــال الله تعــالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات:10]، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”.
هذه التوجيهات الشرعية وغيرها الكثير تؤكد حرص الشارع الحكيم على أهمية قوة وصلابة وتماسك المجتمع المسلم، لأن في تماسكه قوة للعمل وللتقدم والرقي بالأمة، على العكس من التنازع والتناحر، قال تعالى ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [آل عمران:103]، وقال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال:46].
إن غير المسلمين لديهم ولاء وانتماء وفخر بدياناتهم الوضعية أو المحرفة وأوطانهم، وتجدهم يبذلون الغالي والنفيس في سبيل ذلك، وهذا الشعور تجاه الدين والوطن ينبغي أن يكون المسلم أولى به من غيره، لأن دينه هو الدين الحق الذي ختم الله تعالى به الأديان، فقال: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة:33].
فلا بد أن يستشعر المسلم حقيقة الولاء والانتماء والفخر والعزة للإسلام، فإذا تحقق ذلك في نفس المسلم، فستجده يعمل جاهداً لنصرة دينه، وتقوية أركانه، ولا يصدعه بأي فعل أو قول، ويكون حينئذ أداؤه للأعمال على أكمل وجه؛ لأنه يؤديها لله تعالى أولاً، ثم خدمة للدين ورفعته.
وأعتقد جازماً إنه إذا تحقق هذا الاستشعار بالانتماء الصادق في نفوس المسلمين للإسلام والمسلمين تغير الكثير من أحوالنا اليوم نحو الأصلح والأفضل، وليكن شعار المسلمين هو مقولة الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه:
أبي الإسلامُ لا أبَ لي سواهُ إن افتخروا بقيسٍ أو تميمِ
ولا شك يأتي هنا دور المؤسسات الدعوية والتربوية على مختلف أنواعها ومستوياتها للتركيز على هذه المعاني السامية، مع التأكيد على الاحتفاظ بالهوية الإسلامية والقطر الذي يعيش فيه المسلم، فلا يطغى جانب على جانب، فلكل منهما حقه من الولاء والانتماء من غير إفراط ولا تفريط.
المصدر: موقع “الألوكة”